لقد أظهرت (الدوائر العَروضيّة) الخليلية (ستةَ أنساقٍ مُهمَلةٍ) على الأقل، لم تصلح الكتابةُ على أوزانها، منذ أنشِئت الدوائرُ إلى اليوم، وذلك لأنها أنساقٌ نَشازٌ، تفتقدُ سلاسة الوزن الشعري، وفطريةَ الإيقاع المتأصّلةَ في أوزاننا العربية، وهي أشبه ما تكون بكلمات اللغة التي تتنافرُ حروفُها فلا تأتَلِف، وتتصادَمُ أصواتُها في الحلقِ وعلى طرف اللسان، فيتعثّر بها النطقُ والكلام، والتي نشأت بنفس الطريقة التي ظهرت فيها هذه المهملات من الأوزان.
فهي:
1-المستطيل ووزنه: [مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن]
2-المُمْتّدّ ووزنه: [فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن]
3-المتَّئِد ووزنه: [فاعلاتن فاعلاتن مستفعِ لن]
4-المنسَرِد ووزنه: [مفاعيلن مفاعيلن فاعِ لاتن]
5-المُطَّرِد ووزنه: [فاعِ لاتن مستفعلن مستفعلن]
واستخرَجَ بعضهم:
6-المتَوافِر ووزنه: [فاعلاتُكَ فاعلاتُكَ فاعلاتُكَ]
وبغضّ النظرِ عن هذه (الأنساق المهمَلَة) كليّةً، فقد وقعت (نظريةُ الدوائر) في (مأزق)، فأظهرَت لبعضِ البحور (المستَعمَلةِ) ذاتها (أصولاً مهمَلَةً)، لا سنَدَ لها من واقِعِ الشعر، ولم توافق الطبعَ العربيّ، ولا الذائقةَ العربية السليمة، ممّا اضطرّها -لكي يعودَ البحرُ إلى وزنه المستعمَل- إلى (إسقاطِ الزائدِ) من وزنه، والذي غالباً ما يكون تفعيلةً تامّةً، تُمثِّلُ ثلثَ ذلك الوزن.
1-فالأصلُ المهمَلُ للبحر (المديد) هو: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن [فاعلن]
2-فالأصلُ المهمَلُ للبحر (المجتث) هو: مستفعِ لن فاعلاتن [فاعلاتن]
3-والأصلُ المهمَلُ للبحر (المقتَضَب) هو: مفعولاتُ مستفعلن [مستفعلن]
4-والأصلُ المهمَلُ للبحر (المُضارع) هو: مفاعيلن فاعِ لاتن [مفاعيلن]
كلّ ذلك مِمّا يُفقِدُ الدائرةَ صِفة الدوران حقيقةً.
*ناهِيكَ عن أن يُقسَرَ (البحرُ السريع) على الانضمامِ إلى الدائرة الرابعة، بل أن يُجعَلَ بحرَها الرئيس، بافتراضِ: (مفعولاتُ) أصلاً فيه، وهو لا يرِدُ بمثلِ هذا السياقِ قطّ، مما اضطرّه إلى افتراض علّة (الطيّ مع الكشف) لكي يعودَ الضربُ إلى حقيقته: (فاعلن)! لأنّه بصورته المستعملة ليس له مكانٌ في دوائر الخليل.
كما قدّمت الدوائرُ عدداً من الأصولِ التي لا يُكتَبُ عليها إلاّ بعدَ إعلالِ أعاريضِها، أو ضروبِها، أو كليهما معاً، كأصلِ (البسيطِ والمنسرح) مثلاً.
كلُّ ذلك يجعلُ من (الدوائر العَروضية) (مُلْحَةً عَرَضِيّة)، كما وصفَها القرطاجنّي، وليسَ لها من فائدة تُذكَر، أكثرَ من إشارتها إلى اشتراكِ بعض الأوزان بالتسلسل المقطعي ذاته، على الرغم من اختلافِ موسيقاها.
وقد يَرَى بعضُ المفتونينَ بنظرية الدوائرِ أنها رأسُ النظرية العَروضية الخليلية، وأُسَّها الذي قامت عليه، ولا نراها إلاّ مُلْحَة، انتظَمَتْ للخليلِ بعدَ اكتمالِ نظريته، وصِياغة قواعدها. ويَكفي أنّها جمعَتْ بينَ وزنٍ مستعمَلٍ، ومقلوبِهِ المهمَل.
لذلك استغنينا عن ذكرها فيما ألّفناه، ولكننا نذكرها هنا إثباتاً لبعض ملاحظاتنا عليها.
* * *
هذا والله تعالى أعلم
——————