– في مساء 8 أكتوبر1951، أعلن مصطفى النحاس باشا، رئيس الوزراء، إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا.. كما شجّعت حكومة الوفد الحركات الشعبية في تنظيم المقاومة ضد القوات البريطانية الموجودة بمنطقة القناة.
– في يناير 1952، كانت عمليات المجموعات الفدائية ضد القوات البريطانية قد ازدادت، فقامت القوات البريطانية بمحاصرة قسم البوليس الموجود بمدينة الإسماعيلية، وطلبت من قوات البوليس تسليم سلاحهم والانسحاب من المنطقة إلى مدينة القاهرة، لكن وزير الداخلية المصري – فؤاد سراج الدين – أصدر أوامره بعدم قبول الإنذار، والمقاومة حتى آخر طلقة، فقاوم رجال البوليس هجمات الجيش البريطاني، وسقط منهم 50 قتيلا وما يزيد على 70 جريحا.
– بدأت المأساة في الثانية من صباح 26 يناير 1952، بتمرد عمال الطيران في مطار ألماظة بالقاهرة. ورفضوا تقديم الخدمات لـ4 طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد بلوكات النظام (البوليس) في ثكنات العباسية تضامنا مع زملائهم الذين تعرضوا للقتل والأسر في الإسماعيلية.. وامتنعوا عن القيام بمهامهم الخاصة بحفظ النظام، وعند الظهر تجمعت مظاهرات طلاب المدارس الثانوية في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة، قبل التوجه إلى جامعة القاهرة، ثم انضم إليهم طلاب الأزهر، للاحتجاج على ما جرى بالإسماعيلية.
– جاءت سيارات نقل مفتوحة، بها عشرات الرجال (شباب في نفس العمر)، يحملون (صفائح بنزين) .. سكبوا بعضها في مبنى كازينو بديعة وأشعلوا فيه النيران (الملهى المُفضّل للضباط والعساكر الإنجليز).. وسرعان ما انتقلوا بسياراتهم إلى الجانب الآخر من الميدان، حيث أشعلوا النيران في فندق شبرد، بعد ذلك انفضت المظاهرة وسادت الفوضى، وانضم الغوغاء إلى المسيرة، وصاروا يحطمون واجهات المحلات العامة، ويسرقون ما بها.. وفي ذلك اليوم المشؤوم التهمت النيران الكثير من الأماكن العامة في وسط القاهرة، من فنادق وسينمات ومحلات تجارية ومكاتب، كما مات الكثيرون وجُرح آخرون.. مع عمليات سلب ونهب..
– انتشرت النيران في فندق شبرد ونادي السيارات وبنك بركليز، وغيرها من المتاجر ومكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك، وكان التركيز علي الأماكن والملاهي الليلية والمؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية.
– طالت الحرائق أيضًا أحياء: الفجالة والظاهر والقلعة وميدان التحرير وميدان رمسيس، وسادت الفوضي وأعمال السلب و النهب، حتي نزل الجيش إلى الشوارع قبيل الغروب، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية..
– اتهم اللواء جمال حمّاد، بعض أفراد الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر، بحريق القاهرة، للتخلص من الملك، وهذا ما أكده “صلاح أبو شادي” صديق جمال عبد الناصر
– بينما ظل محمد حسنين هيكل ينفي ذلك طيلة حياته، وقال إن الذي حرق القاهرة ما زال مجهولا.
– اختلفت الروايات في عدد القتلى ذلك اليوم نتيجة الحرائق والشغب، ولكن جمال حماد في كتابه “أسرار ثورة 23 يوليو” قال إنهم 26 شخصا، رغم أن جميع الروايات وشهود العيان أكدوا أن عدد القتلى تجاوز الخمسين..
كما دمرت النيران ما يزيد عن 700 منشأة ما بين محلات وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، تم إحراق أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك، وجميع دور السينما الكبرى ومعارض السيارات ومتاجر السلاح.. أي أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلّت كل مراكز التجارة بها.
لكن يظل حريق القاهرة من الحوادث الغامضة الكثيرة جدا، في تاريخ مصر، ولا أحد يستطيع أن (يجزم) ويتهم أحدا، رغم تأكيدات أصدقاء جمال عبد الناصر، على دور الضباط الأحرار، في تلك الكارثة للانتقام من الملك، فلا أحد له مصلحة في ذلك غيرهم، حسب كلام المؤرخ العسكري اللواء جمال حماد.
مَن الجاني؟
أجمع شهود العيان أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التى قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، ويعرفون جيدا كيفية إشعال الحرائق كما كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة فى تنفيذ العمليات، ويحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة، ومواقد إستيلين لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب وقد استخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم، كما أن اختيار التوقيت يعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط لتلك العمليات!!!!
————-
المراجع:
– كتاب (مقدمات ثورة 23 يوليو) عبد الرحمن الرافعي
– كتاب (أسرار ثورة 23 يوليو) جمال حمّاد
– كتاب (حريق القاهرة في الوثائق السرية البريطانية) مجدي نصيف
– (أسرار حريق القاهرة في الوثائق السرية البريطانية) جمال الشرقاوي.
– الحركة السياسية في مصر (1945-1952م) طارق البشري
– (مذكرات مرتضى المراغي) دار المعارف
– كتاب (حريق القاهرة) محمد أنيس
– كتاب (قال الناس ولم أقل في حُكم عبد الناصر) عمر التلمساني.
———
يسري الخطيب