يبدو التلاسن الإعلامي الدائر حاليا بين القاهرة والرياض أمر لافتا للأنظار حيث كال ثلاثة من كبار المثقفين السعوديين المقربين من ولي العهد السعودي انتقادات لاذعة للسلطات المصرية بشكل غير مسبوق امتد لسبل إدارة الدولة المصرية منذ العام ١٩٥٢وكذلك لنظام حكم عبدالفتاح السيسي ليصل كذلك لأول مرة إلي الهيمنة الجيش علي المشهدين والسياسي والاقتصادي المصري طوال السبعين عاما الماضية وتداعيات ذلك علي الكارثة الاقتصادية التي تعاني منها مصر بحسب معارضي النظام وأنصاره علي حد سواء .
وكان غريبا جدا امتداد الانتقادات لهيمنة الجيش المصري علي مقدرات مصر الاقتصادية خصوصا علي لسان الإعلامي السعودي واحد أكبر عرابي التطبيع تركي الحمد حيث تناول توسع أنشطة الجيش الاقتصادية محملا هذا التمدد مسئولية الضائقة الاقتصادية التي تمر بها مصر ومشيرا في الوقت نفسه وبشكل ساخر لتطلع الساسة المصريين للحصول علي دعم مالي من دول الجوار بكل السبل ودون أي معايير للشفافية وأوجه انفاق هذه الأموال .
حرب خفية بين القاهرة والرياض
بل إن بعض المغردين السعوديين تحدثوا صراحة وبالأرقام عن ١٤ملياردولار كانت محصلة مساعدات سعودية وقطرية تلقتها مصر خلال الأشهر الأخيرة لم تدرج في الموازنة العامة للدولة أو تدخل حسابات البنك المركزي المصري في
إشارة لإخفائها من قبل متنفذين من قبل الدائرة الضيقة من قبل السيسي بل ووصل الأزمة مداها عبر مطالبة الرياض وبشكل رسمي للقاهرة برد ديون لشراكة أرامكو مقابل إمدادها لمصر بآلاف الاطنان من البترول وهو ما كان القاهرة تعتبره منحا لا ترد.
والغريب كذلك في هذه الانتقادات أنها ارتبطت كما جاء علي لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان بتغيير السعودية نمط تقديم المساعدات الخارجية حيث تشترط الرياض ربط هذه المعونات بإقرار إصلاحات وهو نهج لم يعرف عن السعوديين حرصهم عليه سواء فيما يتعلق بمصر أو الأردن أو باكستان حيث لم تضع السلطات السعودية هذه الإصلاحات شرطا من قبل بل علي العكس كانت حريصه علي ضخ المليارات لدول بعينها في المنطقة لإجهاض الربيع العربي وطرد الإسلاميين من الحكم وبل التضييق عليهم مهما كانت العواقب.

ورغم أن الكثيرين يريدون الربط بين الأزمة التي تمر بها العلاقات المصرية السعودية واشتراطات صندوق النقد الدولي للنظام المصري بضرورة إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية تقصي الجيش من المشهد الاقتصادي وتصخ الدماء في عروق القطاع الخاص وتسير في إطار التخلي عن أصول الدولة لمستثمرين خليجيين فضلا عن رفع الدعم عن السلع والخدمات وهو شرط يبدو أن النظام سينفذه فقط وسيتغاضي عن باقي الشروط وهو ما يدركه الخليجيون المستاءون بشدة من هيمنة الجيش علي المشهد الاقتصادي بشكل أخفقت معه معوناتهم المقدرة بعشرات المليارات أن تضع الاقتصاد المصري علي الطريق الصحيح.
واذا كانت السعودية كما يبدو غير حريصة علي الإصلاحات ولا يهمها في المقام رؤية المصريين يعيشون في مستوي معيشة لائق فما الذي قادها لكيل هذه الانتقادات اللاذعة وغير المسبوقة للنظام المصري بشكل عرض علاقات النظامين الاستراتيجية للخطر مما يدعو للتساؤل عن الأسباب الحقيقية للأزمة التي تمر بها علاقات البلدين وهل هناك ثمة أجندة خفية تقف وراء هذا التوتر غير المسبوق بين القاهرة والرياض.
المواجهة الأمريكية الإيرانية
العديد من المراقبين يرون أن ملفات خلافية عديدة بين البلدين تقف وراء هذا التوتر في مقدمتهم عدم قيام مصر بسحب وحداته العسكرية من تيران وصنافير رغم تعهدها في السابق لكل من الرياض وواشنطن وتل أبي بتسليم هذه المضايق الاستراتيجية للسعودية في ظل ترتيبات أمنية في البحر الاحمر حيث نقل عن مصادر عن مطالبة القاهرة الرياض وواشنطن بما يقرب من ١٥مليار دولار معونات مقابل الانسحاب من الجزيرتين بشكل اغضب الرياض بشدة.
لا تتوقف المطالب السعودية أو بالأحرى الخليجية عند الحد بل تمتد إلي انتزاع ضمانات من المؤسسة العسكرية المصرية بمشاركة جادة في حماية امن الدول الخليجية بشكل فاعل حال قيام واشنطن وتل أبيب بعملية عسكرية ضد الأهداف النووية الإيرانية التي بدأت مؤشراته تظهر بقوة مع توالي زيارات المسئولين الأمريكيين للمنطقة وفي مقدمتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان وتبعه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للمنطقة وقيام تل أبيب بتكثيف عملياتها في الداخل الأيراني واخرها ضد المجمع العسكري الإيراني في أصفهان.

وتخشي دول الخليج بشدة من هذا السيناريو واحتمالات تعرضها لمخاطر هجمات ايرانية ردا علي العمليات العسكرية الأمريكية الصهيونية ضد برنامجها النووي في ظل مناخ من عدم الثقة يحكم علاقات دول الخليج عامة والرياض خاصة مع واشنطن خصوصا فيما يتعلق بالضمانات الأمنية في ظل موقفها الغامض من الصراع في اليمن ورفض الرياض رفع مطلبا امريكيا برفع سقف إنتاجها من النفط وكلها تطورات تجعل الجيش المصري هو الخيار المتاح امام العواصم الخليجية للحفاظ علي أمنها وهو توجه قد يقابل بتحفظ مصري أو مطالبات من القاهرة بثمن اقتصادي باهظ قد لا يحظي بارتياح لدي السعودية وبلدان خليجية بشكل أجج الخلافات بشدة بين القاهرة والرياض.
الأزمة بين القاهرة والرياض علي ما يبدو مرشحة للاستمرار خلال المرحلة القادمة علي الأقل خصوصا فيما يتعلق بملفات تيران وصنافير أو دور الجيش المصري في المواجهة بين واشنطن وتل أبيب وقدرته علي توفير الحماية لبلدان الخليج من اجتياح إيراني وإلي أن يصل الطرفان الي تسوية لهذه الملفات سواء بضغوط أمريكية أو بدعم مالي خليجي سخي يقيل الاقتصاد المصري من عثرته وحتي نصل إلي هذه النقطة فإن التلاسن بين العاصمتين العربيتين الكبيرتين مرشح للاستمرار حتي أشعار أخر.