- الحركات الإسلامية.. من السياسي إلى الثقافي - الثلاثاء _19 _مارس _2019AH 19-3-2019AD
- بدائل مواجهة الاستبداد - الجمعة _15 _فبراير _2019AH 15-2-2019AD
- تقييم ثورة يناير - الخميس _24 _يناير _2019AH 24-1-2019AD
بعد مرور ما يقرب من شهر على الأزمة القطرية يتوسع الشق العربي طولا وعرضا ويتحول الانقسام والاستقطاب من الشأن المحلي الداخلي إلى الوضع الإقليمي.
لم تغلق الملفات العربية المفتوحة تحت لافتات مشاريع الانقسام والاستقطاب، فلم يغلق الملف الليبي تحت وقع الحرب الأهلية، وها هو الملف المصري تحت وقع الفشل الاقتصادي مشرع على كل الاحتمالات فالداعم الإقليمي لن يتحمل فاتورة باهظة الثمن إلى ما لا نهاية، والملف اليمني مثل استنزافا لمن فتحه، ولم يقدر لا على الحسم ولا على إعادة الأمل.
وإن كانتم تبريد الملف التونسي بحكمة الراشد عندما تنازل عن حق حزبه في الحكم وقد أوصلته الأغلية الشعبية حتى يتفادى مصير دولة أخرى.
ثم يجيء سريعا في بيئة دولية وإقليمية غير مواتية محاولة فتح الملف القطري والعالم العربي لم يحسم ملفا واحدا من ملفاته المفتوحة والمشرعة على كل الاحتمالات.
إن الأزمة التي تفجرت مع قطر منذ ما يقرب من شهر لا تمثل إلا رأس جبل جليد الصراعات الخليجية الخليجية العائم، فالانقسامات العميقة التي تشهدها الساحة الخليجية منذ أن اشتعلت المنطقة بثورات الربيع العربي للتحرر من أسر الهيمنة والاستبداد تزداد استحكاما وتفاعلا.
فمنذ أن أحرق الشاب التونسي البوعزيزي نفسه اعترضا على الاحتقار والإذلال وانقسم العرب العاربة والعرب البائدة بين عرب الثورة وعرب الثورة المضادة، ولم يحكم الفرز في حقيقته أي مبادئ أخلاقية أو سياسية إنما كانت تحكمه المصلحة الخالصة للحكام.
فالدول لا تحكمها أية مرجعيات أخلاقية أو دينية، وحاديها الأساسي هو المصلحة والنفوذ، وشبكات المصلحة وشبكات النفوذ.
فمن أيد الثورة من العرب العاربة أو العرب البائدة أيدها لمصلحته كما يراها هو، وإن توافقت مصلحته مع مصلحة الشعوب التي قامت بالثورات، ومن عارض الثورة وأيد الثورة المضادة كذلك أيدها لمصلحته كما يراها هو، وإن وافقت مصلحة نظم الحكم المستبدة التي قامتبالثورات المضادة.
هذا هو الأمر بوضوح وبلا أي مطلقات أخلاقية أو ديباجات سياسية، وهكذا الدول كيانات مصلحية حتى النخاع، حاديها المصلحة الوطنية أو حتى الشخصية كما يراها الحكام، وجوهر هذه المصلحة هو استمرار النظام الحاكم وهي لا تعني بالضرورة مصلحة الدولة.
وعلى مدار سنوات طويلة منذ أن هبت رياح التغيير في العالم العربي كانت التفاعلات الخليجية تتراكم، والشق يتسع بين من أيد الثورات ودعمها وكان صوت من لا صوت له، ومن أيد الثورات المضادة ودعمها وكان الممول الأساسي لها بل ومكّن لها، حتى وصل الصراع أو بمعنى أدق المعركة الصفرية إلى ذروتها، وتحولت من حروب تمويلية وإعلامية بالوكالة إلى حروب مباشرة،يتواجه فيها الفريقان بلا أي قفازات أو أدوات عازلة.
إذا: فحقيقة الصراع بين قطر وأخواتها هو صراع على مناطق النفوذ داخل دول الربيع العربي مع اختلاف الأدوات ومواضع الرهان، ففي حين راهنت قطر على الثورة وعلى الشعوب، راهنت أخواتها على الثورة المضادة وعلى الحكام.
وبعد أن بلغ الصراع ذروته أو هوته كان لابد من تصعيد المواجهة ونقل العمليات إلى خط النار علىالحدود، ومن ثم فجوهر استهداف قطر هو توجيه ضربة قاضية لفكرة الثورة وحكم الشعوب والتمكين التام للثورة المضادة والحكم العسكري وإن تسربل بغلالة مدنية.
ومن ثم فإن جوهر صراع قطر وأخواتها هو صراع على النفوذ والتمكين لرهان كل طرف، فمن راهن على السيسي في مصر، راهن على حفتر في ليبيا، راهن على السبسي في تونس، وعلى بشار في سوريا، ومن راهن على الإخوان في مصر هو من راهن على الجماعات المسلحة في ليبيا، هو من راهن على حركة النهضة في تونس، هو من راهن على المعارضة المسلحة في سوريا. وإن اختلفت بعض الرهانات في بعض الدول لاختلاف المصلحة، فنجد من يراهن على السيسي في مصر يراهن على المعارضة المسلحة في سوريا وهكذا فالمصلحة هي البوصلة، وهي المحدد لوجهة الرهان، وهي التي تخلق التحالف الوجودي بالمعنى الفلسفي أو الاستراتيجي بالمعنى السياسي والعسكري.
كانت المباراة خلال السنوات الماضية منذ أن هبت رياح التغيير في العالم العربي تتم بالنقاط، حتى تمكنت فلسفة الضربة القاضية والقضاء التام على الخصوم، وكان حصار قطر برا وبحرا وجوا بهدف إخراجها من معادلة الصراع.
ولا يمكن فهم شروط الصلح التي تريد إملائها أخوات قطر وهي شروط إذعان أو إملاءات أقرب لشروط المنتصر عقب هزيمة عسكرية للطرف الآخر أو كما قيل هي شروط تعجيزية لمن لا يريد أن تحل الأزمة بالتفاوض.
لقد نجحت قطر حتى الآن في ضرب الحصار في مفاصله الرئيسية، وتحركت قيادتها بمهارة سياسية فائقة تفكك دوائر الحصار في أضعف حلقاته، وتفعل شبكات تحالفاتها الدولية والإقليمية بما يزيد من قدرتها على مواجهة الحصار وما يمكن أن يسفر عنه من تداعيات، فلعبت بمهارة بكل الأوراق الدولية والإقليمية الممكنة،ولم يبق للضربة القاضية(الصفرية) إلا آخر الدواء، وهو الحرب.