قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) الأنبياء 30
جرت العادة أن تندلع الحروب بسبب الثروات الموجودة في باطن الأرض وفي مقدمتها النفط والغاز او الذهب . لكن المُستقبل يُنبئ بنزاعات من نوع آخر.. إنها حروب المياه. الذي كان أحد أهم العوامل في نشأة الحضارات وتطورها فالسومريين والبابليين والأشوريين والفينيقيين والفراعنة والمدن التاريخية الكبرى جميعها ظهرت قرب الأنهار . ومن الغريب أن يتحول من مصدر الحياة إلى عاملٍ لإثارة الفتن . لان الحروب القادمة ستكون من اجل السيطرة على منابعه وفرض الإرادة السياسية والاقتصادية كما كانت الصراعات على مصادر الطاقة.
لقد بدأت فكرة إنشاء السدود على نهر النيل في عهد الخديوي عباس حيث أقيم خزان على ضفافه ثم تبعه بناء سد أسوان وبعده السد العالي وأصبح لمصر والسودان حصة الأسد من مياهه وفي فترة الاحتلال البريطاني تم بناء خزان سنار في السودان عام 1926 . بعدها بأعوام انشأ سداً آخر على نهر النيل الأبيض عام 1952 ومع استقلال السودان توقف العمل فيه بعد توقيع اتفاقية في نفس العام ثم عاد العمل في بناءه عام 66 … ولا تزال الدول التي تشترك في مرور مياه النيل عبر أراضيها تقيم السدود دون مراعاة لحصص الآخرين أو اعتباراً لقوانين أقرتها الأمم المتحدة فما التخطيط والتحريض لانفصال جنوب السودان إلا أولى تلك الخطوات من اجل خنقها مع جمهورية مصر العربية وضرب اقتصادهما وإضعافهما.
منح قانون الأنهار الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنظيم استخدام المجاري الدولية لغير أغراض الملاحة عام 1997 جميع دول حوض النيل حق الانتفاع من النهر شريطة أن يكون هذا الاستخدام غير مضر لأي بلد وفي حالة رغبة دولة في إنشاء مشروع يمكن أن يؤذي بلداً أخر يتم تقديم الدراسات الفنية للدولة المُتوقع تضررها لتفصل في الأمر وتتصدر إثيوبيا سباق الدول الأفريقية بإنشاء أحد عشر سداً على رأسها سد النهضة. علما انها تدّعي بأنها جميعاً لغرض توليد الكهرباء. تتزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي بما تمتلكه من تقنيات عالية في هذا المجال معركة تمويل إنشاء السدود وما زيارات مسئوليها ووكلائها إلا دليل على ذلك.
أما تركيا فتقوم بإنشاء مشروع GAP بحجة إحياء مناطق شرق الأناضول دون مراعاة حصص دول الجوار بسبب ما وصل إليه الوضع السياسي فيها مما سيؤدي مُستقبلا الى خلق بؤرة من الصراع والنزاعات . وترجع جذور التخطيط لمشاريع استغلال المياه العذبة إلى أيام حكم أتاتورك سنة 1930 حين ظهرت مؤسسة الكهرباء وبدأت عام 1936 التحريات الأولية بالمسح الهيدرولوجي على نهر الفرات ووضعت دراسة خاصة بإنشاء سد كيبان في منطقة التقاء فرات صو ومراد صو الذي افتتح منتصف الستينيات من القرن الماضي .
إن زيادة أعداد السدود سيؤدي إلى احتمالية توسع المساحات الكبيرة من الصحراء وبالتالي استحالة الحياة في المدن المحاذية للأنهر ومن المؤاخذات على الجانب التركي قيامه ببناء السدود في جنوبها الشرقي وعدم إطلاع السلطات العراقية أو السورية بذلك تحت ذريعة أن الماء ينبع من أراضيها وهو ملكا لها وتجاوزت على حصتي البلدين فقد وصل عددها إلى 22 سداً كلفتها ما يقارب 35 مليار دولار ولا يخفى على أحد أن اكبر ممول لهذه المشاريع هو الكيان الصهيوني الذي دعم جهودها من اجل تهديد الأمن المائي والغذائي العربي.
وهي سد … أتاتورك – كيبان- قارقيا- براجيل – قوم قايام ومشروع تخزيني ومحطات طاقة كهربائية وشبكة إروائية كبيرة ستحتجز ما قدره 43% من مياه دجلة الداخلة إلى العراق و40% من مياه الفرات الذي يعاني الآن نقصاً كبيراً سيظهر تأثيره لاحقا بشكل اكبر. لا شك أن السياسة تتشابك مع الاقتصاد مما جعل الحكومة التركية تماطل في موضوع عقد المعاهدة مع العراق وسوريا.
إن إصرارهم على أن لهم السيادة على منابع الماء كما للعراق وسورية السيادة على مورادهما النفطية وتجاوزها لإعلان اللجنة الاقتصادية الأوربية التابعة للأمم المتحدة عام 1952 بخصوص الدول المتشاطئة وان كانت تملك الحقوق على الجزء المار أو المتاخم لأراضيها من النهر الدولي فإن هذا الحق مُقيد بحقوق الدول الأخرى كما أن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة ذكرت في العام 1973 أنها تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر وهناك مئات النصوص تُؤيد ذلك وتُؤكدهما .
وما يثير التساؤل اليوم هو إصرار وكالات ائتمان الصادرات الألمانية والسويسرية والنمساوية على تمويل المشروع بمبلغ 610 مليون دولار حسب إحصائية 2008 . ماذا تستفيد من كل ذلك في حين علقت شركات أوروبية تمويله ومنحت تركيا فترة 180 يوم للامتثال لأكثر من 150 معيار دولي وفي يونيو 2009 وبعد فشل الالتزام به قطعت الشركات رسمياً تمويل مشروع سد إليسو وبعد فترة قصيرة صرح وزير البيئة والغابات التركي فيسيل إيروغلو قائلا ( دعوني أخبركم أن محطات الطاقة هذه سيتم بناؤها ولن يوقفنا أحد وهذا هو قرار الدولة والحكومة كذلك تعهد رئيس الجمهورية بتنفيذه وزعم أن تركيا ستستخدم التمويل الداخلي أو الخارجي .
إن لم يتم التعامل مع موقف بلدان منابع الأنهار من قبل حكومات مصر وسوريا والعراق والتعاطي معها على أنها أزمة حقيقة تهدد اقتصاد البلد سيؤدي الى حصول كارثة ومجاعة تودي بحياة شعوبها وعمل لجان مشتركة لمتابعة تنفيذ وصايا الأمم المتحدة وقراراتها التي صدرت لتحديد الحصص المائية وإلا سنكون مقبلين على حرب جديدة تشعل شرارتها قطرات المياه التي هي سبب الحياة لتتحول إلى سبباً رئيسياً للموت …