- بسام جرار يكتب: جريمة الزنا - الثلاثاء _7 _مايو _2019AH 7-5-2019AD
- المصارف - السبت _27 _أبريل _2019AH 27-4-2019AD
- أكاد أخفيها - الأثنين _11 _مارس _2019AH 11-3-2019AD
جاء في الآية 13 من سورة سبأ:{يعملونَ لهُ ما يشاءُ من محاريبَ وتماثيلَ وجفانٍ كالجوابِ وقدورٍ راسياتٍ، اعملوا آل داودَ شكراً وقليل من عبادي الشكور}.
المقصود بالآية الكريمة سليمان، عليه السلام. ولسنا هنا بصدد تفسير الآية، ولكن نقصد أن نتوقف عند لفظة تماثيل، لأنّها اللفظة التي يَستشكلها من يقرأ الآية الكريمة، لما وَقر في عقل وقلب كل مسلم من استنكارٍ للتماثيل. في المقابل نجد هناك من يستدل بالآية الكريمة على جواز اتخاذ التماثيل. ولسنا هنا بصدد بيان حكم التماثيل في الشريعة الإسلاميّة، ولكنا بصدد توضيح معنى التماثيل، وإزالة اللبس في الفهم، وتبيين الخطأ في الاستدلال الناتج عن الخلل في المنهج.
جاء في التفسير الكبير للطبراني: “أي تماثيل كلّ شيء، يعني صوراً من نحاس وزجاج ورخام، كانت الجن تعملها، وكانوا يُصوّرون الأنبياء والملائكة في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة. وهذا يدل على أنّ التصوير كان مباحاً في ذلك الزمان ثمّ صار حراماً في شريعة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم”. وقد اخترنا هذا النص للطبراني، رحمه الله، لأنّه يُمثل أقوال الكثير من أهل التفسير. وهو من أعحب العجب!!
ولنا على هذا النص الملاحظات الآتية:
أولاً:
من أين لهم هذا، وهل من سندٍ صحيح عن المعصوم، صلى الله عليه وسلم؟!
ثانياً:
يُصوّرُ الأنبياء والملائكة، في المساجد، ليزداد الناس عبادة؟! هذا منطق عجيب. ما هذه العبادة، وما هذه المساجد، وما هذا التوحيد؟!
ثالثاً:
لماذا تكون مباحة قبل الإسلام، وهي أمور تتعلق بالاعتقاد بالدرجة الأولى؟! ثمّ إنّ عبادة الأوثان والأصنام كانت سائدة قبل وبعد عهد سليمان، عليه السلام. وما أظن أنّ أمة سليمان، عليه السلام، كانت محصّنة ضد الوثنيّة أكثر من خير أمةٍ أخرجت للناس. وإذا كانت صور الأنبياء والملائكة تجعلهم يزدادون في العبادة، فإنّ ذلك يعنى أنّهم أقرب إلى الوثنيّة، مما يقتضي منع ذلك درءاً للمفسدة.
جاء في تفسير القاسمي:” وتماثيل: أي صور ونقوش منوّعة على الجُدر والسقوف والأعمدة، جَمعُ تمثال: وهو كل ما صُوّر على مثال غيره من حيوان وغير حيوان”. وهذا قول جيد، لأنّه يبين لنا أنّ التمثال يكون صورة مماثلة لحيوان أو غير حيوان. وهناك من المفسّرين من يوهم قولُه أنّ التمثال هو فقط ما يماثل صورة الحيوان. ولم ينفرد القاسمي بهذا القول؛ يقول أبو حيّان، صاحب البحر المحيط، وهو إمام من أئمة اللغة العربية:” التمثال: الصورة المصنوعة مشبّهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى، مثّلت الشيء بالشيء إذا شبهته به”. وقال عند تفسير الأية الكريمة:” التماثيل: الصور وكانت لغير الحيوان”. ويبدو أنه أخذ هذا عن تفسير ابن عطية، والذي هو أيضاً من أئمّة اللغة العربيّة، وعنهما أخذ العلّامة الألوسي حرفيّاً. وقال الطاهر بن عاشور، وهو يفسّر كلمة التماثيل الواردة في سورة الأنبياء:” وكان قوم إبراهيم يعبدون الكواكب ويجعلون لها صوراً مجسّمة”، وهذا صريح بأنّ التماثيل قد تكون مثال الجمادات. وقد صرّح السعدي، في تفسيره، بذلك فقال:” تماثيل: أي صور الحيوانات والجمادات”.
فالتماثيل إذن هي ما يُصنع على مثال شيء من الأشياء. وقد يكون هذا الشيء حيّاً وقد يكون غير حيّ. ومعلوم أنّ الصورة تكون أيضاً مثالاً للشيء، ومن هنا عرّف بعضهم التماثيل بأنّها الصور. والصحيح أنّها الصُّوَر المُجَسّمة، لأنها أقرب إلى حقيقة الشيء الممثل له من الصورة غير المجَسّمة.
إذا عرفنا هذا اتضح أنّ الجنّ كانت تصنع لسليمان، عليه السلام، ما يشاء من أمثال الأشياء التي يريدها للزينة أو غير الزينة. وقد تكون أشياء في عالم الصناعة تماثل أشياء في الطبيعة. المهم أنّهم كانوا يقلّدون الأشياء كما يريد سليمان، عليه السلام. فلماذا انصرف ذهن الكثير من أهل التفسير إلى الأشياء المحرّمة، ليجعلوها مباحة في عصره، عليه السلام، وما دليلهم على ذلك، حتى يقولوا إنّ ذلك كان مباحاً ثم نُسِخت الإباحة بالشريعة الإسلاميّة؟! الأمر أبسط من ذلك: فالجنّ تعمل وفق مشيئة نبي كريم لا يأمر إلا بعمل ما فيه شكر لنعم الله تعالى. ألم يقرأوا قوله تعالى في الآية الكريمة:” اعملوا آل داود شكراً وقليلٌ من عباديَ الشكور”، فهو عليه السلام من القليل الذي يشكر، فيضع النعمة في موضعها.
لعل ما أوقع بعضهم في الوهم ظنهم أنّ التماثيل لا تكون إلا لكائناتٍ حيّة. وليتهم إذ ظنوا ذلك جعلوها تماثيل في القصور والشوارع ولم يدخلوها المساجد. ويجدر بنا قبل أن نختم أن نبيّن أنّ اتخاذ صور وتماثيل الجمادات هي أيضاً محرمة إذا قصد بها أمور محرّمة.