بين الفينة والأخرى، يرفع القادة والمسٶولون الإيرانيون أصواتهم عاليا ويکيلون التهمة تلو التهمة للعديد من الدول بعدم التزامها بالاتفاقيات المبرمة مع طهران، مع ملاحظة تأکيدهم على حرصهم على الالتزام بالاتفاقيات الدولية وتنفيذها، لکن الذي يجب ملاحظته وأخذه بنظر الاعتبار هو إن لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سجل حافل ومثير للجدل بخصوص عدم التزامه بالاتفاقيات الدولية المعقودة معه ومحاولاته المشبوهة من أجل الالتفاف عليها أو التهرب منها بل وحتى تفسيرها بصورة خاطئة ومغايرة لأصل وروح الاتفاقيات.
اليوم، حيث يواجه النظام الإيراني أوضاعا استثنائية على صعيدي الداخل والخارج، ولاسيما بعد اندلاع انتفاضة سبتمبر2022، ودخولها شهرها السابع وفي ظل العزلة الدولية غير المسبوقة التي يواجهها والعقوبات الدولية التي أثرت وتٶثر على أوضاعه سلبا، فإنه يبذل أقصى طاقاته من أجل إيجاد متنفس ومنفذ له کي يخفف من وطأة التأثيرات السلبية للأوضاع عليه وضمان بقائه ودرء التهديدات المحدقة به، ولأن واحدة من الإشكاليات الدولية المثارة ضده هي تدخلاته في بلدان المنطقة وتوتر علاقاته مع هذه الدول بسبب نهجه المشبوه، ولذلك فإنه يسعى من أجل التقرب من دول المنطقة وإبرام الاتفاقات معها واستغلال ذلك کشهادة حسن سلوك دولية من أجل الثقة به!
الاتفاقيات الدولية المبرمة مع هذا النظام وخصوصًا الحساسة والهامة، تميز ويتميز هذا النظام بخرقها بالتهرب من تنفيذها والالتفاف عليها أو تفسير بنودها وفق أهوائه ومصالحه، وإن إلقاء نظرة على بعض النماذج بهذا الصدد يٶکد ويثبت ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الاتفاق الذي أبرمته الترويکا الأوربية معه في عام 2004، وکذلك الاتفاق النووي الذي أبرمته مجموعة 5+1 معه، وعدم التزامه ببنود الاتفاقيتين وتفسيرها کما يحلو له إلى جانب الخرق المستمر لأهم بنوده، يعطي انطباعًا حقيقيًا عن حقيقة النوايا المبيتة والمشبوهة التي يضمرها هذا النظام في اتفاقياته التي يعقدها مع الدول الأخرى.
هذا من جانب، أما من حيث الاتفاقيات التي عقدها مع بلدان المنطقة وخصوصًا فيما يتعلق بأمن واستقرار المنطقة، فإن قيامه وبالتزامن مع توقيعه لتلك الاتفاقيات، بتوسيع تدخلاته في بلدان المنطقة، أثبت بذلك ازدواجيته وممارسته الکذب والخداع والتمويه من أجل تحقيق أهدافه، إذ أنه استغل ويستغل تلك الاتفاقيات من أجل مصالحه الخاصة وهو يجعل بنودها تخضع لمصالحه وليس کما هي في الواقع!
في الختام، من المفيد قراءة جزء من دستور النظام الإيراني الذي تمت صياغته بعد الثورة الإيرانية عام 1979:
«ومع الالتفات لمحتوى الثورة الإسلامية فـي إيران – التي كانت حركة تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين – فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحكومات الإسلامية والشعبية حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة فـي العالمإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون.ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة فـي جميع أنحاء العالم».
ومع ملاحظة جوهر هذه النهضة الكبرى فإن الدستور يضمن زوال كل نوع من أنواع الدكتاتورية الفكرية، والاجتماعية، والاحتكار الاقتصادي، ويسعى للخلاص من النظام الاستبدادي، ومنح الشعب حق تقرير مصيره بنفسه (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
وبناء على هذا الدستور ارتكب النظام الإيراني أي جريمة باسم الثورة في الدول العربية في العقود الأربعة الماضية وبرر سياساته التوسعية ووصل اليوم إلى طريق مسدود.
نظام مير محمدي.. كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني