
كان من الممكن أن يقصر النظام الحاكم مشاركته للسعودية والإمارات والبحرين فى مسلكها تجاه قطر بالمقاطعة، على خفض التمثيل الدبلوماسي كما فعلت الأردن وغيرها، رغم الاعتمادية العالية للنظام الأردني على النفط مخفض القيمة الوارد من السعودية، خاصة وأننا لم نقطع العلاقات مع إيران التي كانت المقاطعة من أسباب علاقة قطر بها، وكذلك مع تركيا التي خفضنا درجة العلاقات الدبلوماسية معها.
وكان ذلك الخفض للتمثيل الدبلوماسي سيجنبنا كثيرا من مضار قطع العلاقات، ووقف حركة الطيران، وتحويل تقديم الخدمات القنصلية للمصريين بقطر من خلال السفارة اليونانية، فما ذنب 300 ألف مصري بقطر؟ وما ذنب المصريين الحاجزين على خطوط مصر للطيران سواء للسفر أو للعودة لمصر فى رمضان أو بعيد الفطر.
ألا يتعارض ذلك مع المناداة بتشجيع الشركة الوطنية حتى تتعافى من خسائرها المتراكمة، حتى لجأت لتقسيط تذاكر الطيران مؤخرا، والغريب أن شركة مصر للطيران قالت أن من يريدون استرداد قيمة تذاكر السفر السابق حجزها قبل قرار المقاطعة، سيتم اقتطاع غرامة من قيمتها!
وعندما ترتفع قيمة الرحلة اتجاها واحدا من قطر إلى مصر إلى أكثر من 34 ألف جنيه وأحيانا 40 ألف جنيه، بسبب الترانزيت والانتظار لساعات طويلة بدولة الترانزيت، مقابل 4500 جنيه للرحلة قبل وقف الطيران مع قطر، فهل هذه إجراءات تساعد على تنشيط سياحة أسر المصريين العاملين بالخارج للحضور لبلدهم لقضاء الصيف بدلا من الذهاب إلى ماليزيا وتركيا وغيرها.
وهل تساعد تلك الإجراءات المفاجئة على زيادة تحويلاتهم لبلدهم، أو الاستمرار في الاحتفاظ بودائعهم بالبنوك في جو البلبلة، الذي شهد تصفير سعر صرف الريال القطري لساعات بالبنوك المصرية قبل العودة للتعامل عليه بعد تعليمات من البنك المركزي، فلماذا لم يصدر البنك المركزي تعليماته مبكرا؟
تضرر شركات الطيران
والحقيقة أن الآثار السلبية لقرار قطع العلاقات مع قطر لا يقتصر على المصريين العاملين هناك، وإنما يضر بمجالات تصدير السلع والخدمات والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة والسياحة والطيران، فالأمر لا يقتصر على خسارة السياحة القطرية بل، والسياحة اليابانية القادمة للأقصر وأسوان والتي تأتى على الخطوط القطرية من اليابان خلال خمس رحلات أسبوعية، بعد توقف الخط المباشر لمصر للطيران مع اليابان لعدم جدواه الاقتصادية.
كذلك تضررت شركات الطيران الخاصة التي كانت تنظم رحلات من مطارات الإسكندرية وسوهاج وأسيوط إلى الدوحة، وهما شركتي إير عربية مصر وإير كايرو، علاوة على تضرر مصر للطيران التي كانت تنظم 16 رحلة أسبوعية من القاهرة للدوحة، من بين إجمالي 50 رحلة أسبوعية بين البلدين، وهو ما يشير إلى حجم الحركة في وقت يتم فيه إلغاء كثير من رحلات الطيران لعدم جدواها الاقتصادية.
وفى مجال الصادرات السلعية ظلت مصر تحقق فائضا في تجارتها مع قطر منذ عام 2008 وحتى 2012، ثم تحول الفائض التجاري إلى عجز مع التوسع في استيراد مشتقات بترولية لمواجهة الأزمة المفتعلة بها عام 2013، ثم عاد الميزان التجاري لتحقيق فائض فى ضوء توجه نظام ما بعد يوليو 2013 لتقليل الواردات من قطر، وذلك خلال عام 2014، لكن الميزان التجاري عاد لتحقيق عجز مع قطر مع التوسع بالواردات منها بالعامين الماضيين.
ليصل العجز التجاري بالعام الماضي 1 مليار و359 مليون دولار، كفرق بين صادرات مصرية بلغت 277 مليون دولار وواردات من قطر بلغت 5ر1 مليار دولار معظمها مشتقات بترولية، ومن خلال بيانات التجارة المصرية خلال أول شهرين من العام الحالي، فقد استمر العجز في التجارة مع قطر ليصل إلى 291 مليون دولار، كفرق بين صادرات قيمتها 37 مليون دولار، وواردات 328 مليون دولار خلال شهرين فقط.
استثمارات قطرية بعد 2013
وفيما يخص الاستثمارات المباشرة القطرية بمصر فغير صحيح أنها توقفت بعد الثالث من يوليو 2013، بل لقد بلغت تلك الاستثمارات القطرية بمصر حسب بيانات البنك المركزي المصري خلال الثلاث سنوات ونصف التالية لتولى الجيش السلطة لمصر في يوليو 2013، وحتى نهاية العام الماضي 533 مليون دولار، لتحتل المركز الخامس بين استثمارات الدول العربية بعد الإمارات والسعودية والكويت والبحرين، والمركز الحادي عشر بين دول العالم.
والغريب أن رئيس الوزراء شريف إسماعيل لم يكن حاسما في تصريحاته بشأن مصير الاستثمارات القطرية بمصر، بينما أكدت وزيرة الاستثمار بعدها أن مصر تحترم تعهداتها بشأن الاستثمار الأجنبي، لكن العبرة بالتطبيق على أرض الواقع، فمازالت مشروعات شركة الديار القطرية في شرم الشيخ وفى البحر الأحمر وفى القاهرة الجديدة تجد كثيرا من المعوقات.
وهاهي السهام تنهال على الشركة المصرية لتكرير البترول بمشروعها بمسطرد لمجرد أنها تتضمن مساهمات قطرية، رغم أن والد رئيس شركة القلعة المالكة للمصرية لتكرير البترول كان هو المهندس الرئيسي لما تم فى الثالث من يوليو 2013، وهاهو محامى من هواة الشو الإعلامي يرفع قضية على مجلس إدارة بنك قطر الوطني بمصر، رغم كون معظمه من المصريين ورقابة البنك المركزي عليه، كما بدأت التلميحات لشركة حديد المصريين لوجود استثمارات قطرية بها.
حتى الاستثمار مع الله فى صورة قيام قطريين بإنشاء مساجد ببعض القرى بأحد مراكز البحيرة تحمل أسماء أبناءهم المتوفين أو نحو ذلك تم تغييرها بشكل متسرع، وحتى الرياضة التي تستخدمها السياسة للتقارب بين الشعوب، مثلما فعلت الولايات المتحدة مع الصين وقت انقطاع العلاقات من خلال دبلوماسية تنس الطاولة، نجد قيادات رياضية تتحدث عن مقاطعة رياضية لقطر بل وتدعو الإتحاد الأفريقي لاتخاذ خطوات ضدها.
استمرار المعونات القطرية
ومن المهم أن نذكر أن المعونات القطرية لمصر لم تقتصر على فترة تولى الرئيس محمد مرسى، بل أنها استمرت خلال العام الأول للنظام الحالي، حيث بدأت المعونات القطرية لمصر في عهد المجلس العسكري، بمنح مصر 500 مليون دولار خلال الربع الأخير من عام 2011، كما اقتصرت المعونات القطرية لمصر خلال فترة الرئيس محمد مرسى على 501 مليون دولار فقط خلال الربع الأخير من عام 2012.
وبما يبين أن غالب تعاون قطر مع مصر خلال فترة الرئيس مرسى كانت في صورة قروض، وهى القروض التي لم يرغب النظام الحالي في استمرار الإمداد بها في ظل التوتر السياسي بين البلدين، وقام بسدادها ما تم الحصول عليه في توقيتاتها، لكنه حصل من قطر على 127 مليون دولار كمنح خلال العام المالي 2013/2014 أي عام عدلي منصور.
وأظهرت بيانات البنك الدولي بلوغ تحويلات المصريين العاملين بقطر لمصر السنوية نحو 997 مليون دولار، محتلة المركز الخامس بين الدول المرسلة للتحويلات لمصر بعد السعودية والكويت والإمارات والأردن، وهو رقم يتعلق بالتحويلات التي تتم من خلال القنوات المصرفية ولم يتضمن ما يتم إرساله مع المعارف أو بصحبة العاملين عند عودتهم، وكذلك السلع والهدايا التي يرسلونها أو يجلبونها معهم، وإنفاقهم بالداخل خلال فترة أجازاتهم.
ومن الموارد التي تستفيد بها مصر قدوم السياح القطريين، ورغم قلة عددهم إلا أنهم يتمتعون بكثرة عدد الليالي التي يقضونها بمصر، حتى بلغ متوسط إقامة السائح القطري عام 2012 نحو 24 ليلة، وبكبر إنفاقهم السياحة بالمقارنة لغيرهم من الجنسيات التي تأتى من خلال رحلات الشارتر المدعومة، والتي يتجه بها السياح من المطار إلى القرية السياحية، ومن القرية إلى المطار مباشرة بما يعنيه ذلك من ضعف الإنفاق السياحي.
ولا تقتصر الصادرات الخدمية لقطر على السياحة فقط، بل تمتد الى صادرات البرمجيات من خلال مصرية عديدة.
من كل ما سبق كان يجب أن تحكم المصالح الاقتصادية القرار السياسي وترشده، في عالم تتسابق فيه الدول على اجتذاب الاستثمارات والسياح، مع الأخذ في الاعتبار أن فقدان سوق تصديري يجعل من الصعب استعادته قبل سنوات، بسبب تحوله للتعامل مع أسواق أخرى قد تكون أقرب جغرافيا أو أكثر جودة أو تمنح تسهيلات للموردين.
- ممدوح الولي يكتب: خصخصة الحاويات المصرية الجارية - الأثنين _6 _يونيو _2022AH 6-6-2022AD
- ممدوح الولي يكتب: عادل الألفي.. طبيب الغلابة - الأربعاء _13 _أكتوبر _2021AH 13-10-2021AD
- ممدوح الولي يكتب: الاقتصاد الأفغاني يواجه مشاكل مزمنة - الثلاثاء _5 _أكتوبر _2021AH 5-10-2021AD