- ممدوح المنشاوي يكتب: حتى لا تختلط الأوراق - الجمعة _11 _يونيو _2021AH 11-6-2021AD
- ممدوح المنشاوي يكتب: على خُطَى المعتزلة والفرقِ الضالَّة!!! - الأربعاء _19 _مايو _2021AH 19-5-2021AD
- ممدوح المنشاوي يكتب: صفحات مطويات من تاريخنا المجيدأ! - السبت _8 _مايو _2021AH 8-5-2021AD
لا شك أننا نمر بحالة فريدة وعجيبة لم يمر بها أسلافنا ولم يشهدها أجدادنا.. وأحسب أنه وبعد انتهاء تلك الغمَّة وإيذانِ الله عز وجلَّ بزوالها إن شاء الله، سوف يكون هناك الكثيرُ والكثيرُ من القصص التي يمكن أن نحكيها لأبنائنا وأحفادنا عن تلك المرحلة العصيبة (إن شاء الله عز وجل).. وأحسب أن لديَّ (كما لدى غيري) عشرات المواقف الطريفة (والعصيبة أيضاً!) التي يمكن ذكرُها وإيرادُها كنوعٍ من الترفيه ونحن على مشارف عيد الفطر المبارك أعاده الله تبارك وتعالى علينا جميعا ونحن وآباؤنا وأبناؤنا وأشقاؤنا وشقيقاتنا وأهلنا وأقاربنا وجميع أصدقائنا وأحبابنا في خير وعافية وستر.. آمين.
كان الميعاد الطبيعي لذهابي إلي (الحلَّاق) قد اقترب حين شنت (كورونا) هجومها الشرس وبدأت صيحات التحذير وأجراس الإنذار تدق بشدة معلنة سقوط ضحايا ومصابين بالمئات (كانوا مئات وقتها!).. فقرَّرْتُ تأجيل الذهاب إلى (الحلاق) حتى تمر الأزمة (على أساس أنها ستستمر لأسبوعين أو ثلاثة وفقط.. هكذا تصورنا في البداية!.. فلما طال الأمر (وطال معه شَعْري طبعاً!) قرَّرت أن أذهب إلى (حلَّاقٍ) لا أعرفه ولا يعرفني حتى لا يكون هناك مجالٌ (للْرَغْيِ المعتاد!).. خاصة وأن وجهه سيكون حتماً مواجهاً لوجهي وقريباً منه (رغماً عنَّا سوياً!!).. كما قرَّرتُ ارتداء الكمامة أثناء الحلاقة زيادة في الاحتياط من جهة.. ولأنه على جميع الأحوال لن يكون له عملٌ مع (لحيتي) من جهةٍ أخرى.
وبالفعل ذهبت إلى (حلَّاق) لا يعرفني (هكذا ظننت!).. وكانت المرة الأولى التي أدخل فيها عنده.. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً!!.. وكان هناك شخصٌ واحد على كرسي الاعتراف (أقصد كرسي الحلاقة) فسألته: فيه حد حاجز دور بعد الأستاذ؟!.. فقال وهو يضحك: لا.. إحنا بدري أوى والناس لسه نايمة.. إتفضل حضرتك.. خمس دقائق وأكون خلَّصت.. فقلت: إن شاء الله.. كانت هناك ترابيزه عليها (كُتيِّبات إسلامية).. فالتقطت إحداها وكانت بعنوان: (رسالة إلى شباب الأمة) وجعلت أتصفَّحُها.. وجاء زبون آخر وكان واضحاً أنه يعرف (الحلَّاق) جيداً.. وإن هي إلا دقائق حتى قال لي: إتفضّلْ حضرتك.. وكان قد أنهى عمله مع (الزبون) الذي ذهب لغسل رأسه على الحوض.. جلست على الكرسي وقلت له: أنا آسف.. ياريت فوطه نظيفة.. فقال: تمام أنا بأغسل الفوط كل يوم ولم أستخدم سوى واحدة فقط حتى الآن.. كلهم (نُضافْ).
فقلت له: جزاك الله خيرا.. لا تؤاخذني.. فقال: أبدا أبدًا.. الوضع لا يطمئن وحضرتك أكيد معذور.. مافيش مشكله خالص.. المهم بدأنا الرحلة.. وغالبا جميع الرحلات بتبدأ بشعار: إربطوا الأحزمة من فضلكم.. أما مع (صاحبنا) فقد بدأت بقوله: إخلعوا الأحزمة من فضلكم!! أقصد أنه قال: اخلع الكمامة حضرتك علشان أعرف أشتغل.. فقلت له: أنا مش بأعمل أي حاجه في لحيتي.. فمش هتضايقك في حاجه؟! فقال: بيتهيألك يا أستاذ.. علشان أعرف ( أدرَّج ) لازم أشوف الجوانب من ناحية (الوِدْن) كويَّس!.. وبدأنا رحلة التنازلات عن الثوابت! خلعت الكمامة.. ولأن الكمامة كانت تغطى جزءً كبيراً من الوجه.. فقد قال لى بعد خلعها: أنا بأتشبِّه على حضرتك من ساعة ما دخلت.. حضرتك كنت بتخطب في مسجد خالد بن الوليد اللى في شارع عشرة؟!
فابتسمت وقلت في نفسي: (سبحان الله.. لا يُغنى حَذَرٌ من قدر!).. ثم قلت له: فعلاً.. بس خلاص.. دا كان قبل ما يمنعونا..
فقال: يبقى حضرتك مش أزهري ومعاكش تصريح بالخطابة.. صح؟!..
فقلت له: صح.. واضح إنك فاهم القانون كويس!!..
فقال: بس إنت بتتكلِّم في الدين حلو.. أنا سمعتك كذا مرَّه.. طيب إتعلمت (الدين فين)؟! وأكيد حافظ القرآن مش كده؟! ابن خالى الشيخ فلان.. أكيد تعرفوا.. ما هو ملتحي زيك وكان بيحضر للشيخ ياسر برهامى.. مش أنت برضو تبع ياسر برهامى وحزب النور.. ابن خالي قاللى هات بطاقتك وأنا أعملَّك عضويه على حسابي.. بس أنا ماليش فى السياسة.. عايزين نربى العيلين يا أستاذ.. مش أنت برضو سلفي.. أنا عارف الإخوان مش بيربوا دقونهم.. وبعدين هوَّ بقى فيه إخوان.. ما خلاص.. و…. و….
المهم إنه ما صدَّق يمسك أول الخيط! وأنا بصراحة في منتهى التعجب! تحس أنه كان مرتِّب عدة سيناريوهات للحوار بحيث إن حبل أفكاره لا ينقطع! أو ربما السيناريو ده تمرَّس عليه مع (الملتحين)!! صاحبنا ما فصلش بمعنى الكلمة.. بيحاول يكون (مُسَلِّى) علشان (يرَبِّى) زبون!.. والكلام كله في وجهي.. أحاول (أديَّرْ) وِشىِّ يمين أو شمال قليلا خوفاً من (الرذاذ) ألاقيه بيعدل رقبتي علشان المقص ما يفلتش ويعْمِلِّى (بِشْلَه)!.. وفجأة ألاقيه بيكلم الزبون اللي قاعد منتظر دوره (علشان طبعاً يُشْعِرهُ بالاهتمام.. وأيضاً حتى لا يشعر بالملل).. المهم إنه بيكلمه وفجأة يضحك ضحكات هيستيرية وهو يقص عليه موقف حدث من فلان! وأنا بأرفع (الفوطة) نحو وجهي (بيدي من تحتها) تفادياً للرذاذ الناشئ عن ضحكه الهستيري!
وأخيراً قلت له: ممكن تخلَّصني بسرعة لو سمحت علشان لازم أروح البيت بسرعة.. فقال: حاضر.. خمس دقائق فقط.. الدقائق مرت كأنها دهر..
وأخيرا تم إطلاق سراحي.. وعدت إلى المنزل وقد قرَّرت أن أعزل نفسي لمدة أسبوعين.. وقصصت على (نور وسميه ووالدتهما) ما حدث..
وأخبرتهم أنني خائف عليهم بالطبع.. الحلاق كان (جِنْ مِصَوَّرْ على رأي أمي رحمها الله) وصحته وتنطيطه بتقول إن الكورونا تخاف تجيله لَيِعْدِيها!!..
لكن الاحتياط واجب.. والحذر مطلوب.. وفعلاً ظللت أسبوعين وأكثر في عزلة تامة في الأكل والشرب واستعمال المناشف والأطباق والأكواب وكل شيء.. والأجمل والأروع.. هو أنني كنت أتعمد المرور من أمام محل هذا الحلاق كل يومين أو ثلاثة للاطمئنان علي أحواله دون أن يشعر .. وفى كل مرة أراه على نفس حالته من (فرط الحركة والنشاط ) فأشعر بالراحة والاطمئنان على نفسي.. وعليه طبعاً.. حفظنا الله جميعًا من جميع الشرور والأوبئة.. ووقانا عز وجل مصارع السوء.. وختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.. وصل اللهم وسلم علي نبينا محمد.. وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.