قائمة المحتويات :
- ممدوح إسماعيل يكتب: السلطان الذي انتصر على انقلابات العسكر - الخميس _4 _فبراير _2021AH 4-2-2021AD
- ممدوح إسماعيل يكتب: الفخ الإيراني للمثقفين - الأثنين _25 _يناير _2021AH 25-1-2021AD
- ممدوح إسماعيل يكتب: إلزم حدك يا أسقف اليونان - الخميس _21 _يناير _2021AH 21-1-2021AD
السلطان القوى العادل الذي انتصر على انقلابات العسكر الناصر محمد بن قلاوون تولى الحكم وعمره 10سنوات عام 693 هجرية عقب مقتل أخيه الأشرف قلاوون على يد العسكر ولكن عسكر المماليك جعلوه شكلا فقط…
أولا، الانقلاب الأول:
1- الناصر بن قلاوون تولى الحكم وعمره 10سنوات عام 693 هجرية عقب مقتل أخيه الأشرف قلاوون على يد العسكر ولكن عسكر المماليك جعلوه شكلا فقط ثم قام القائد العسكري كتبغا بالانقلاب على الناصر ونفاه إلى خارج مصر وقتل رئيس الأركان سنجر الشجاعى.
2- شهد عهد كتبغا أزمة اقتصادية حادة ومجاعة أهلكت 20الف مصري شجعت على قيام انقلاب من داخل الانقلاب بقيادة رئيس الأركان الجديد حسام الدين لاجين الذي أطاح بكتبغا وأعلن نفسه حاكما لمصر.
3- في ذلك الوقت كان الناصر بن قلاوون في منفاه يعمل على إسقاط الانقلاب فاستغل الخلافات بين العسكر المماليك واتصل ببعض قادة العسكر ونجحت اتصالاته في تحقيق انقلاب على لاجين من العسكر الموالين للناصر فقتلوا حسام الدين لاجين وأرسلوا للناصر محمد بن قلاوون فعاد للسلطنة والحكم عام 698هجرية وعمره 15عام..
(الفائدة الأولى أن الناصر وهو في هذا السن الصغير علم أن قوة العسكر لايهزمها غير قوة عسكرية وعمل على ذلك ونجح فلم يعتمد على الشعب ولا على الأزمة الاقتصادية ويطالبهم بالخروج بمظاهرات)
العسكر لم يسكتوا فشهدت هذه الفترة صراعا شديدا علنيا وخفيا بين العسكر المماليك للسيطرة على الحكم وقد تزامنت مع انتصار السلطان على المغول في معركة شقحب واقتراب الصليبين قرب طرابلس مما زاد من حب الشعب له الذي كان محبا لأبيه وله ولما وصل إلى سمع الشعب المؤامرات ضد الناصر خرج هتف في الشوارع للناصر بن قلاوون (يا ناصر يا منصور الله يخون من يخون بن قلاوون).
ثانيا. الانقلاب الثاني:
لم يهتم العسكر بحب الشعب للناصر بن قلاوون فظهر القائدان العسكريان بيبرس الجاشنكير وسلار الذين عملا:
أولا: على نزع سلطة السلطان الناصر وتقييده وجعلوه على الكرسي فقط لكن لا يحكم ثم قاما بانقلاب عسكري ضده في عام 708 هجرية، وذلك لأنهما يملكان القوة العسكرية، والشعب اعزل لا يملك أي شيء فكانت مهمتهما سهلة.
1- انعزل الناصر بن قلاوون في الكرك ولكنه صبر ولم يستكين لعزله وبدهاء شديد عمل فى شهور طويلة على توثيق صلته بمن يملك القوة من قادة العسكر الذين استطاع استقطابهم معه وأخذ يخطط معهم للعودة
ولم يفكر في الاعتماد على مظالم قادة الانقلاب للشعب فيعتمد على الشعب
بل اعتمد على أصحاب القوة وكان له ما أراد فخرج من الكرك بقوة عسكرية كبيرة متوجها نحو مصر.
2- عاد الناصر إلى القاهرة وقد أذهلت القوة أعدائه فخافوا وهربوا وذلك في عام 709 هـ، وفرح الشعب به وخرج لاستقباله محتفلا به
(الفائدة الثانية: التخطيط وأخذ أسباب القوة وأدواتها وعدم الاعتماد على العاطفة أو تعاطف الشعب فالشعب اعزل مهما كان وسكت على الانقلابين ولكن القوة لها فرحة والنصر له بريق فخرج الشعب لاستقبال السلطان القوى، والشعوب تتطلع للقادة الأقوياء وتريدهم أن يصنعوا هم النصر وهم يباركون)
ثالثا: قوة الحسم في القرار والحكم
كان أول قرار للسلطان الناصر محمد بن قلاوون القبض على كل المجلس العسكري المملوكي الذين هربوا فتم القبض عليهم وألقى بهم في السجون
واصدر أوامر خاصة بالقبض على بيبرس الجناكشير فتمت مطاردته وحُمل مقيدا إلى الناصر، وذكَّره بكل ما سبق منه بحقه. ثم أمر بقتله صبرًا بين يديه (وبيبرس الجناكشير هو الذي في عهده سجن الإمام ابن تيمية)
وأما الأمير سلار فقد خطط له السلطان الناصر بدهاء شديد فقد كان له اتباع من العسكر يتابعونه فولاه الشوبك ثم استدرجه بدهاء إلى القاهرة ثم قبض عليه وسجنه حتى مات جوعا في سجنه.
2- خبرة السلطان الناصر بالمماليك والعسكر وانقلاباتهم جعلته طوال فترة حكمه بعد ذلك بعمل على عدم تمكن أي قيادة عسكرية من المماليك من أن تتوسع أو تهيمن فقهرهم وكان يطيح بكل من تتطلع رأسه إلى الحكم دائما في السجون فلم ينجح أي انقلاب عسكري ضده طوال 32عام.
(الفائدة الثالثة: الحسم السريع مع قادة الفساد وعدم مهادنتهم وقطع رؤوسهم يردع الجميع ويحقق الاستقرار)
كانت فترة حكمه التي دامت 32 عام من أفضل فترات حكم مصر فى العدل والخير حيث ألغى الضرائب على الشعب وزاد ثراء مصر والشعب واتسع ملكه ووصل إلى المغرب العربي والسودان والجزيرة العربية والعراق والشام وأرمينيا وخطب وده كل حكام العالم.
رابعا: إدارة الحكم
1- زادت النهضة والعمران في عهده بصورة لافتة جدا.
2- قضى على الفتن سواء من العربان أو النصارى الموالين للصليبين في مصر.
3- أرسل إليه ملك للصليبيين يطلب بيت المقدس فغضب الناصر غضبا شديدا وطرد الرسل قائلا لهم:
لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم وحدث في عهد الناصر محمد بن قلاوون أن أرسل ملك قشتاله في الأندلس..
(هدية فيها ثوب وسيف وطارقة مستطيلة تشبه النعش كأنه يقول أقتلك بهذا السيف وأكفنك في هذا الثوب وأحملك في هذا النعش، ولكن الناصر محمد فهم ما يرمي إليه ملك قشتاله من سوء نية فأرسل اليه هدية عبارة عن حبل أسود وحجر، وهو يعني انه كلب يرمي بهذا الحجر أو يربط بهذا الحبل) ..
خامسا: العدل أساس الحكم
أشاد بحكمه وعدله ابن بطوطة وابن إياس.. ويذكر المقريزي أن الناصر: «كان فيه تؤدة، فإذا غضب على أحد من أمرائه أو كتابة أسر ذلك في نفسه، وتروى فيه مدة طويلة، وهو ينتظر له ذنباً يأخذه. ويضيف حتى لا ينسب إلى ظلم ولا حيف، فإنه كان يعظم عليه أن يذكر عنه أنه ظالم أو جائر أو فيه حيف» وقد أمر الناصر بمنع ضرب المتهمين وكان يحضر مجلس العدل يستمع لشكاوى الناس.
وقد بلغ عهده حد من الثراء الفاحش ولكنه كان مقتصدا في ملابسه رغم كرمه الكبير على مماليكه والناس، حتى بلغ أن الأهالي كانوا يتسابقون أن يكون ابنهم من مماليك الناصر!!!
وهى نقطة جديرة بالتأمل فالناس تدفع أولادهم للهرب من الجندية خشية عليهم من الموت ولكنهم مع الناصر يتسابقون أن يكون ابنهم عسكري مع الناصر.
سادسا: العبادة وتعظيم شعائر الله
في عام 718 هـ خرج الناصر محمد بـمحمل كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة للحج. ودخل مكة بتواضع وذلة ولما دخل الحرم كنس مكان الطواف ومسحه بيده، ورفض أن يطوف راكباً قائلاً: ومن أنا حتى أتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم والله لا أطوف إلا كما يطوف الناس.
وأمر الحجاب بألا يمنعوا الناس من الطواف معه، فصار الحجاج يزاحمونه وهو يزاحمهم كواحد منهم في مدة طوافه وفي تقبيله الحجر الأسود. وغسل الكعبة بيده، وبالغ في إكرام الحجاج وأحسن إلى أهل الحرمين، وأبطل المكوس من الحرمين وأكثر من الصدقات.
وبعد قضاء مناسك الحج توجه إلى المدينة المنورة ودخلها ماشياً وهو حافي القدمين حياء أن يمشى منتعلا في مدينة فيها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قال ابن تغرى بردى في النجوم الزاهرة (فهو أطول الملوك زمانا وأعظمهم مهابة وأغزرهم عقلا وأحسنهم سياسة وأكثرهم دهاء وأجودهم تدبيرا وأقواهم بطشا وشجاعة وأحذقهم تنفيذا؛ مرّت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلّب مع الدهر ألوانا؛ وهو من أجلّ الملوك وأعظمها بلا مدافعة، ومن ولى السلطنة من بعده بالنسبة إليه كآحاد أعيان أمرائه)
الفائدة: رغم عبادة الناصر وحرصه على الشعائر وزهده، إلا أن ذلك لم يجعله درويشا فقد كان داهية عاقلا حاسما قويا مع أعدائه عادلا مع شعبه فتحقق في عهده ما لم يتحقق في أي عهد.
ومما هو جدير بالذكر أن الناصر محمد مصري مولود في مصر وطبقا لقانون الجنسية لمن صدعونا بالعنصرية أنه لا يوجد حاكم مصري فهو مصري وحقق ما لم يحققه حاكم مصري من مجد وثراء ونهضة وعدل.
رحم الله الناصر محمد لقد حقق معادلة صعبة في الحكم تمثلت في قهر انقلابين من العسكر والقضاء على الطامعين في الحكم وحب الشعب له والنهضة والعمران والتوسع والثراء توفى إلى رحمة الله عام 741 هجري عن عمر 57عام.. رحمه الله رحمة واسعة.
{أهدى هذا المقال للجهال والمتصدرين والنصابين الذين يلعبون على مسرح السياسة أراجوازت الغرب لخدمة تدجين الشعب المصري}