نشر “معهد الشرق الأوسط” البحثي الكائن في واشنطن، بحثًا عن وضع المناخ في دول الخليج العربي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة عالميًا، وتوجه العالم إلى الوصول إلى مستوى انبعاثات يقترب من الصفر.
وفق آخر تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، ارتفعت درجة حرارة العالم بنحو 1.1 درجة مئوية، مقارنة بأوقات ما قبل الثورة الصناعية، ومن المرجح أن يقترب من 1.5 درجة مئوية خلال العقدين المقبلين. لقد شهد كل ركن من أركان كوكبنا بالفعل آثار تغير المناخ، من موجات الحر الشديدة والفيضانات إلى حالات الجفاف المدمرة.
وأضافت الهيئة أن انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية يجب أن تخفض بنحو النصف، بحلول عام 2030، للوصول إلى صافي الصفر في منتصف القرن تقريبًا. وحتى الآن، أقرت أكثر من 130 دولة، تغطي 83% من الانبعاثات العالمية، بهذه الضرورة الملحة، وألزمت نفسها بتحقيق هدف والوصول إلى مستوى صفري من الانبعاثات، ومن هذه الدول: البحرين والكويت وعمان والسعودية والإمارات.
ومع ذلك، فإن الفجوة بين وضع العالم اليوم من حيث الانبعاثات، وما يجب أن يكون عليه في عام 2050، كبيرة. فيجب أن تزيد حصة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي توليد الكهرباء على مستوى العالم من 29% حاليا إلى أكثر من 60% في عام 2030، وإلى ما يقرب من 90% في عام 2050.
ويضاف إلى ذلك الزيادة المطلوبة في إنتاج الهيدروجين النظيف، التي تقدر بستة أضعاف المستويات الحالية البالغة 0.87 طن، لتصل إلى 530 مليون طن في عام 2050.
سيتطلب هذا حدوث زيادة في استثمارات الطاقة النظيفة، بمقدار من 2-4 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030، أي ثلاثة أضعاف مستويات الاستثمار الحالية البالغة 755 مليار دولار.
يستدعي الأمر بذل جهود إضافية من العالمين المتقدم والنامي، ولكن السرعة التي يمكن أن تسد بها الفجوة ستعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك الإرادة السياسية، وتوفر الموارد الطبيعية، والقدرات المؤسسية والمالية والفنية، والاستعداد.
يمكن لدول الخليج العربية، على الرغم من كونها منتجة رئيسة للنفط والغاز، أن تلعب دورًا مهمًا في دعم الجهود العالمية لسد الفجوة وتحقيق أهداف الوصول بالانبعاثات إلى صافي الصفر. وذلك لأن دول الخليج العربية لا تتمتع فقط بإمكانات كبيرة لموارد الطاقة المتجددة بالإضافة إلى بعض أنواع الوقود ذات المحتوى الكربوني الأقل في العالم، ولكنها أيضًا، تتمتع، بدرجات متفاوتة، بموارد مالية ضخمة. ومع ذلك، لإطلاق مثل هذه الإمكانات الهائلة، ستحتاج دول الخليج العربية إلى تحديد التحديات المختلفة ومعالجتها بشكل منهجي في طريقها إلى صافي انبعاثات يبلغ الصفر.
تكنولوجيا مستوى الانبعاثات الصفري وما هو الوضع الآن
نشرت منظمات مختلفة، مثل: بريتش بتروليم والوكالة الدولية للطاقة، توقعات لإمدادات الطاقة والطلب عليها في سيناريو صافي الانبعاثات الصفري، بما يتوافق مع أهداف اتفاقية باريس للحفاظ على الاحترار العالمي في 1.5 درجة مئوية، هذا السيناريو الذي وضعته شركة بريتيش بتروليوم (انخفاض بنسبة 15% في الانبعاثات بحلول عام 2050، وارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1 درجة مئوية)، بجانب السيناريو الذي وضعته وكالة الطاقة الدولية في 2021 ( 40% في الانبعاثات في عام 2030 وإلى صافي صفر في عام 2050 لانبعاثات العمليات الصناعية والمتعلقة بالطاقة العالمية) يشير إلى زيادة كبيرة في حصة الطاقة الجديدة والنظيفة، بما في ذلك الهيدروجين، ومصادر الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، يتوازى هذا مع انخفاض كبير في نسبة الهيدروكربونات، والفحم والغاز الطبيعي، والنفط، في إمدادات الطاقة في المستقبل.
ومع ذلك، في كلا السيناريوهين، ستستمر الهيدروكربونات في لعب دور في تلبية احتياجات الطاقة في مستقبل خال من الانبعاثات، وإن كان آخذًا في الانخفاض. يشير سيناريو صافي الصفر لشركة بريتيش بتروليوم إلى أن حصة الهيدروكربونات ستتراوح بين 20% و70% بحلول عام 2050. وتفترض وكالة الطاقة الدولية أن حصة الوقود الأحفوري ستزيد قليلا عن 20% في عام 2050، وستنخفض من 72 مليون برميل في اليوم في 2030، إلى 24 مليون برميل في اليوم في 2050.
تشير أرقام الاحتياطيات المتاحة في دول الخليج العربي إلى استمرار اعتماد دول الخليج العربي عليها خلال الفترة ما بين 20 إلى 100 عام. وتشير توقعات الطاقة المستقبلية إلى أن الهيدروكربونات ستستمر في لعب دور في مستقبل خال من الانبعاثات، فإنها تقترح تقليل الانبعاثات الناتجة عن هذه الأنواع من الوقود باستخدام تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه، أو عن طريق تحويل الهيدروكربونات إلى الهيدروجين أو الأمونيا، وهي خالية من انبعاثات الاحتباس الحراري.
خطت دول الخليج خطوات واسعة في سبيل تنفيذ مبادرات واستثمارات في مجال الطاقة منخفضة الكربون، ومع ذلك فالفجوة بين الوضع الحالي وهدف صفر الانبعاثات ما زال كبيرًا نسبيًا. على سبيل المثال، السعودية وقطر والإمارات تمثل نحو 10% من ثاني أكسيد الكربون المنبعث عالميًا، بمعدل 3.7 مليون طن سنويًا.
بحلول عام 2030، تستهدف قطر الوصول إلى 7 ملايين طن سنويًا والإمارات 5 ملايين طن سنويا، والسعودية إلى 44 مليون طن سنويًا في عام 2035، في المقابل، تستهدف السعودية إنتاج 650 طنا يوميًا من الهيدروجين، و1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا بحلول عام 2025، لتصديره للخارج. وتستهدف عمان وشركة بترول أبوظبي الوطنية إنتاج مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وتهدف قطر إلى إنتاج 1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2026.
وبافتراض أن هذه المشاريع ستولد طاقة متجددة، فإن نطاق التوليد الحالي من الطاقة المتجددة، الذي يقل عن 1 جيجاوات، حولي 4000 ميجاوات، أقل بكثير من المطلوب للوفاء بالأهداف المعلنة. تشير التقديرات إلى أن إنتاج مليون طن من الهيدروجين سيتطلب نحو من 6 إلى 9 جيجاوات من قدرات الطاقة الكهربائية، لتعمل بكفاءة 75% لمدة 5 آلاف ساعة في السنة، ونحو 10 إلى 16 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة، وهذا يعني أن الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى زيادة بنحو من 40 إلى 60 جيجاوات، أي ما يقرب من 60 ضعفًا عما هو عليه الوضع عليه الآن، بحلول عام 2030، لتلبية أهداف الهيدروجين في المنطقة.
هل حوكمة وأنظمة وسياسات دول مجلس التعاون الخليجي تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى صافي الصفر؟
لقد خطت دول الخليج خطوات واسعة لتقليل تأثيرات التغير المناخي، فقد أطلقت مبادرات، ووضعت تشريعات، وبرامج لتحقيق هذا الهدف.
في عام 2007، أسست البحرين لجنة التغير المناخي التي يرأسها مدير الهيئة العليا للبيئة، للإشراف على قضايا المناخ، وتقليل تأثيرات التغير المناخي.
في الكويت، تأسس لجنة الأوزون والتغير المناخي التابعة للهيئة العامة للبيئة، بعضوية أعضاء من الهيئة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، ووزارة البترول وشركة بترول الكويت، ووزارة الكهرباء والمياه، ووزارة الخارجية، والمديرية العامة للطيران المدني، كما أصدرت خطة التكيف الوطنية 2019 – 2030، التي تهدف إلى خفض انبعاثاتها بما يعادل 7.4% من إجمالي انبعاثاتها في عام 2035 على أساس طوعي.
وعلى النهج نفسه سارت عمان، فقد أطلقت بإشراف هيئة البيئة، إستراتيجية وطنية في 2019 للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وأعلنت عن إستراتيجية وطنية لاقتصاد الهيدروجين في عام 2020. وفي مؤتمر المناخ 27، أعلنت الحكومة العمانية استراتيجيتها للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وفي قطر في 2021، وافق مجلس الوزراء القطري على الخطة الوطنية لتغير المناخ، بهدف اتخاذ قرارات في كل القطاعات متوافقة مع قضايا المناخ، وفي أكتوبر من العام نفسه، أسست قطر وزارة البيئة والتغير المناخي لمعالجة القضايا المتعلقة بالمناخ.
وفي عام 2020، وكجزء من رئاستها لمجموعة العشرين، طرحت السعودية، بقيادة وزارة الطاقة، مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، ووضعته في قلب خطتها للتخفيف من آثار تغير المناخ. ويقوم هذا المفهوم على أربعة محاور، الحد من الانبعاثات، وإعادة استخدام الكربون وإعادة تدوير الكربون من خلال دورة الكربون الطبيعية باستخدام الطاقة الحيوية أو عمليات احتجاز الكربون الطبيعي، مثل الغابات والمحيطات واستخدام الوقود الاصطناعي القائم على الهيدروجين لإعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون، وإزالة الكربون الزائد عن طريق تخزينه من خلال استخدام الكربون وتخزينه.
وكانت الإمارات الدولة الخليجية الأولى التي تعلن استراتيجيتها الوطنية للمناخ في عام 2017، وكانت أول دولة تربط إستراتيجيتها المناخية بالتنمية الاقتصادية ، وحينها وضعت الإمارات “الأجندة الخضراء 2015 – 2030″، كإطار تنفيذي شامل يختص بمعالجة قضايا المناخ، ويترأسه مجلس تغير المناخ والبيئة.
وقدمت عمان والإمارات العربية المتحدة، حتى الآن، إستراتيجية على مستوى الاقتصاد بأكمله، ما يمهد الطريق لتحقيق أهدافهما الصفرية من الانبعاثات. حددت هذه الاستراتيجيات أهدافًا لكل قطاع اقتصادي لتحقيق أهداف إزالة الكربون بحلول منتصف القرن. ومع ذلك، فإنها تفتقر إلى المعلومات التفصيلية حول كيفية تحقيق إزالة الكربون من كل قطاع، ماليًا وفنيًا ومؤسسيًا. بالنظر إلى أنه لم يتم الإعلان عن أهداف صافي الصفر إلا مؤخرًا، فمن المتوقع أن تحذو دول الخليج الأخرى حذوها وتطلق استراتيجيات مخصصة ومفصلة لتحقيق أهدافها الخالية من الصفر. يجب أن تتماشى هذه الاستراتيجيات مع خطط التنمية الاقتصادية وميزانيات الدولة حتى لا يتم التعامل مع التنمية الاقتصادية وأهداف صافي الصفر من الانبعاثات كأجندات منفصلة. ستساعد هذه المواءمة أيضًا في التخفيف من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة غير المقصودة المرتبطة بتنفيذ سياسات مناخية مختلفة، مثل تسعير الكربون.
كيف ستمول دول الخليج خطة التحول للوصول إلى صفر انبعاثات؟
في الوقت الحالي، تمول دول الخليج المشروعات المناخية عن طريق ميزانيات مخصصة، فمثلا، في هذا العام أعلنت السعودية عن استثمار نحو تريليون ريال لتوليد “طاقة أنظف”. وفي عام 2015، أعلنت الإمارات عن ميزانية بقيمة 163 مليار دولار لتحقيق هدف الطاقة النظيفة بنسبة 44% بحلول عام 2050، ويتم الحصول على هذه الموارد المالية جراء تصدير الهيدروكربونات، وباستثناء الإمارات، لم تضع أي دولة خليجية أخرى إطارًا مخصصًا يلزمها بتمويل مشروعات المناخ.
في 2015، أطلقت الإمارات برنامج التمويل الأخضر ودعم الاستثمار، كجزء من الأجندة الخضراء لدولة الإمارات سابقة الذكر، وأطلقت الإمارات إطار التمويل المستدام (2021 – 2031) لتشجيع مشاركة القطاع الخاص في العرض على التمويل المستدام وتعزيز البيئة المواتية للاستثمارات المناخية والخضراء من خلال التعاون القوي مع الشركاء.
وتشير الدلائل إلى مشاركة القطاع المالي في تمويل المشاريع المستدامة والصديقة للمناخ، ففي عام 2016، وقعت أكثر من 30 مؤسسة مالية مقرها الإمارات إعلان دبي بشأن التمويل المستدام لتعزيز الممارسات المالية المستدامة بما يتماشى مع الأجندة الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي عام 2015، ساهمت البنوك الوطنية الإماراتية في 10 مبادرات تمويل مستدامة، بما في ذلك بنك أبوظبي الوطني الذي يستهدف 10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات للإقراض والاستثمار في الأنشطة السليمة بيئيًا. وقدم بنك إتش إس بي سي تمويلًا لإنشاء أول مركز لأبحاث المياه والتعليم في الإمارات الذي يضع أطر التكامل المستدامة التي تدمج تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية في تمويل المشاريع الجديدة، والقروض الخضراء لتحفيز العملاء على تبني القضايا المناخية، مثل الترويج لقيادة السيارات الكهربائية.
وفي عمان، أطلق بنك مسقط في 2019 أول مخطط لتمويل أخضر في البلاد، مع نطاق لدعم تركيب الألواح الشمسية على الأسطح، وفي 2022، قدم برنامج التمويل الأخضر الذي يركز على تركيب ألواح توليد الطاقة الشمسية على الأسطح.
ودخلت صناديق الثروة السيادية ضمن جهود دعم الاستثمارات الخضراء، ففي عام 2022، وضع صندوق الاستثمارات العامة في السعودية إطارا للتمويل الأخضر، يهدف إلى زيادة رأس المال لدعم تمويل وإعادة تمويل الأنشطة البيئية، وأصدر صندوق الاستثمارات العامة سندات خضراء لدعم المشاريع المناخية.
هل توليد المناخ طبيعيًا قابل للتطبيق للوصول إلى مستوى انبعاثات صفري في دول الخليج؟
تعتبر زراعة الأشجار والحفاظ عليها من الحلول الطبيعية لقضايا المناخ، وهي تطبق في دول الخليج حاليا، فقد أعلنت السعودية عن مبادرتين، وهما الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء، لزراعة 10 مليارات شجرة في السعودية، على أمل زيادة المساحة المغطاة بالأشجار بمقدار 12 مرة عن المستوى الحالي، والتقليل من انبعاثات الكربون بأكثر من 4% من المساهمات العالمية، فضلا عن زراعة 40 مليار شجرة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك، فإن زراعة الأشجار قد لا تكون الحل الأمثل لتعويض الكربون في الخليج، لأنها المنطقة المصنفة باعتبارها الأكثر نقصا في المياه في العالم.
وعليه، يتعين على دول الخليج استكشاف حلول أخرى ومبتكرة لتعويض الكربون، تتماشى مع البيئة الطبيعية وظروف المنطقة، ويمكن أن يكون تمعدن الكربون حلًا تنافسيًا من حيث التكلفة ومتوافق مع البيئة الطبيعية الجافة لدول الخليج، نظرًا لأنه يعتمد على تخزين ثاني أكسيد الكربون في التكوينات الصخرية البيريدوتيته المتوفرة في المنطقة.
واختتم البحث بالإضاءة على المرحلة المستقبلية التي تقوم على التزام دول الخليج، باستثناء قطر، بتحقيق أهداف تقليل الانبعاثات للمستوى صفر، وأنها في سبيل هذا خطت خطوات واسعة، إلا أن تأخر الوقت وغياب الابتكار يعوقان التنفيذ، فدون جهود تنفيذ ممنهجة لسد الفجوة بين الوضع القائم وحجم الجهود التكنولوجية والمالية والمؤسسية المطلوبة، سيكون تنفيذ سياسات المناخ في الوقت المناسب أمرًا صعبًا.
وفي مقابل صعوبة الموقف، فإن الوصول لهدف خفض الانبعاثات لمستوى صفر أمر ضروري، لدعم جهود تنويع الموارد الاقتصادية في البلاد وتقليل من الآثار المستقبلية السلبية لسياسات تغير المناخ التي قد تعرض الثروات الهيدروكربونية في الخليج للخطر.
- مركز بحثي: دارفور تشهد 130 واقعة عنف منذ بداية العام - الثلاثاء _21 _مارس _2023AH 21-3-2023AD
- النزاع على الأراضي التاريخية الماليزية يهدد علاقتها مع أوروبا - الأحد _19 _مارس _2023AH 19-3-2023AD
- مركز بحثي أمريكي: العالم يواجه مخاطر انعدام الأمن الغذائي - السبت _18 _مارس _2023AH 18-3-2023AD