يوم 15-3-2023 تمر على الأمة العربية والإسلامية الذكرى السنوية الثانية عشر لثورة الشام الأبية التي تستحق وصف المزلزلة والكاشفة!
ثورة الشام المباركة هي ثورة القرن بلا منازع رغم بركة الثورات التي سبقتها ولحقتها، ولكن حجم ما اجتمع فيها من تضحيات وتحديات، وحجم ما بني عليها من آمال فاق جميع الثورات.
لقد زلزلت الثورة السورية المباركة الأنظمة التي صاغها الغرب في قوالب الدول الوطنية بشكل خاطئ ومغرض،
كما زلزلت الثورة المشاريع الكبرى في المنطقة والتي التقى فيها ثلاثي الشر (الغربي-الطائفي-الصهيوني).
ثورة الشام فضحت وهدمت أفكارًا
كما كشفت وفضحت وعرت الثورة المباركة حقيقة الأنظمة وأسرها الحاكمة والأحزاب العاملة والشخصيات السياسية الفاعلة وحتى المناهج والأفكار المطروحة في السياق الوطني والاسلامي.
لقد نجحت ثورة الشام المباركة بدماء شهدائها الزكية وعناوينها الإسلامية المنهجية في عملية الهدم اللازمة لمنظومة الظلم الحامية للأنظمة،
كما نجحت في هدم الأفكار والمناهج المعادية للإسلام والهوية المعبرة.
لقد نجحت ثورة الشام في زلزلة حصون النظام الطائفي الذي يعتبر الركيزة الأساسية الثانية بعد إسرائيل في ضبط المنطقة وفق رؤية المشروع الغربي الصليبي.
تفكيك مشروع ملالي إيران
لقد نجحت ثورة الشام في تفكيك مشروع ملالي إيران الذي قطع شوطا فوق وتحت الأرض في تبديل دين الشعوب والسيطرة على شعوب ودول المنطقة من خلال عنوانين زائفين هما حب آل البيت وخديعة المقاومة.
ورغم المعوقات والتحديات الموضوعية والقدرات الذاتية المحدودة إلا أن ما أنجزته ثورة الشام في معادلة الهدم كبير وكبير جدا للحد الذي أربك المشاريع الدولية التي تدير دول المنطقة،
كما وقطع أذرع الملالي الإيرانيين وحول حلمهم في تصدير التشيع الى سراب وخراب تحكمه دبابة وقنبلة،
بعد أن كان يسحر العقول والألباب لدى كثيرين حتى من نخب الأمة الفاعلة!
لقد أخفقت ثورة الشام المباركة في معادلة البناء كما هي عموم تجارب المنطقة، الأمر الذي يحتاج إلى بحث معمق يعالج هذا القصور المريع في كل مناحي البناء اللازمة،
سواء في معالجة الجوانب الذاتية التي تصيب حركات التغيير بالعلل، أم التحديات الموضوعية التي اخترق فيها الغرب الجسم الثوري بأجسام غريبة تحمل عناوين فاقعة كتنظيمات القاعدة وداعش واخواتها التي استهلكت رصيدا من دماء أبنائنا وشوهت وحطمت كثيرا من مشاريع الخير الفاعلة.
أرض الشام هي الأرض المباركة التي نشأ وتربى وبنى تاريخها أحفاد الصحابة الكرام على نهج خاتم النبيين محمد ﷺ،
وهي اليوم تستعيد هويتها الثقافية بعد أن أحدث فيها اضطرابا القوميون والعلمانيون والاشتراكيون اليساريون حتى ضعفت وتخلخلت
وباتت لقمة سائغة أمام الفك الطائفي المفترس الذي أراد تبديل هويتها ودينها لدين الشيعة،
فإذا بها تنهض من جديد ببركة من الله منتفضة مستردة هويتها الثقافية القائمة على دين التوحيد النقي دون ظلمات وجاهلية.
إن وضوح مآلات ثورة الشام المباركة في إنهاض الأمة وصحوة ماردها الإسلامي، هي التي جعلت الغرب والشرق والمشروع الغربي الصهيوني والمشروع الطائفي يلتقيان ويتخادمان لأجل هدف واحد هو إفشالها وإرباكها.
ثورة الشام والمشاريع الكبرى؛ دولية وإقليمية
نجحت المشاريع الكبرى الدولية والإقليمية في خلخلة الثورة وقضم أجزاء منها وتشويه أجزاء أخرى
وبالجملة فقد نجحت في إضعافها، ولكنها لم تنجح بإزالتها ولا بحرف بوصلتها نتيجة جهد العلماء الربانيين وثمرة لدماء المجاهدين.
لقد أصبحت ساحة الشام المشتعلة ساحة مفتوحة للصراع لايريد الغرب لها أن تهدأ بل يريدها أن تتحوّل لصورة وواقع فلسطين وهي أختها الصغرى،
حيث يحتلها ويتحكم بمقدراتها طرف لا ينتمي لها بعد أن مكنه الغرب منها لينوب عنه في التدمير،
حتى إذا فشل وضعف وخارت قواه -كما حصل في عموم الشام- جاء الغرب بجحافله ومشاريعه ومكوناته ليمنع أي مشروع نهضة فيها،
وذلك انطلاقا من وعيه بأن مشروع التحوّل الثوري سيثمر في قيام الأمة بعد أن انطلقت شرارتها الواضحة، والتي تؤذن بحقبة التغيير باذن الله.
صحيح أن عذابات الأمة في الأرض المباركة فلسطين خلال 70 عاما ذاقها أهل الشام في سبع سنين عجاف،
لكن التجربة الفلسطينية غنية في جوانب ومناحي عديدة لم تشهد ثراءها عموم الثورات في المنطقة،
الأمر الذي يجعل قراءة التجربة الفلسطينية بشكل واع وعميق ومتجرد شرط يختصر العذابات ويحد من التضحيات دون مراكمة،
ويتجاوز أخطاءنا الكثيرة في فلسطين المباركة أم التضحيات.
لقد سقطت التجربة الفلسطينية في كبائر الثورات القاتلة، وهي :
أولا، العملية السياسية:
حيث شاركت فيها في ظل الاحتلال الذي منحها حدود وصلاحيات المشاركة،
ولم تنتزعها بشكل ثوري يميزها بالصلاحيات الحقيقية التي تحقق فاعليتها في البناء وفق رؤيتها الوطنية المنسجمة مع ثقافاتها والمنحازة إلى عموم الأمة.
ثانيا، الانقسام الداخلي:
حيث قسمت الحركات الفلسطينية جماهيرها إلى أطراف متحاربة، وصنّفتهم بين شياطين وملائكة بحسب ولاءاتهم السياسية،
الأمر الذي جعل الثورة في بعض مراحلها سكينا تنحر شعبها، وتفرق جمعها وتبدد قوتها في كل حين،
لاسيما وقد اصطف قادتها لأحزابهم بحدة تمنع الإنصاف وتحول دون رؤية جامعة لأبناء الأمة الواحدة.
ثالثًا، خلق الفجوات تجاه الأمة الحاضنة:
وذلك من خلال أحلاف لا شرعية ولا أخلاقية تسقط القيم الثورية العادلة،
فكيف يستقيم بحركة ثورية تنشد تضامن الأمة معها في مشروعها التحرري من احتلال غاشم، أن تتحالف مع أنظمة ومشاريع تحتل بعض دول الأمة وتنكل بشعوبها بشكل فظيع،
وتنتهك حرماتها وثقافتها الواحدة، الأمر الذي يشكل فجوة عميقة بين أي ثورة ومشروع تحرري وبين الأمة الحاضنة والسند والنصير، فتؤول إلى النهاية والهاوية.
ليست البركة في أي حركة تتحرك بطريقة المياومة والمساومة، فتارة تحركها العاطفة المجردة،
وتارة يستفزها العنصريون الحقدة، وتارة تندفع لإرضاء رغبة جماهيرها لمزيد من كسب الولاءات ورصيد الأموال والتبرعات،
بل البركة في الحركة الواعية التي ينسجم واقع حالها مع مقالها فتنال توفيق الله سبحانه، وتحوز رضا الناس والجماهير بمصداقيتها.
مراجعة شاملة
وبعد 12 عشر عاما على ثورة الشام المباركة فإنه قد حان الوقت لتعيد المراجعة الشاملة في جوانبها الثلاث الهامة والمقررة، وهي :
– المناهج والتصورات المطروحة وتنقيتها اللازمة.
– القيادات النافذة والفاعلة وضبط مواصفاتها دون عواطف جارفة ولا ولاءات منكرة.
– مواقفها السياسية تجاه شعبها وأمتها وأصدقائها وحتى أعدائها والمحاربين.
لا يمكن أن تتحقق تلك المراجعة الناقدة الا بدور فاعل وطليعي للعلماء الربانيين والدعاة الصادقين والباحثين المتجردين حتى وإن كانوا من القاعدين بشرط أن يكونوا من المهمومين وبقضايا أمتهم منشغلين، حتى لا نقع في مقولة الداعشيين الذين قتلوا نصف علماء الأمة وقذفوا النصف الآخر ليحرموا الأمة من بصرها وبصيرتها فتتوه البوصلة دون دور موجه ومطاع لورثة النبيين.
يقول سبحانه وتعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69
مضر أبو الهيجاء فلسطين – جنين 15/3/2023
- مضر أبو الهيجاء يكتب: رسالة مفتوحة إلى ثوار الشام وأحرارها الأبرار - الخميس _16 _مارس _2023AH 16-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: عقم المعادلة الفلسطينية واضطراب مسارها - الأحد _5 _مارس _2023AH 5-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: الإسلاميون الجدد بين التلويث والتهديد - الأحد _26 _فبراير _2023AH 26-2-2023AD