تشتعل شوارع المدن الإيرانية بالمظاهرات التي تستهدف إسقاط نظام الملالي، وهي مظاهرات مشروعة ومفهومة الأسباب وليست بعيدة عن الدوافع العامة في عموم الثورات الشعبية التي تنتفض بعد تجاوز الظلم كل حد معقول، وبعد اشتعال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي جميعها قائمة في إيران.
لكن السؤال المطروح حول هذه الثورة الشعبية هو:
هل هي ثورة مستقلة تماما أم فيها ترتيبات وأجندات؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بد من إمعان النظر في تجارب ثورات الربيع العربي المباركة والتي كانت أعظم ثورات العصر،
إلا أن أحدا منها لم يخل من ترتيبات وأجندات بدأت معها أو سريعا ما لحقتها لتحدد مسارها مدا وجزرا
بحيث تحقق بعضا من أهدافها دون أن ترقى لتغيير قواعد المشروع الغربي في المنطقة.
الغرب ليس بعيدًا عن المشهد
مخطئ من ظن أن الغرب بعيد عن المشهد، فجميع دولنا مخترقة في منظوماتها السياسية والأمنية والعسكرية كما الاقتصادية بالشكل الذي يبقي الغرب سيدا ذو نفوذ في المنطقة وضابطا لإيقاعها وقادرا على التعامل مع مفاجآتها .
ومن نافلة القول أن العالم يشهد احترابا سيفضي لتشكل محاور عالمية وإقليمية جديدة
بدأت تحالفاتها السياسية تتشكل من خلال دول قوية حسمت أمرها، ودول ضعيفة رمادية تنتظر نتائج الاصطراع القائم لتحدد قبلتها،
ودول تغامر وتقامر في مد جسور تحالفاتها الجديدة، والجمهورية الإيرانية من الصنف الثالث.
يعلق كثيرون أملا على الثورة الشعبية في إيران لإسقاط ملاليها وحكم الولي الفقيه فيها،
وهو أمل مشروع ولكنه مجاف للواقع وسطحي في النظر!
لقد فشل الغرب في تدمير مفهوم الأمة الواحدة وبقيت حقيقة قائمة بسبب تماسك وصلابة وحدتها الثقافية مع أنه نجح في هدم دولتها وتمزيق السياج السياسي الذي يعبر عنها.
مشاريع تفتيت الأمة
وقد استخدم الغرب عدة مشاريع لتفتيت الأمة باءت بالفشل جميعها -رغم اختطافها جزءا ضئيلا من علمانيي شعوبنا-
حتى تبلور مشروع الولي الفقيه بشكل حقيقي حين مكنته المنظومة الغربية من حكم إيران
فبدأ على الفور مشروع التفتيت الثقافي الطائفي في الدول العربية
حيث أثبت نجاحه ونجاعته خلال أربعة عقود ببسط نفوذه
واحتلال أربع عواصم عربية بعد تهديم دولها وإفقار اقتصاداتها وتهجير أهلها وتشييع ثقافي وسياسي لأحزابها،
الأمر الذي أفضى لتجذر حالة احتراب طائفي حقيقي بين أبناء شعوب المنطقة الذين باتوا يهرسون مستقبل شعوبهم وبلادهم بأيديهم لصالح مشروع الغرب وملالي إيران!
لم يمتلك أحد من مشاريع الهدم التي استهدفت أمتنا عبر التاريخ حجم الأدوات والمفردات التي يمتلكها المشروع الباطني والطائفي والشيعي المنضوي جميعه تحت ملالي إيران.
أمريكا والكيان الصهيوني.. وحكم الولي الفقيه في إيران
فكيف يتوقع البعض أن تسقط أمريكا والكيان الصهيوني حكم الولي الفقيه في إيران؟
لن يجد الصهاينة ولا الغربيون طرفا يتخادم معهم بصدق في تدمير الأمة واستهداف مفرداتها الدينية واقتلاع رواد النهضة الإسلامية كلما تشكلت حولهم طاقات خيرا من ملالي إيران.
إن التوترات الحالية في شوارع إيران هي مزيج من التقاء إرادتين،
الأولى إرادة شعبية جماهيرية ضجت من ظلم الملالي،
والثانية إرادة غربية أمريكية بمثابة ضرب للحمار على قفاه لكي لا يخرج عن المسار .
لا يزال أمام ملالي إيران دور فاعل وكبير وهام يوجب الحفاظ على سلطتهم وقوة بطشهم ، الأمر الذي دعا قطر لتحرير سبعة مليار دولار لإيران إسنادا للحكم القائم ولملالي إيران بإيعاز من السادة الأمريكان.
ولا يوجد في منطقتنا العربية الملتهبة في معركة الهوية أحد قادر على صدها بتفتيتها ثقافيا وسياسيا غير إيران،
أما الكيان الصهيوني فقد بات أضعف من هذا الدور بفضل ثبات الفلسطينيين في مقارنته،
ورفضه من قبل شعوب العرب والمسلمين وبسبب التمايز الثقافي بين المسلمين واليهود.
إن استيعاب المحور الإيراني وذيوله من الناحية السياسية من قبل الأحزاب والحركات السياسية في منطقتنا العربية يعد جريمة كاملة في حق الأمة والدين.
إن التموضع السياسي الإيراني في منطقتنا ودولنا يشكل الأرضية الخصبة لإنجاح مشروعها في التفتيت الثقافي وتدمير مفردات الدين مفردة تلو مفردة.
فلسطين النافذة إيران لولوج لعقول المسلمين
لقد شكلت المسألة الفلسطينية النافذة الأقوى لولوج إيران لعقول وقلوب وحركات وبلاد المسلمين،
بل كانت النافذة الفلسطينية أقوى من نافذة حب آل البيت، وكلاهما مطية لمشروع الملالي الخبيث.
ومن المفزع أن من بيننا حركات تغيير سياسية وإسلامية سواء في فلسطين أو العراق أو اليمن ولبنان وغيرها تقوم بخطوات سياسية تجذر وجود وفاعلية المحور الإيراني في المنطقة مما يدفع الشعوب والحركات الأخرى للتطبيع مع ملالي إيران وعدم اعتبارهم أعداء للأمة والدين رغم كل صنيعهم في المنطقة، والتي نزفت من دماء أبنائنا الزكية خلال عقدين أكثر من قرنين من الحروب والدماء!
إيران باقية وتتمدد، والذي أعاد توليد المجرم الباطني بشار الأسد بعد أن ثبته سياسيا وعسكريا، لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي خطر يهدد الدب الأكبر الذي يضع في إبطه حشرة صغيرة اسمها بشار الأسد.
المراجعة واجبة والتاريخ يسجل والشعوب تستوعب.. أصلح الله حال أمتنا.
- مضر أبو الهيجاء يكتب: رسالة مفتوحة إلى ثوار الشام وأحرارها الأبرار - الخميس _16 _مارس _2023AH 16-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: عقم المعادلة الفلسطينية واضطراب مسارها - الأحد _5 _مارس _2023AH 5-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: الإسلاميون الجدد بين التلويث والتهديد - الأحد _26 _فبراير _2023AH 26-2-2023AD
