التجربة الفلسطينية المعاصرة.. أين النجاح وأين الفشل وما هو المطلوب؟
نجحت التجربة الفلسطينية المعاصرة في رسم وأحياء مفهوم الجهاد في وجه المحتلين، كما أبدعت في صور التضحية والاستشهاد والنضال على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع على نحو يستحق أن يدرس للشعوب الثائرة في وجه الطغيان.
الفشل
فشل المسار الوطني الفلسطيني في الصمود النضالي في وجه المحتلين، بعدما انطلق في مشروعه من زاوية مشرفة هي الكفاح المسلح وعدم مهادنة العدو ثم انتهى إلى زاوية مخزية نقلته من فدائي ثائر إلى ضابط تنسيق أمني مع العدو الصهيوني تحت ذرائع واهية تفسر ضعفه واهترائه.
فشـل المسـار الإسلامي الفلسطيني في الصبر والصمود في الاتجاه الصحيح فما لبث أن غرر به حتى ولغ في العملية السياسية في ظل الاحتلال واستبدل في واقع حاله ووقائعه مفهوم السلطة بمفهوم التحرير حيث بات إيقاعه مرتبط بكيفية محافظته على وجوده في السلطة وخدمة الجوانب المتعلقة بها.
فشل التيار الوطني في احتواء الحالة الفلسطينية الشعبية والتعبير عن همومها وذلك بسبب قلبه ظهر المجن لشعبه منذ أن استساغ العلاقة مع المحتل الذي أغرق قيادته في أشكال من الفساد بعد أن قام بتصفية أو استبعاد الشخصيات الوطنية الصادقة والجامعة.
فشـل التيـار الإسلامي الفلسطيني في مد جسوره مع الأمة العريضة التي تحيط به ومن ثم البناء عليها في مشروع التحرير وذلك نتيجة لسقوطه في الفخ الإيراني واستمرائه للمال الإيراني وفتح الآفاق له على المستوى الرسمي في مساحات جيوسياسية مرتبطة بمحور المقاومة والممانعة الإيراني.
السقوط
سقط التيار الوطني الفلسطيني كما التيار الإسلامي الفلسطيني في صناعة وبلورة حالة احتراب داخلي وخارجي ابتداء من القتل والاقتتال وانتهاء بالإعلام ومرورا بكل أشكال الكولسة الرخيصة وذلك وفق إرادة المحتل الذي منح التيار الوطني الفلسطيني الضفة، كما منح التيار الإسلامي الفلسطيني غزة، ثم أقنع كل طرف منهما بعظمته في التحرير والصمود وأعطاهما بعضا من أسباب الحياة وهامشا معقولا للتحرك لتشكيل حالة القطيع خلف كل منهما لضمان بقاء الغول الحقيقي الذي يخشاه -وهو الشعب الفلسطيني – في حالة تيه فظيع.
النجاح
إن النجاح الفلسطيني على المستوى الشعبي في بلورة حالة الصمود والكفاح نموذج مشرف بات له أقران وأشباه في مصر والشام والعراق واليمن وليبيا..الخ، حيث أثبتت حقبة الربيع العربي وتجاربها جميعا مستوى من التضحية والفداء عند شعوبنا لا تقل روعة عن الشعب الفلسطيني بل تزيد.
الإخفاق الرسمي
كما أن الإخفاق الرسمي على مستوى الحركات والفصائل والجماعات الفلسطينية المتمثل في ضعف وعي قياداتها واستخذائها أمام العدو الصهيوني الذي نكل بشعبها أو العدو الإيراني الذي نكل بأمتها جمعاء كشف عن أن المشروع الفلسطيني مأزوم في قيادته في جانبين على الأقل وهما وعيه وأخلاقه.
انحراف البوصلة
لقد أسهم انحراف البوصلة لدى التيار الوطني الفلسطيني بعدما شرع لنفسه العلاقة مع العدو الإسرائيلي بخلق أرضية التطبيع مع الكيان الصهيوني التي لاقت هوى عند ضعفاء النفوس ومشوهيي العقول ومطعوني الانتماء.
كما أسهم انحراف البوصلة لدى التيار الإسلامي الفلسطيني بعدما شرع لنفسه العلاقة بالعدو الإيراني وملاليه المجرمين في خلق أرضية التوسع الحقيقي للمشروع الطائفي الشيعي الذي ترعاه إيران وملاليها وميليشياتها وأحزابها التي ارتبط اسمها زورا بالقضية الفلسطينية وأسهم التيار الإسلامي الفلسطيني في بلورة تلك الصورة واضفاء شرعية عليها كما هو موقفه -على سبيل الذكر لا الحصر- من مشاركته في يوم القدس العالمي الإيراني في الجمعة الأخيرة في كل رمضان.
الفشل في إدارة الصراع
فشلت القيادات والحركات الوطنية والإسلامية الفلسطينية في إدارة الصراع مع المحتل الصهيوني والمشروع الصهيوني الذي جاء في جوهره مستهدفا للأمة ونهضتها متخذا من فلسطين قاعدة لأعماله.
المركب الفلسطيني غرق في جانبيه غير أن هناك ما يمده بالحياة وهي العمليات الاستشهادية المباركة والتضحيات الشعبية الجليلة في مواجهة بني صهيون، ولكن من الواضح لاسيما بعد اقتحامات الأقصى أن الحالة الفلسطينية الشعبية الرائعة لا ولن ترقى لإنقاذ المركب إلا إذا استبدلت تلك القيادات وألقت بها وتجاوزتها.
إن بقاء القيادات الفلسطينية الحالية سواء الوطنية أم الإسلامية منها في صدارة المشهد الفلسطيني -باستثناء حالة الشيخ رائد صلاح -ينذر باتساع وتعميق الخلل لاسيما أنها تحافظ على الحالة الغثائية خلفها وتجيد سرقة مشاهد الخير وتوظيفها.
إن عذابات أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة غير مبررة في مواجهة العدو الصهيوني، بل هي عذابات نتيجة خيارات مختلة ومنحرفة وساقطة تستمتع بها القيادات الفلسطينية في الطرفين وهي صورة من الإجرام في حق الأمة ودمائها.
اتساع دائرة الخلل
لقد أسهمت الحالة القطرية كما مفهوم الدولة الوطنية المعتبر عند الحركات الإسلامية العاملة في المنطقة العربية والإسلامية باتساع دائرة الخلل في الحالة الفلسطينية وتركت تصيغ خياراتها بنفسها ولنفسها.
كما أسهم غياب الدور العلمائي العربي والإسلامي على سبيل النصح والتوجيه والالزام في المسار الفلسطيني -بعد أن اكتفى في معظمه بحالة التفاعل العاطفي مع مشاهد التضحية التي هي في حقيقتها تعبير عن رصيد الدين في شعوب المنطقة وخصوص شبابها وليس تعبيرا عن خيارات حركاتها- في تيه البوصلة والسكوت عن أخطائها وانزلاقاتها، وقد جاء هذا الموقف السلبي نتيجة لقصور في وعي عميق للساحة الفلسطينية والصراع مع العدو وحقيقة مشروعه وخططه، كما جاءت سلبية بعض العلماء نتيجة للعصبية الحزبية لبعض الحركات.
انحراف القطار الفلسطيني
إن القطار الفلسطيني خارج السكة الصحيحة المؤدية للنصر، كما أن الحديث المبالغ فيه حول نبوءة النصر يسهم في إتلاف العقول وصرفها عن النظر والمراجعة الواجبة كشرط لتحقيق النصر.
فلسطين اليوم بحاجة حقيقية وملحة للإنقاذ من خارجها فهي مأزومة من داخلها حيث تمكن العدو الإسرائيلي من قياداتها في الضفة، كما تمكن العدو الإيراني ملالي إيران من قيادتها في غزة.
إن البناء الحقيقي الذي يمكن أن يثمر في فلسطين بعد أحداث مراجعة عميقة يكون بالاعتماد على الخير الكامن في عموم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 بعيدا عن قيادات الحركات الفلسطينية الحالية سواء الوطنية أم الإسلامية التي أهم ما كان يعنيها في حراك القدس هو رفع أعلامها حتى تعتلي الأقصى المبارك رغم انه يعبر في كل جوانبه عن الدين والطهر ورسالة المعراج ولن تضيف له تلك الرايات إلا تلويثا ومزيدا من الفتنة.
رقعة الشطرنج
وبكلمة فإن المشهد الفلسطيني اليوم بجميع أطرافه وحركاته يقف على رقعة الشطرنج التي رسمها المحتل الإسرائيلي الغاصب ويجيد كيفية التعامل مع كل سيناريوهاتها المحتملة، بل إنه يغذي صورته من خلال إيقاعها المضطرب والعليل.
لا نهوض في المسار الفلسطيني دون تصويب البوصلة بعيدا عن قيادات الخلل الحالية التي يجب تجاوزها فأفضل من فيها مكبل لا يقوى على التغيير.
إن دور التغيير والتصويب في المسار الفلسطيني بحاجة لدور العلماء الجادين الواعين الغيورين ولأمتهم منحازين.
لا صلاح ولا إصلاح بدون صلاح العلماء واستقامة دورهم في توجيه رصيد الأمة وتضحياتها بشكل منظم تراكمي
يعيد بناء نفسه وكياناته وأطره مستعينا بالله منحازا لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنضبطا بأحكام الشرع التي بها ومعها يتحقق المقصود الشرعي والسليم.
والحمد لله.
- مضر أبو الهيجاء يكتب: الطاولة السداسية التركية توأم الجامعة العربية - الأثنين _22 _مايو _2023AH 22-5-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: الانتخابات التركية معركة هوية وليست مجرّد عملية سياسية! - السبت _6 _مايو _2023AH 6-5-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: غفلة الأمة - السبت _8 _أبريل _2023AH 8-4-2023AD