ما يجري اليوم في مسار بعض الحركات الإسلامية هو تلويث وتهديد حقيقي لمسار حركات التغيير الإسلامي.
إن حركات التغيير والإصلاح التي وإن أصابها كثير من الابتلاءات والمد والجزر في أعمالها ومشاريعها خلال قرن، لكنها لا تزال في مسارها العام تحافظ على ثوابتها وتصوراتها التي خطها علماء ومفسرون واصلاحيون قضوا على هذا الطريق دون تبديل ولا تحريف ولا استخذاء أمام الباطل ومشاريعه.
إن نموذج الحركة الإسلامية الجنوبية في فلسطين (الخط الأخضر، أو مدن الداخل الفلسطيني، أو أراضي الـ48) يشكل نموذجا نوعيا متقدما في هذا الانحراف والخلل والخروج عن ثوابت عموم المسار الإسلامي.
لابد من الوقوف مليا أمام أقوال وخطوات السيد منصور عباس الوريث الشرعي للشيخ عبدالله نمر درويش -رحمه الله وجعله في عليين- وهو الشيخ المؤسس للحركة الإسلامية في فلسطين التاريخية، وذلك قبل أن يخرج منها شريكه الشيخ رائد صلاح حفظه الله ليشكل الحركة الإسلامية الشمالية عام 1996م ، نتيجة قراءته للخلل القائم آنذاك في تبني الشيخ درويش للدخول في الكنيست والمشاركة بالعملية السياسية في ظل الاحتلال.
فهل بقيت الحركة الإسلامية الجنوبية عند حدود الخلل الذي ابتدأ مع الشيخ درويش؟ وهل بقي الخلل في هذا الجانب أم توسع في جوانب أخرى مست الحركة الإسلامية وحاضنتها في الداخل الفلسطيني؟ الداخل الفلسطيني يجيب!
والعبرة هنا بعموم ما يجري في مسار حركات التغيير والإصلاح الإسلامي، وليست بخصوص الحالة التي نتحدث عنها وهي الحركة الإسلامية الجنوبية.
إن غياب الموقف الجماعي العلمائي، الناضج في تصوراته، والشجاع في مواقفه، والنزيه في تخلصه من الانتماء القطري والتنظيمي، والناقد لجوانب الانحراف والخلل التي تصيب الحركات الإسلامية بسوية علمية شرعية وموضوعية واقعية، إن كل ما سبق من غياب هو سبب حقيقي ومؤثر في توسع زوايا الانحراف في عموم الأعمال الإسلامية، أو على العكس من ذلك إن توفر، أي بضبطها والمحافظة على سويتها وفاعليتها حتى لو لم يقدر الله لها أن تقطف الثمرات بأيديها.
إن الإسلاميين أمام تحد كبير وجديد يريد أن يحرف مسارات الحركات الإسلامية حتى تصبح المقولات والتصورات غير الإسلامية وحتى الشذوذ والمثلية واللقاء والعمل مع المحتل مبررا ومستساغا فيها .
ورغم وجود الخير المبشر على ألسنة ومواقف علماء لم يداهنوا في دينهم ولم يبخلوا بالنصح – كما أجرى الله الحق على لسان الشيخ الددو في موقفه الناقد والناصح لحركة حماس الإسلامية في عودتها الآثمة لنظام الأسد النصيري القابع في دمشق، وكما أجرى الله الحق على لسان الشيخ حارث الضاري رحمه الله في موقفه الناقد والناصح للحزب الإسلامي في العراق في سياق مشاركته السياسية في ظل الاحتلال-، فإن كل هذه المواقف وغيرها تبشر بخير لا يزال بين ظهراني هؤلاء العلماء ومن تبعهم، ولكنه لم يعد كافيا في صد الهجمات الشرسة التي تتوالى بأحجامها الكبيرة ومفعولها البركاني الذي بات يحرق الحركات والمجتمعات العربية والإسلامية متجاوزا مقولات أفراد العلماء المبجلين!
لابد من التفكير من جديد بأشكال وأنماط وأطر وأفكار وآليات ترقى لمواجهة تحديات المرحلة وهجماتها حتى تمر كما مر غيرها من قبل وبحفظ الله الأمة ودينها، وهو واجب الوقت لمن رزقه الله بصيرة وغيرة على الحق وأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
- مضر أبو الهيجاء يكتب: رسالة مفتوحة إلى ثوار الشام وأحرارها الأبرار - الخميس _16 _مارس _2023AH 16-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: عقم المعادلة الفلسطينية واضطراب مسارها - الأحد _5 _مارس _2023AH 5-3-2023AD
- مضر أبو الهيجاء يكتب: الإسلاميون الجدد بين التلويث والتهديد - الأحد _26 _فبراير _2023AH 26-2-2023AD