هذا المقال ليس خاصًا بالبنات؛ لكنه متعلق بتربية الأبناء عمومًا، وقد عنونته بذلك لمناسبة القصة التي سأبدأ بها.
لنا من جيراننا الأتراك أسرة متدينة (زوج يحرص على صلاة الجماعة، وزوجة محجبة تتعلم القرآن وبالطبع تحافظ على الصلاة) ولهم بنت كان عمرها أول معرفتنا بهم حوالي ١٢ سنة (نفس عمر ابنتي مريم وقتها، وكانت زميلتها في المدرسة).
وفي حين تبدو على البنت علامات البلوغ.. كان لبسها سيّئًا بدرجة ملفتة، فلما كانت زوجتي تنصح أمَّ البنت بضبطه (ولو بعض الشيء)؛ كانت الأم (المتدينة) تجيب بما معناه: البنت لسه صغيرة!!
فوجئت هذه الأيام ببنت تبدو في العشرين من عمرها متبرجة بشكل صارخ، ورأيت زوجتي تسلم عليها وتتكلم معها؛
فسألتها: مَن هذه؟
فقالت: فلانة بنت جيراننا، ألم تعرفها؟! فقلت: لا والله، بل ظننتها ساكنة جديدة، لأنها تظهر أكبر من عمرها الحقيقي!!
ثم حَكَتْ لي أنها تَرَكَت المدرسة واتجهت للعمل (كوافيرة) وأمها حزينة عليها جدًا، وتذكرنا كلمتها القديمة: البنت لسه صغيرة.
ومهما أكدنا على أننا غير مكلفين بهداية أبنائنا {إنك لا تهدي مَن أحببتَ ولكنّ الله يهدي من يشاء}
إلا أنه من المعلوم كذلك.. أننا مكلفون بشكر نعمة الولد، وذلك بالحفاظ عليه ومحاولة إنجائه (أوّلًا) من عذاب الله وعقابه.
ولو لم نفعل..
كنّا غاشين لرعيتنا، فقد قال تعالى: {قُوْا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة} وفي الحديث المتفق عليه: «ما من عَبْدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة».
قال القرطبي صاحب المفهم: (ما من عبد) لفظ عام في كل من كُلّف حفظ غيره؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»؛
فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، وهكذا الرجل في أهل بيته، والولد، والعبد.
والرعاية: الحفظ والصيانة، والغش: ضد النصيحة.
وحاصله: راجع إلى الزجر عن أن يضيع ما أمر بحفظه، وأن يقصر في ذلك مع التمكن من فعل ما يتعين عليه. اهـ.
لذلك ورد الأمر بتعليم الأبناء الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وضربهم عليها وهم أبناء عشر سنين.
وقد كان الصحابة في عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يصومون صبيانهم، حتى إذا بكى من الجوع.. أعطوه اللعبة ليتلهى بها (وهذا يدل على صِغَر السن).
وقد عَلَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله بن عباس حديث: “احفظ الله يحفظك” الشهير وهو غلام صغير.
كل هذا داخل إطار عام ضابطه التدرج والاتزان.
وغالبنا في شأن تربية الأبناء نقع في التطرف؛ فنكون فريقين (أو ثلاثة): فريق يقضيها مع أبنائه بالتضييق والإغلاق المستمر حتى يدمر نفسية ولده ويخرجه أشبه بالمنافق!!
وآخر يترك أبناءه بلا ضابط ولا رابط حتى ينفلت بالكلية وتستغرقه الشهوات حتى ينحرف بفعل أبيه!!
والحق هو التوسط بين الفريقين، بحيث ننشغل بأبنائنا أمرًا ونهيًا ونصحًا وتوجيهًا وتصحيحًا، دون أن نصل لدرجة الكبت والقمع والملل.
كما نفسح لهم المجال للانطلاق والتعرف على الحياة والتجربة للجديد مع ما يستلزمه ذلك من الوقوع في بعض الأخطاء، دون أن نتركهم للانحراف والفساد.
وهكذا في كل المجالات (فيما يتعلق بالدين والدراسة واللعب والمرح والرياضة والتغذية)
فريق ثالث
وثمة فريق ثالث يتعامل مع أبنائه بطريقة عاطفية غير متزنة!! لا يعرف متى يأمر وينهى، أو متى يثيب ويعاقب،
وما هي الأمور الكبيرة التي تستحق الوقوف معها والتركيز عليها، والأمور الصغيرة التي تُمَرَّر ويُتَجاوز عنها؛
وهذا إنسان يحتاج لضبط نفسه وتعليمها أولًا، فليس كل فعل مستفز يقتضي التجاوب معه، وإلا صار الكبير كالصغير الذي كلما حصل شيء لا يعجبه.. بكى!!
علمًا بأن الإنسان الانفعالي تسقط هيبته بسرعة في نفوس أبنائه؛ فلا يستجيبون بعد ذلك لأوامره ولا نصائحه مهما كان غضبه أو لون عقابه.
الخلاصة: نحتاج أن [[نقرر]] مع أنفسنا أن أبناءنا أمانة في أعناقنا، وأن حفظها أمر مفروض علينا، والتقصير في ذلك يقتضي العقاب من الله.
كما [[نقرر]] ألا يكون تعاطينا معهم بشكل عاطفيٍّ مجرد من العقل والتفكير.
ثم بعد ذلك نأخذ بكل الأسباب المتاحة لإخراجهم أسوياء منضبطين (نفسيًا وإيمانيًا وجسديًا وتعبديًا وأخلاقيًا وسلوكيا) مع البدء في علاج المشكلات في أول ظهورها.
والله من وراء القصد.
- مصطفى البدري يكتب: اثنان لا أستطيع السكوت عنهما - الأربعاء _18 _مايو _2022AH 18-5-2022AD
- مصطفى البدري يكتب: حول اغتيال شيرين أبو عاقلة - الجمعة _13 _مايو _2022AH 13-5-2022AD
- مصطفى البدري يكتب: صد العدوان على شهيد القرآن سيد قطب - الخميس _7 _أبريل _2022AH 7-4-2022AD