- مزوار محمد سعيد يكتب: الحياء في زمنٍ لا يستحيي من أحد - الخميس _29 _نوفمبر _2018AH 29-11-2018AD
- مزوار محمد سعيد يكتب: الملاحِم الكبرى - السبت _3 _نوفمبر _2018AH 3-11-2018AD
- مزوار محمد سعيد يكتب: خاشقجي يتبخر من مدينة الإسلام - الجمعة _5 _أكتوبر _2018AH 5-10-2018AD
نعود إلى البدء، ويعود الإنسان إلى البداية، حيث يهفو الروح إلى الابتداء، ويتصاعد النداء نحو البوادي رغبة من عمالقة السحيق في العودة، إلى النقطة الأولى، إلى الريع الأوّل، إلى الأوائل من أجل تجديد الأوليات، عبر التأويل من تحديد لمجال الويل من جهة، ولمكامن “النيْل” من جهات عديدة.
لم يُسمَح للإنسان أن يكون وحيدا، ولا أن يكون ضمن المجتمع، منع من الضفتيْن فراح يقاضي هؤلاء الظالمين على منصات محاكم التاريخ والفكر بشكل غير عادل، ما أغرب هذه الطبيعة التي تلبس البشرية بشكل متغطرس، حيث يوجد الفرد، وتتيه الجماهير، هو نقص يصيب عَجُزَ الفرد، فيغرق في الوحل الروحي بلا مقدمات! هي قصة نحكها عن تائه بين مرامي الحياة مستأنسا بما تحمله من نوايا وهدايا، فأما الأولى تطعم بها الغائر في الوجود حد التباكي على المفاهيم، بينما الثانية سحرت فؤاده لدرجة التباهي أمام الملأ بكل التعاليم، وهنا وقفت الأرواح غير مستبشرة، مكاشرة عن آخر صياح لآخر الذئاب. سلام الإنسان وهم، وأمنية الفرد حُلم، ومتاعب الأيام حِلم، وبين هذه المصبات تجري الأنهار بلغة الامتداد والمدد، هذا يجعل الفرد البشري أكثر قسوة في مقابل المرآة وأصالة الأشخاص، إنّ لكافة الكلمات غدق يغلف الأنفاس والانس بألوان مختلفة، وهذه الأناقة لا تظهر لأي كان، لكنها ترغب بالظهور وبكافة جلالتها عندما تجد شخصا شاخصا أمام كل المعاني، راسيا أمام موانئ العالم على خطى ذاك البطل الذي حاول أن يرتاح في مغارة “طنجة” فما ارتاح؟ متى انتصر الإنسان انهزم، ومتى كسب الفرد حُرِم، ومتى ابتسم العالم للبشر تحول الحظ في جيوبهم المخملية إلى جدران بالية، من مفارقات الحياة أنها تأخذ بشراهة وتعطي ببخل، ومن مفارقات الأماني أنها تهوى المغاني فتسقط في كافة المباهج ولا تبالي.
تسير..
والذكرى إلى جانبك مرغما، تحاول بشطف الأيام أن تقاوم أمرا ما بداخلك، يحثك على العودة إلى ذاتك وحدها وحيدا، لكنك تقاوم ذاك الشعور الأصيل، تعيد لنفسك المجاهدة الحق في العيش ببسالة وصلابة، وفي لحظة عزيزة للغاية، تجيز لكل الافراد قدحك بمختلف الصفات والمواصفات، ثم تهوي في بئركـ الخاص، بلا نور يضيء ملجأك الجديد، ولا فرصة تنير روحك، أنت بين الماء في جوف الارض، منسوبه يصل ركبتيْك، وهو يبلل أطراف ثوبك الأنيق، يذكرك الظلام الذي يحيط بك بمثواك الأخير، أو معبرك الأوّل، ويخز صوتك المرتد إليك في أشكال الصدى بتكرار الزمن وتجديد السراب، بينما عيونك المتطلعة لذاك النور الخافت البعيد في سمائك ما هي سوى أفكارك التي تصنع لك “المستقبل”.. هي حالتك الغريقة.
أن تريد ما تفعل هو خلاصُك..
من مناسبات الهيام بألغاز الثقافة والتفكير، الحاح الواهمين على التغيير، تناسوا أنه تصور لا تخلو من التشفي بدهاء الإنسان المشنوق بواقعه، فكم هي عجيبة حالة الإنسان الذي يتابع أوهام الآخرين مقدسا أوهامه الخاصة؛ الخلاص لا يدركه سوى عاقل يشعر بالكلمة واللحن والسؤال، هكذا صعدت آخر راهبات سبيطلة (Sbeïtla) لتغني بصوتها الهادئ عن ذاك المقاتل الناري الذي ألهبت سهامه التي أطلقها في السماء نيران كل نساء العالمين، ولم تنزل أبدا حتى بعدما تعبت من الغناء، فكان صوتها الابدي يأخذ من التحدي وجهه الملازم والبناء الذي يدفع الإنسانية نحو الاستسلام لتلك النار التي تسكن قلوب البشر، والذي يضطر الإنسان في أكثر من مناسبة لذرف الدموع حتى يتمكن من اخماد استعارها الهائج بلا حدود؛ في كل يقين هناك القليل من الثقوب التي تعيد الشك إلى مبادئ التوازن، فيتألف القليل من الاهتمام، لولا هذه العملية لكانت الحياة قد تصلبت منذ زمن بعيد، ثم استسلمت للشقوق، بعدها تنكسر بسهولة فيبقى الإنسان مشردا بلغة النبلاء.