عرض المركز “العربي واشنطن دي سي” للدراسات، في مقالة على صفحته، تطورات السياسة المصرية إزاي كل من السودان وليبيا.
وقال المركز إن التطورات السياسية الأخيرة في السودان وليبيا أثارت بعض التفاؤل بشأن حل محتمل للأزمات السياسية التي طال أمدها التي ابتليت بها كلا البلدين على مدى السنوات الماضية. ففي ديسمبر، دخلت القوات العسكرية والمدنية السودانية في اتفاق إطاري بهدف وضع حد للأزمة السياسية الجارية وتسهيل الانتقال إلى الحكم المدني. يمثل الاتفاق علامة بارزة نحو حل الانقلاب الذي حدث في 2021، والذي عطل العملية الانتقالية التي بدأت بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019.
وبالمثل، في ليبيا، يبدو أن هناك بصيص أمل على المدى الطويل، إذ ستجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية مرتقبة هذا العام. وفي يناير، توصل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشرى، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى توافق في الآراء بشأن خارطة طريق يمكن أن تمهد الطريق لإجراء الانتخابات نهاية 2023.
على الرغم من أن مصر ليست بعيدة عن هذه التطورات في كلا البلدين، إلا أنها تتمتع بنفس الوزن أو التأثير في كلتا الحالتين. ففي حين لعبت القاهرة دورًا رئيسيًا في تسهيل الاتفاق بين صالح والمشري في ليبيا، لم يكن لها تأثير يذكر على عملية الانتقال في السودان. كما أن محاولة مصر لاتباع سياسة من شأنها التأثير على التحولات السياسية في كلا البلدين، قد واجهت تحديات على أرض الواقع. ما زالت القوى المدنية السودانية حذرة من مشاركة مصر في العملية الانتقالية، بينما أدت الانقسامات الداخلية في ليبيا وتأثير الجهات الخارجية إلى تعقيد الوضع السياسي وقد تؤدي إلى دفع الانتخابات إلى وقت آخر غير مؤكد.
المرحلة الانتقالية المضطربة في السودان
بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير من السلطة في أبريل 2019، واجهت البلاد تحديات كبيرة لنقل السلطة إلى حكومة مدنية، كان الترتيب الأول لتقاسم السلطة بين الجيش والحكومة المدنية، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، قصير الأجل، إذ انتهى فجأة في أكتوبر 2021 بسبب انقلاب قاده اللواء عبد الفتاح البرهان. وأدى هذا إلى توقف العملية السياسية وإدخال البلاد في فترة متجددة من الفوضى وعدم اليقين، ومع ذلك، وعلى مدار أكثر من عام ونتيجة للضغط الدولي والإقليمي، لا سيما من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفاء وشركاء الأخيرة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا، تم التوصل إلى اتفاق بين القوات العسكرية والمدنية في ديسمبر من العام الماضي.
من المتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى تخلي الجيش عن السلطة وإقامة حكم مدني في غضون عامين من توقيع الاتفاق، كما نص الاتفاق على أن يتم اختيار رئيس وزراء جديد من قبل القوات المدنية خلال الفترة الانتقالية التي تبلغ عامين، حيث ستجرى الانتخابات في نهاية تلك الفترة.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب الاتفاقية دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، ووقف التدهور الاقتصادي في البلاد، والتأكيد على توحيد الجيش، واعتماد سياسة خارجية متوازنة تلبي مصالح الوطن.
ومع ذلك، هناك العديد من القضايا التي ما زالت تتطلب مزيدا من المفاوضات بين الجيش والقوى السياسية الأخرى، مثل الإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة الانتقالية، والعلاقة مع فلول النظام السابق، والسلام في شرق السودان.
السياسة الملتوية المصرية
على الرغم من أن مصر رحبت ظاهريا بالاتفاق الإطاري بين القوات العسكرية والمدنية في السودان وأعربت عن دعمها الكامل لها، كان تأثيرها محدودا على نتائجه. لم تفشل القاهرة فقط في لعب دور رئيسي في تسهيل توقيع الاتفاق بين الأطراف السودانية، بل قامت أيضا بمحاولات لتقويض تنفيذها وعرقلة تحقيقها.
في الواقع، منذ بداية الانتقال إلى حكم مدني في السودان، والسيسي يستشعر أنها ستشكل تهديدا للحدود الجنوبية لمصر، وبالتالي ليس متسغربا أنه دعم الجيش السوداني وحاول استمالة بعض القوى المدنية. علاوة على ذلك، وإدراكا للتأثير المحتمل للاتفاقية الإطارية على مصالح مصر في السودان، سعت حكومة السيسي إلى زرع الخلاف بين القوى السياسية السودانية، بالإضافة إلى تطوير إطار عمل بديل يمكن أن يتماشى بشكل أفضل مع مصالح القاهرة.
لذلك، وبعد شهر من توقيع الاتفاق الإطار، زار رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل الخرطوم، والتقى بالبرهان، وأجرى محادثات مع مختلف الفصائل المدنية.
واقترحت مصر مبادرة سياسية يمكن أن تجمع جميع الفصائل معا وتخلق حوارا يؤدي إلى “تسوية حقيقية ودائمة وشاملة”. وبينما رحبت بعض الفصائل المدنية بالمبادرة، رفضتها قوى الحرية والتغيير، القوى الرئيسة المؤيدة للديمقراطية في السودان.
اجتمعت هذه القوى في القاهرة في أوائل فبراير، ووقعت ما وصف بأنه “اتفاق سياسي متفق عليه بالإجماع”، من شأنه أن يساعد في “الانتقال إلى الديمقراطية ومعالجة الوضع في شرق السودان”.
تعرضت مبادرة القاهرة لانتقادات باعتبارها محاولة لتخريب الاتفاق الإطاري الذي اتفقت عليه مختلف الفصائل السياسية في السودان، وخلق عملية بديلة يمكن أن تتحكم في النتائج وتشكلها. أدى قلق القاهرة الكبير من عدم قبول أي انتقال سياسي في السودان لا يخدم مصالحها إلى حرصها على بقاء جنرالات الجيش السوداني في السلطة، وهذا يتماشى مع مصالح مصر في المنطقة وعلاقتها الطويلة مع المؤسسة العسكرية السودانية، لذل، ليس من المستغرب أن القاهرة لم تدن انقلاب البرهان عام 2021، وسعت لوقف أي ضغط دولي على المجلس العسكري السوداني للتخلي عن السلطة.
يضاف إلى ذلك، أن مصر تستشعر الخوف من أن يؤدي الانتقال الكامل إلى الحكم المدني في السودان إلى حكومة غير صديقة يمكن أن تخلق المشاكل على المدى الطويل، وهو ما يدفعها إلى الحفاظ على الوضع الراهن، وإلا فإن مصالح مصر ستكون على المحك، وأي تحول في المشهد السياسي لا يتماشى مع مصالحها سيعتبر تهديدا.
أخيرا، أضاف موقف مصر من قضية سد النهضة الإثيوبي بعدا آخر لاهتمامها بالتحول السياسي في السودان، فمصر بحاجة إلى حكومة يمكنها دعم موقفها بالكامل من هذه القضية والضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاق ملزم. لذلك، فإن أي تغيير في الحكومة في السودان قد يغير موقف البلاد من هذه القضية، سيكون له تداعيات خطيرة محتملة على الأمن القومي المصري.
الفوضى في ليبيا
كانت ليبيا غارقة في صراع أهلي طويل الأمد على مدار العقد الماضي، مع العديد من المحاولات الفاشلة لحل النزاع. وقد ساهم عدم قدرة الفصائل المتحاربة على التنازل والاتفاق على خارطة طريق السلام، إلى جانب عدم استعداد الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لبذل المزيد من الجهود المتضافرة لإنهاء الصراع، في استمرار عدم الاستقرار في البلاد.
وفي حين كان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا في ديسمبر 2021، أدت الخلافات حول الأساس الدستوري للانتخابات ووجود مرشحين مثيرين للجدل إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
ومع ذلك، شهد شهر يناير الماضي بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تؤدي إلى تحريك الجمود، فقد اتفق قادة مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة عقيلة صالح وخالد المشري على التوصل إلى “قاعدة دستورية” لتسوية سياسية في ليبيا، واتفق الزعيمان على أن تقوم لجنة مشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة الدستورية إلى المجلسين للمصادقة عليها، وفقا لقواعد كل مجلس.
وأعرب صالح والمشري عن دعمهما لوضع خارطة طريق واضحة لاستكمال الإجراءات اللازمة للعملية الانتخابية، بما في ذلك تنفيذ القوانين واللوائح ذات الصلة وتوحيد المؤسسات.
جرت المفاوضات التي أفضت إلى هذا الاتفاق في القاهرة، و بتيسير من السلطات المصرية التي التزمت بإنجاحها، والأهم من ذلك أن مجلس النواب برئاسة صالح أجرى عدة تعديلات على الوثيقة الدستورية تضمنت تسمية السلطة التشريعية بـ”مجلس الأمة” ويتكون من غرفتين، مجلس نواب في بنغازي، ومجلس القبائل في طرابلس، إضافة إلى سلطة تنفيذية برئاسة الرئيس المنتخب الذي يعين رئيس الوزراء.
على الرغم من الاتفاق الواضح بين صالح والمشري على غالبية مواد الوثيقة الدستورية، ما زالت هناك بعض القضايا المهمة التي لم يتم حلها بعد. وتتعلق هذه القضايا بعملية ترشيح الأفراد العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهي مواد ذات أهمية بالغة في الدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية، وتحديدا فيما يتعلق بالترشيح المحتمل للجنرال خليفة حفتر، الذي يحمل جنسية مزدوجة، ولكن يشار إلى أن المشري أكد خلال تصريح متلفز أنه في حال فشل المجلسين في التوصل إلى اتفاق بشأن المواد المتنازع عليها، فسيخضعان لاستفتاء شعبي. قد تكون هذه الآلية بمثابة وسيلة محتملة للتخفيف من الخلاف الحالين وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات.
إعادة وضع مصر على خريطة الصراع الليبي
لعبت مصر دورا حاسما في الاتفاق بين صالح والمشري. لم تكن القاهرة فقط مكانا للمفاوضات التي استمرت لأشهر بين الطرفين، بل ضغطت عليهما أيضا لتسوية خلافاتهما، والتوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات المقبلة. في السابق، دعمت مصر خليفة حفتر وأفعاله التخريبية في الصراع الليبي. ومع ذلك، فإن التغيير في السياسة نحو نهج أكثر عملية سمح بمزيد من الشمولية السياسية، وتعزيز علاقة إيجابية مع معظم الفصائل الليبية، وإعادة بناء سمعتها كوسيط موثوق به.
اكتسب موقع مصر الجديد في ليبيا ثقة الجهات الفاعلة الدولية مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا. علاوة على ذلك، ساعد التقارب بين مصر وتركيا على سد الفجوة بين الفصائل الليبية، وكلا البلدين يشتركان في الالتزام بحماية السيادة الإقليمية لليبيا، وتحقيق حل سلمي للنزاع المسلح المستمر.
يبدو أن كلا البلدين قد توصلا إلى نتيجة مفادها أن استقرار ليبيا سيحقق فوائد اقتصادية لكليهما. دور مصر المهم في تسهيل الاتفاق بين صالح والمشري يسلط الضوء على أهمية الدبلوماسية الفعالة في حل النزاعات. لم يسمح هذا التغيير في السياسة والنهج بعملية سياسية أكثر شمولا فحسب، بل ساعد أيضا في تخفيف حدة الخلافات بين الفصائل الليبية وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية.
في الواقع، سياسة مصر تجاه ليبيا مدفوعة بعدد من العوامل، ومن أهم هذه العوامل الحاجة إلى حماية أمنها واستقرارها، بالنظر إلى أنها تشترك في حدود طويلة تصل إلى 700 ميل مع ليبيا، ومنذ اندلاع الصراع الأهلي في ليبيا منذ أكثر من عقد من الزمان، كانت مصر حريصة على منع امتداد هذا الصراع إلى أراضيها، مما قد يشكل تحديات خطيرة لأمنها. العامل الثاني الذي يحفز المشاركة في تسوية النزاع، هو الفوائد الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن تتحقق جراء الاستقرار في ليبيا. تمثل ليبيا سوقا واسعة للبضائع المصرية والعمال الوافدين، ويمكن أن تساعد في تلبية احتياجات مصر المتزايدة من المنتجات النفطية. علاوة على ذلك، توفر احتياجات إعادة الإعمار وإعادة البناء في ليبيا فرصا كبيرة للشركات المصرية، لا سيما تلك التي يديرها الجيش. ثالثا، اجتذب الصراع في ليبيا العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يسعون إلى تعزيز مصالحهم الخاصة، وبدون دور مصري نشط في التوسط في الصراع، تخاطر القاهرة بفقدان نفوذها وتأثيرها على المدى الطويل. على هذا النحو، يمكن النظر إلى مشاركة مصر في المفاوضات على أنها جزء أساسي من مصالحها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة.
التحديات والمسار المستقبلي
على الرغم من الدور البناء الذي لعبته مصر في الصراع الليبي، يلوح في الأفق عدد من التحديات التي يمكن أن تعرض التقدم المحرز في الأشهر الأخيرة للخطر. أولا وقبل كل شيء، على الرغم من الاتفاق الأخير بين صالح والمشري، ما زالت هناك خلافات كبيرة بين الجانبين بشأن القوانين والإجراءات التي تحكم الانتخابات المقبلة، وما إذا كانت هذه القوانين ستسمح للأفراد العسكريين ومزدوجي الجنسية، بما في ذلك حفتر، بالترشح للانتخابات الرئاسية. وقد أقر المشري بأن هذا يمثل نقطة خلاف أساسية. علاوة على ذلك، يوجد انعدام ثقة عميق بين هذين الزعيمين ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة، الذي عارض علانية أي اتفاق بين صالح والمشري. واتهم المشري بدوره دبيبة بالمسؤولية عن عدم إجراء الانتخابات.
العقبة الثانية هي العلاقة المتوترة بين القاهرة والدبيبة، والتي تفاقمت أكثر بسبب دعم القاهرة للحكومة المنافسة بقيادة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، والتي تشكلت منذ أكثر من عام ومقرها شرق ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، تشعر مصر بالقلق من علاقة دبيبة مع تركيا، والتي تعززت في العامين الماضيين. أخيرًا، يشكل وجود القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا مصدر قلق كبير لمصر، فضلاً عن الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى. أصبحت ليبيا أرضا خصبة لمختلف الجماعات المسلحة والمرتزقة من دول مثل تشاد والسودان والنيجر، بالإضافة إلى المرتزقة السوريين والروس. على الرغم من المحاولات المتكررة والضغوط الدولية لإخراج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا، لم يتم إحراز تقدم يذكر.
واختتم المقال التحليلي رؤيته بملخص لتعامل مصر مع الملفين السوداني والليبي، يتمثل في أن نهج مصر تجاه النزاعات الجارية في السودان وليبيا قد تأثر بمجموعة معقدة من العوامل، بما في ذلك حساب مصالحها الوطنية وطبيعة علاقاتها مع الأطراف المعنية. كما يتضح من مشاركتها الأخيرة في ليبيا، تمكنت مصر من لعب دور بناء في المساهمة في حل النزاع، على الرغم من وجود عقبات كبيرة. في المقابل، اتسم نهج مصر تجاه الصراع في السودان بالقيود والعقبات التي حدت من قدرتها على لعب دور بناء. أدى انعدام الثقة بين مصر والقوى الثورية في السودان، التي كانت تسعى للإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، إلى تقويض نفوذ مصر وقدرتها على المساهمة بشكل هادف في عملية النزاع. وقد تفاقم هذا بسبب تصور القوى الثورية أن مصر كانت متحالفة مع النظام السابق، ما أدى إلى تدهور علاقات مصر مع القوى الثورية الفاعلة.
- مركز أبحاث أمريكي يطالب أمريكا بالتدخل لتفكيك “الميليشيات” في لبنان - السبت _25 _مارس _2023AH 25-3-2023AD
- مركز أبحاث ألماني: الملفات الإقليمية تعيق “تطبيع” العلاقات المصرية التركية - السبت _25 _مارس _2023AH 25-3-2023AD
- صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد الإندونيسي بنسبة 5% - الجمعة _24 _مارس _2023AH 24-3-2023AD