نشرت المجلة البحثية كلنجينديل، الصادرة عن معهد كلنجينديل الهولندي، بحثا عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر في الوقت الراهن،
في ظل استمرار اعتمادها على قروض صندوق النقد الدولي الذي لطالما اشترط اتخاذ الدولة المصرية تدابير اقتصادية قاسية، للموافقة على منح القروض.
وجه العالم أنظاره إلى مدينة شرم الشيخ المصرية التي استضافت قمة المناخ في نوفمبر 2022، وبينما سعت حكومة السيسي للترويج لمصر مقصدا سياحيًا واستثماريا،
تصاعدت الانتقادات عن استخدام الحكومة المصرية لسياسية غسيل الأيدي، والتغطية على سجلها المخزِ في حقوق الإنسان.
رفْع حالة الطوارئ، وإطلاق حوار وطني
وفي محاولة لدرء هذه الاتهامات، رفع السيسي حالة الطوارئ، وأطلق حوارًا وطنيًا مع المعارضة، وأصدر عفوًا عن مئات المحبوسين السياسيين.
وعلى الرغم من هذه المبادرات، لا يخفى على أحد أن آلاف المعتقلين السياسيين ما زالوا خلف القضبان،
وتواجه المنظمات غير الحكومية مضايقات من الحكومة. وما أثار الشكوك في فاعلية المبادرات، عدم حدوث أي تغييرات جوهرية.
وفي ظل هذه الأوضاع، يواجه السيسي حاجة لتقديم المزيد من التنازلات للمجتمع الدولي للحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، بعد الصفقة التي أبرمها مؤخرًا.
ليس لدى القاهرة الكثير من البدائل عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات، إذا كانت ترغب في الحفاظ على استقرارها الاقتصادي،
إذ أن دعم صندوق النقد الدولي ضروري لمواجهة تدهور سعر صرف الجنيه، وتجنب أزمة الديون المتفاقمة،
وإصلاح وضعها الاقتصادي الذي تعرض لضربة جراء أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
وتطرق البحث إلى احتمالية أن يحدث نفوذ صندوق النقد الدولي في ظل الأزمة المالية في مصر، مسارًا ضيقًا
لتحقيق إصلاحات تدريجية في وضع الحوكمة في مصر، في ظل استمرار نظام الحكم الاستبدادي.
إجراءات أكثر صرامة لمواجهة الفساد
يتعلق الأمر بمدى استعداد صندوق النقد الدولي للمطالبة بإجراءات أكثر صرامة لمواجهة الفساد
وتحجيم دور الجيش المسيطر في الاقتصاد. الصفقة الأخيرة المبرمة بين الطرفين،
التي نشرت تفاصيلها في 10 يناير 2023، تكشف عن أن مثل هذه الإجراءات قابلة للتحقق، على الأقل على الورق، ولكن التحدي يكمن في تنفيذها.
ومن المعروف أن هذه الإصلاحات سيحدث على المدى الطويل،
إذ أن صندوق النقد الدولي يميل إلى التلكؤ في التنفيذ مقارنة بما نص عليه العقد،
ومع ذلك، فإن الحد من الفساد والنفوذ العسكري في الاقتصاد أمران ضروريان لتجنب إهدار أموال دافعي الضرائب الدوليين وتقليل التبعية الخارجية طويلة الأجل للاقتصاد المصري.
الاقتصاد المصري وإدمان التمويل الأجنبي
يواجه الاقتصاد المصري أزمة عاصفة، وتلوح الأزمات الاقتصادية في الأفق، ففي سبتمبر سجل البنك المركزي معدل تضخم بلغ 15%.
وقفز سعر الدولار مقابل الجنيه من 15.70 في يناير 2022 إلى 29.80 في نهاية يناير 2023. وتنامى العجز في الموازنة العامة ليصل إلى 6.1%،
فيما وصل الدين العالمي من 39.62 مليار دولار في 2014 إلى 160 مليار دولار اليوم، ومن المتوقع أن يصل إلى 260 مليار دولار في 2024.
وتتنامى الظنون حول قدرة مصر على سداد الديون، ما جعل الجهات المانحة تفرض عليها أعلى سعر فائدة في العالم.
وتتم خدمة الدين الخارجي المصري عن طريق مزيج من طرح سندات في الأسواق المالية الدولية،
واللجوء لقروض من صندوق النقد الدولي، لتصبح مصر العميل الأكثر لجوءا إلى صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين،
ويضاف إلى ذلك ما تقدمه دول الخليج من استثمارات تبلغ 22 مليار دولار في السنوات المقبلة. ويبدو أن القروض الجديدة تنفق لسداد الديون الحالية وفوائدها.
القروض والظروف والجهود المسبقة
تعمل المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، على تأمين الاستقرار المالي العالمي وتعزيز التعاون النقدي.
في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي الحاجة إلى قروض صندوق النقد الدولي في دول مثل مصر إلى تحفيز الإصلاحات الاقتصادية المحلية التي تعمل أيضًا على تحسين الحوكمة.
بشكل عام، تشير الأبحاث إلى أن النفوذ المالي للمؤسسات المالية الدولية يمنحها “قدرة محدودة”
للضغط من أجل إحداث إصلاحات سياسية في الدول الاستبدادية عندما تحتاج الحكومة إلى أموال أجنبية للبقاء على قيد الحياة،
مثال على ذلك ما قام به الحاكم الكونغولي ساسو نجيسو الذي قلص انتهاكات حقوق الإنسان وسمح بمراجعة حسابات شركته النفطية في ما بين 2006 و2010،
ليصبح مؤهلا للإعفاء من سداد ديون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومع ذلك، حدثت ردة بمجرد انتهاء الأزمة المالية.
في كلتا الحالتين، عندما تصبح القروض الأجنبية لا غني عنها للحكومات، يمكن للمستثمرين والمانحين الأجانب المطالبة بإجراءات إصلاحية تتجاوز مجال الاقتصاد، مثل تحسين المساءلة والحد من الفساد.
أول حزمة قروض
ومع ذلك، فإن أول حزمة قروض قدمها صندوق النقد الدولي لحكومة السيسي في عامي 2016و2020،
لم تتضمن سوى مطالب تتعلق بتحرير سعر الصرف وخفض الدعم الحكومي، ساهم هذا في نتائج اقتصادية متنوعة،
فقد ساعد في تحقيق نمو ثابت للناتج المحلي الإجمالي بعد عام 2016،
في المقابل، ساء أداء مصر الاقتصادي في العديد من المؤشرات الأخرى، مثل معدل المشاركة في القوى العاملة.
بشكل عام، لم تتم معالجة التحديات الاقتصادية الأعمق التي تشكل جذور الأزمات الاقتصادية،
فقد استمر الفساد والدور المهيمن للجيش في الاقتصاد في إعاقة الأداء الاقتصادي لمصر والحد من فاعلية قروض صندوق النقد الدولي.
وفي 27 أكتوبر 2022، توصل صندوق النقد الدولي والقاهرة إلى اتفاق بشأن حزمة قروض رابعة من خلال تسهيلات موسعة يقدمها الصندوق،
ومنح الحكومة المصرية قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار، فيما كان المبلغ المطلوب 12 مليار دولار،
ولكنه لم يقدم لعدم اتفاق الطرفين على عدد من الشروط، تشمل تقليص دور الجيش في الاقتصاد.
ومع ذلك، أدى الاتفاق إلى التزام مصر بإجراءات للحد من دور الجيش الاقتصادي، مثل تقليل المزايا التجارية للشركات المملوكة للدولة التابعة للجيش.
فرص المفاوضين في 2021
ومن المتوقع وفق اتفاقية صندوق النقد الدولي، تقديم قرض إضافي بقيمة 6 مليارات دولار عبر عدة جهات مانحة في 2023، بالإضافة إلى أقساط أولية تبلغ 3 مليارات دولار.
تتيح إمكانية تقديم قروض جديدة دفع إصلاحات الحوكمة والقضاء على الفساد كشرط إضافي لمنح القروض، وهو الشرط الذي يعالج جذور الأزمة الاقتصادية،
وتتماشى الظروف الحالية مع تحقيق هذا الشرط لأن قروض صندوق النقد الدولي الأخيرة ليست كافية على الأرجح.
ومن المتوقع أن يستمر الجنيه المصري في الانخفاض وأن ترتفع الأسعار، ما يخلق مشكلة في ميزان المدفوعات للاقتصاد المصري المعتمد على الاستيراد.
ونتيجة لذلك، صنفت وكالة فيتش للتصنيف مؤخرا مصر تصنيفا سيئا فيما يخص النظرة المستقبلية للاقتصاد، بعد أن كان تصنيف مصر مستقرًا.
يمكن للحكومات الغربية التي تمارس سلطة كبيرة في صنع القرار في صندوق النقد الدولي من خلال نظامها القائم على المحاصصة أن تطالب بالعديد من الإصلاحات مع وضع ذلك في الاعتبار.
يتمثل أول شيء في العمل على تشديد إجراءات مكافحة الفساد والمطالبة بمزيد من الشفافية. ومثل هذا حدث بالفعل في عام 2020،
عندما أجبر صندوق النقد الدولي القاهرة على نشر جميع نفقاتها المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا،
وخطط المشتريات والعقود التي منحتها أيضًا، باعتباره شرطا مدرج في اتفاقيتها مع صندوق النقد الدولي.
كما وعدت مصر بإدراج الشركات المملوكة للدولة التابعة للجيش في قائمة الكيانات الحكومية التي تنشر تقارير الإنفاق السنوية.
خلال الجولة التالية،
يمكن لصندوق النقد الدولي أن يأخذ هذا الأمر إلى أبعد من ذلك ويطالب بالشفافية الكاملة حول كيفية إنفاق دولاراته،
ويطالب بآليات المساءلة وكذلك هيئات الرقابة لضمان الإنفاق الفعال.
على أرض الواقع، قد يعني هذا إنشاء سجل عام على الإنترنت يتتبع النفقات من لحظة التحويل إلى النقطة التي يتم عندها إنتاج المخرجات.
قد يكون هذا أيضًا أداة مفيدة في مواجهة المقاومة العسكرية أو السياسية لتنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي.
واختتم البحث بعرض الخطوة الثانية التي يمكن أن يفرضها صندوق النقد الدولي، ألا وهي المطالبة بتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، وهو شرط مشروع،
لأن التدخل المكثف للجيش يقوض جدوى وفاعلية برامج إصلاح صندوق النقد الدولي،
في حين كان الأخير يتجاهل المكانة المتميزة للجيش داخل الاقتصاد المصري.
وفي العرض الأخير لاتفاقية صندوق النقد الدولي مع مصر في يوليو 2021،
إشارة إلى ضرورة إدراج الشركات المملوكة للدولة التابعة للجيش في خطط إصلاح القطاع العام، وهو ما وافقت عليه الحكومة.
ومؤخرا، ألغيت إعفاءات الشركات التابعة للجيش من الضرائب والأنظمة المالية وعمليات التفتيش، ويمكن أن تبدأ مثل هذه التغييرات في استعادة التوازن بين القطاعين الخاص والعام.
ويرى التقرير أن المؤسسة العسكرية ستقاوم هذه الإجراءات،
ولكن إصرار المانحين مع صندوق النقد الدولي على الوقوف بحزم أمام تدخلات الجيش الاقتصادية، لأمر ضروري، يضاف إليها المراقبة الصارمة لتنفيذ هذه الشروط.
- تعديل شروط الهجرة في ألمانيا لمواجهة نقص العمالة - الخميس _30 _مارس _2023AH 30-3-2023AD
- مركز أبحاث بريطاني: اقتصاد جنوبي ليبيا يقوم على التهريب - الخميس _30 _مارس _2023AH 30-3-2023AD
- مركز أبحاث بريطاني: القمح والحرب يعززان التعاون السوري الروسي - الأربعاء _29 _مارس _2023AH 29-3-2023AD