بعد ان تصدعت العلاقات السنية الشيعية داخل اروقة السياسة لسنين وامتدت الى المكون الاجتماعي، وبعد ان استغل المكون الكردي ذلك التصدع لينفذ من خلاله ويتحصل على جل احلامه ومطالبه، ها هو المشهد يتبلور بسيناريو عكسي ، لم يكن اشد المتفائلين او المتشائمين من كلا الطرفين يتوقعه يوما. بعد ان دفع استفتاء كردستان الى عودة اللحمة للقومية العربية.
و يؤسفني ان اتحدث بلهجة طائفية غير مرغوب فيها ، الا ان الواقع التحليلي وقراءة المشهد العراقي تفرض علي ذلك ، فبعد ان سالت الدماء الجنوبية في المناطق الغربية واختلطت دماء ابناء الوسط بدماء ابناء الغربية في الجيش و الحشد العشائري و… من اجل تحريرهم من عصابات داعش ، واستقتال المكون الشيعي من اجل انتزاع كركوك والمناطق المتنازع عليها من الحليف الكردي ، والذي شبه هذا الحلف من بعض القيادات الشيعية يوما بـ(الزواج الكاثوليكي) ، ها هي الفرصة التاريخية مؤاتية امام المكون السني لاثبات حسن النوايا ، او لاستعادة الثقة المفقودة مع ابناء قوميتهم، والتي تخلف عنها الطرفان منذ عقد ونيف من الزمن ، فان اليوم بات لزاما على المكون السني واستثني بذلك القابعين في فنادق اربيل ان يعوا حجم وخطورة تفويت الفرصة وفقدان الثقة مرة اخرى عبر الاصرار على تأجيل الانتخابات وعدم التناغم ورغبة اقرار الموازنة وغيرها من النقاط المختلف عليها ، واعطاء الفرصة لرجوع الكرد لمسك خيوط اللعبة السياسية من جديد كما يسعى له بعض النواب .
ان معظم الحركات والاحزاب الشيعية بدورها لن تبقى على موقفها المناوئ للكرد اذا ما احست بان مكاسبها السياسية في خطر ، نتيجة تخلي السنة عنهم او ولادة تحالفات جديدة خلف الكواليس مع الكرد ، حينها ستعيد هذه القوى حساباتها من جديد لتخضع اجنداتها الى مزايدات سياسية كما كانت تفعل حكومة المالكي وعلاوي مسبقا ، وهذا ما ينتظره البارزاني الذي يحاول اللعب على اخطاء الآخرين .
لذلك على القوى السنية ان تعمل على تثبيت الموقف الشيعي الوطني عبر سياسات مدروسة بعيدة عن الصدام والتشنج والعودة الى الدائرة القومية كما كان الكرد قبيل الاستفتاء، اذا ما ارادت فرض سياسة الامر الواقع في عملية استعادة المناطق المتنازع عليها ، وبخلاف ذلك فسيكون مكونهم هو الخاسر الاكبر في المرحلة القادمة.