الأمة| يعاني قسم كبير من سكان العراق من ظاهرة النزوح القسري منذ سنوات، وبات هناك جيل يعيش في بيئة غير التي تنتمي إليها عشيرته، وأسباب ذلك عديدة، كتعدد أسباب الاضطرابات الحادة التي يعاني منها العراق منذ عقدين من الزمان.
في الحوار التالي توجهنا بأسئلتنا إلى رئيس الهيئة العراقية للإغاثة مكي النزال، حول مسببات ظاهرة النزوح في العراق، وعلاج هذه الأزمة.
السيد مكي النزال، هو شاعر وكاتب وصحافي عراقي، نشَطَ في السياسة والإغاثة، ورئيس الهيئة العراقية للإغاثة، ومقرها عمان في الأردن.
وفيما يلي نص الحوار:
لماذا العراق بلد فيه عدد ضخم من النازحين على الدوام؟
بادئ ذي بدء نقول إن تسمية (نازحين) ليست دقيقة والمسمى الصحيح هو أنهم (مهجرون قسرًا) من دورهم ومدنهم وقراهم.
السبب الرئيس لكثرة أعداد المهجرين قسرًا في العراق هو سبب سياسي يتعلق بالتغيير الديموغرافي للعراق وكانت بدايته أول أيام احتلال أمريكا ومن معها للعراق عام 2003، فطيران الاحتلال وقطعاته البرية دمرت الكثير من المنازل، ومن لم يُقتل اضطر للنزوح إلى أماكن أخرى. ولأن الفقر عم البلاد كان من المستحيل أن يجد المشردون أماكن للسكن فلجأوا إلى البنايات غير المكتملة وبيوت الصفيح والطين المهجورة مما شكل أول نواة لأزمة التهجير القسري.
هناك تضارب كبير بالأعداد المعلنة، ما هو الرقم الحقيقي للنازحين العراقيين؟
مع تفاقم الأوضاع الأمنية في العراق بسبب قوات الاحتلال ومن وظفتهم لقمع العراقيين بمسمى “حكومة عراقية” و”قوات أمنية” تفاقمت أزمة التهجير هي الأخرى وتزايدت الأعداد من مئات العائلات إلى آلاف، ثم تجاوز إلى الملايين، معظمهم هربوا إلى خارج البلاد موزعين على دول عديدة أهمها تركيا التي يلجأ لها قرابة مليون ونصف المليون عراقي وكذلك الأردن وسوريا والإمارات العربية المتحدة ومصر، إضافة لمئات الآلاف الذين حصلوا على لجوء عن طريقين أحدهما هجرة شرعية والأخرى هجرة التهريب، والتي قضى فيها العديد من العراقيين نحبهم غرقًا. ويمكن القول إن ربع الشعب -10 ملايين- العراقي مهجرون خارجيًا وداخليًا.
وفق مركز تنسيق الأزمات في كردستان: يبلغ عدد النازحين في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي نحو مليون عراقي (490،092 نسمة).
كيف تصفون أوضاع الأسر المهجرة في العراق؟
حصلت أكبر عمليات التهجير القسري في المدن التي قاومت الاحتلال كمدينة الفلوجة في الأنبار وجرف الصخر في محافظة بابل ومدن في محافظة ديالى وشمال بغداد وجنوبها، ثم أدخلت تنظيمات إرهابية لتؤسس مقابلها تنظيمات إرهابية أخرى فتتقاتل فيما بينها –منذ عام 2014- وتكون النتيجة تهجيرًا قسريًّا جماعياً لسكان هذه المدن والمناطق الكثيرة، وفي هذه المرحلة تأسست مخيمات المهجرين وتوسعت وكثر عددها، فكانت أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث لم يشهد العراق لها شبيهًا.
تتوزع مخيمات المهجرين في مناطق مختلفة من العراق وأكبرها تلك التي أقيمت في كردستان العراق ومحافظة الأنبار وهي تتكون من خيم بالية بائسة تنقصها أبسط مقومات الحياة.
لماذا يفضل قسم كبير من النازحين عدم العودة لمناطقهم، وبطيء عودة النازحين عموما؟
سر عدم الرغبة في العودة، هو ان بعض سكان المخيمات لا يستطيعون العودة أساسا لأنهم ممنوعون من ذلك، لأن أحد افراد العائلة متهم بمادة (4 إرهاب) الظالمة الفضفاضة، بينما آخرون لا يستطيعون العودة لأن بيوتهم دُمرت أو استولت عليها المجاميع المسيطرة في العراق.
بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس وتش: بحلول سبتمبر/أيلول 2022، وجدت 7منظمات إغاثة أنه بعد ما يقرب من خمس سنوات على إعلان الحكومة الانتصار على “داعش”، لا زال نحو مليون عراقي – ممن نزحوا بسبب استيلاء المليشيات على مساحات من الأراضي العراقية والمعركة لاستعادتها غير قادرين على الحصول على الوثائق المدنية الأساسية، بما في ذلك شهادات الميلاد والزواج والوفاة، بالإضافة إلى بطاقة الهوية الوطنية.
ما هو علاج ظاهرة النزوح في العراق؟
علاج المشكلة يكمن في الحل الجذري لعموم الوضع في العراق، فما دامت الطائفية تحكم البلد فلا يمكن أن يستقر أحد في بيته ومدينته هو مهدد بالقتل والتهجير والاعتقال، ولعل ما حصل في ديالى قبل أيام دليل كاف على استحالة الحل فلقد قامت مليشيات معروفة تابعة للحكومة وقواتها المسلحة بقتل مواطنين آمنين في ديالى (التي عانت وتعاني القتل والتهجير منذ 20 سنة)، ويعرف العراقيون أن الغرض من هذه الاعتداءات هو ترهيب المواطنين ثم تهجيرهم وفق السياقات التي سادت وصارت شبه روتينية في العراق.
وإن فتشنا عن حلول آنيّة فيمكن أن توفر السلطة مساكن آمنة – وإن كانت بسيطة – للمهجرين أو أن تعوضهم عن منازلهم التي دمرتها قواتها، وتضمن لهم العيش الآمن الكريم، والعراق بلد ثري يمكن أن يغني مواطنيه عن طلب المساعدة من هنا وهناك لولا أن الفساد ينخر ميزانيته.