- جحا الحكيم - الجمعة _8 _يناير _2021AH 8-1-2021AD
- اكذِب ثُم اكذِب - الجمعة _9 _أكتوبر _2020AH 9-10-2020AD
- محمود الجاف يكتب: الكاظمي والمصباح السحري - السبت _26 _سبتمبر _2020AH 26-9-2020AD
جُموع غفيرة تُرددُ الصَلوات أمام صُورَة السَّيد الكاظمي طَلبًا للبركَة والتوفيق قبل البدء في مِهرجان الهَرولة خلفَ السُرّاق. كما فعلوا مع المالكي والعبادي وأبو العدس. فرحين بأنه سيلقي القبض على اللصوص ويُبدلُ ويُعدل ويدَّعون انهُ في أعماق الجريمة يغوص. ويتناقلون الأخبار والإشاعات ويقولون إن رجال جهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني خلف الباب والمُخابرات هي الآن تذلل الصعاب وتُحدد الأسباب وسيكمل كل شيء قبل أن تنطلق الحُشود الهائجة إلى حلبة المُصارعة الرئيسية في قاعة (الانتخابات) نعم هي ليست انتخابات فخلفَ كَواليسها يَعلو أنين المُعتقلات ودماء الشهداء التي تفور في القبور حزنًا على حال الأمة وما نراه من الويل والثبور..
من بين آلاف المُعتقلين مازلت اسمع نحيب الأستاذ الجامعي الذي نُودي عليه مساءاً وعصبوا عينيه وقيدوا يديه وأخذه الجلاد إلى التحقيق. كان صامتا لكنَ دموعهُ تتكلم. وبعد قليل سمعنا صراخه وهو يقول: اقتلوني اقتلوني وهم يضحكون. ثم: إنهم يتحسسون مُؤخرتي. كلا. كلا أنا رجل شريف تخرجت على يديَّ أجيال. وأخذ صراخه يعلوا ولكن بشكل مختلف ولما عادوا به كان ميتاً غير أن قلبه ينبض. مزقوا روحه وجسدهُ من التعذيب وعندما عاد إلى الحياة كان أول ما قاله (أجبروني على أن أقول أن بناتي عاهرات) كرر هذه الجملة عشرات المرات. بل مئات وهو ينظر في عيوننا ويبكي ويُردد (بناتي عاهرات؟) لكن بعد أن تبول على نفسه عرفنا انه فقد عقله.
وفي اليوم التالي جيء بوجبة جديدة. بينهُم شابٌ وسيم لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره وهيئته تدل على انه من عائلة راقية وتُهمته حماية المسجد (نعم حماية المسجد وليس الملهى الليلي فلا تتعجبوا) عندما رأى الأستاذ الذي فقد عقله وآثار التعذيب على أجسادنا انتابهُ خوفٌ شديد. حاولنا تهدئته لكن دون جدوى. وعندما حل المساء نادوا على اسمه فبكى ونحن نقول له: الله يصبرك. كان يرتجف ونحن نبكي كالأطفال. شدوا وثاقه واقتادوه. أغمضت عيني وأغلقت أذني حتى لا اسمع صراخهُ المَمزوج بألم انتزاع الأرواح. ولما عاد كان يبكي بحُرقة وبقي هكذا حتى رأيت آثار الدماء على سرواله. شعرت بالدوار وحاولت أن أمحو الصورة والاستنتاج من مُخيلتي لكنهُ قال: سألني المُحقق هل أنت باكر؟ لم أفهم ماذا يقصد إلا بعد أن ربطوني على السرير وسحبوا سروالي وبدأوا باغتصابي. لم استطع أن أواسيه فبعد أن كان يغفو في حضن أمه هو الآن ينام في وكر الأفاعي.
هل سيأخذ الكاظمي حقوق هؤلاء؟
ألا يدري ما جرى ويجري حتى الآن للنساء؟
ألا يعلم بذلك السياسي الذي يقف خَلف الحَواجز المُحصَّنَة والجماهير المُستأجرة تُهرول أمامهُ في فضاء الدم قراطية.. ألم يكن يدري؟
عندما كنت أمشي يوما على غير هدى جالَ بَصري في ذلكَ الطَريق الذي بدا وكأنهُ ساحةُ حرب وإذا بيَ أرى صحيفة مُلقاة على الأرض التي كانت تعجُ بالجَهلَة وعلى صفحتها الرئيسية صورة الناعور. تذكرت حالنا الذي يشبه معاناة ذلك الحيوان الذي وضع الأمريكي على ظهره الخشبة وأغمض عينيه الصفوي بخرقة خضراء حتى يقوده إلى حيثُ يُريد. كالعَبيد.. وسيبقى يلف ويلف ويدور ويعود من حيث انطلق وعندما تنتهي حياته سيجد نفسه في ذات المكان الذي بدأ منه مشواره.
في صغرنا كانوا يخيفونا بما يسمى (الطنطل) قالوا انه يغير شكلهُ وجسدهُ كل حين . ولما كبرنا تبين انهُ لا وجود له ولكنني رأيته في فكر الخميني. لأني لم أجد في حياتي أحدا يُغير شكلهُ ومبادئهُ ودينهُ ورأيهُ وفتاويه حسب الحاجة والمصلحة بسرعة مثله واتباعه.. يقتل القتيل ويمشي في جنازته. بل ويبكي عليه أكثر من أهله وذويه. فلا يخدعوكم لأنهم الآن يحاولون إخفاء أو قطع بعض الأذرع الغير مُهمة والانكماش إلى داخل العمق الإيراني فالتنازل عن العملاء امر طبيعي فلا قيمة لهم.
إن ما جرى في العراق وسوريا واليمن وسيجري في المملكة العربية السعودية ليس لفرد وتعتقدون أنهُ سيسكت. بل لشعب، والمصيبة أنه رآكم تخرسون والكل يدري فكيف بالملايين. نعم الملايين الذين هُجروا وهاجروا وتركوا ديارهم ودفعوا أغلى ما يملكون ثمن الحياة والحرية والجوع . اضطروا إلى وإلى وإلى. والله اعلم ما الذي سيخسرونه بعد؟
رأيت سيدة أربعينية بجوار السوبر ماركت يوما تجمع الطماطم من حاوية النفايات في تركيا. كيف ستنسى هذه أو ولدها أو زوجها أو أهلها؟ وحتى أنا كلما تذكرتها تمزقت أحشائي وأخرى في كراج السيارات تدخن السيجارة وهي تنتظر ذئباً بشريا تعطيهُ تاريخنا وكبرياءنا وشرفنا. كيف ستأخذون حقها وما ذنبها ومن الذي كان السبب؟
هل تعتقدون أن العراق مازال حياً؟ وهل ما زلنا إخوان سنة وشيعة؟
وهل مازلنا هتا هتا هتاية.. كورد وعرب برأيه (تعني الكورد والعرب أخوة لأبد الآبدين)
ما هو عدد الذين سُلبت منهم بيوتهم ووظائفهم وأفقروا وقتل أبنائهم أو غيبوا ولا احد يعلم حتى أين جثثهم؟
كم حرة اغتصبت وسرقوا منها أحلامها وكم.. وكم.. وكم؟.. كم جثة تغطيها رمال الأنهار والمزابل؟ هل سنصحو من هذا الحلم في وقت قريب؟.. وكم دمية ستحكمنا حتى يفهم الشعب هذه اللعبة ويعرف ما يريد ويكسر القيود ويُحطم الحديد؟
متى تفهموا انه لا يوجد غير طريق واحد ستلجئون إليه رغم أنوفكم. أو انتظروا المصباح السحري الذي يأتينا بالأمل الذي فقدناه والعقول التي تفهم الحقيقة وتقرأ الطريق الذي يُؤدي إلى الحرية.. ستكتشفون قريبا أن حالكم يُشبه الناعور بالضبط لأنكم ستجدون أن العراق سيحكمه رؤساء بدل رئيس وان القادم أيضا منهم وان الكاظمي سيخرج غير نادم.. وعندها ستندبون حظكم وتحرضون بعضكم على الثورة أو تتحملون الأيام المرة. ولكن بعد أن فات القطار وهكذا سنبقى نلف وندور حتى يأذن الله ويأتي الفرج والسرور.
ورغم كل ما ذكرته اعرف أنهم سيشاركون في الانتخابات القادمة صدقوني وهذا الأمر لَم أجد لهُ تفسيرًا غير أنهُم كالأنعام. بل أَضل سبيلًا.