- محمد فخري جلبي يكتب: الموعد المشئوم - الثلاثاء _7 _أبريل _2020AH 7-4-2020AD
- محمد فخري جلبي يكتب: تنازلات مثقف - الأربعاء _19 _يونيو _2019AH 19-6-2019AD
- محمد فخري جلبي يكتب: الحرب العالمية الثالثة.. تقف خلف بوابة العالم! - السبت _17 _مارس _2018AH 17-3-2018AD
في مؤشر جديد على احتدام المنافسة بين واشنطن وموسكو حول مصير الأسد، تتعالى الأصوات المشككة في فعالية مناطق تخفيف التصعيد المنبثقة عن اجتماعات الأستانا، كما تلوح أضواء جنيف جديد في الأفق.
مما لاشك به يختلف موقف واشنطن كل الاختلاف عن موقف الكرملين حول بقاء الأسد في السلطة من عدمه! صحيح بأن مزاج ساسة الأبيض يتوافق مع بقاء الأسد في السلطة ولكن لأهداف مغايرة عن تلك التي يتنباه ساسة الكرملين.
فواشنطن تطمح من خلال أطالة عمر جلوس الأسد في القيادة من أجل خلق الذرائع لحشد القوات الأمريكية في المنطقة، واستنزاف الدول المعادية للأسد وحلفائه اقتصاديا، وكورقة ضغط تمارس على الكرملين في عدة مواضيع كملف شبه جزيرة القرم وحتمية تطبيق اتفاقية مينسك ذات البنود الثلاثة عشر، بالإضافة إلى ضرورة الرضوخ الروسي لوصاية الولايات المتحدة على العالم عبر نشر منظومات دفاع صاروخية شرق أوربا تحاصر الروس في عقر دارهم. وينبغي هنا ذكر النقطة الأبرز لتحركات البيت الأبيض المريبة والتي تساعد بشكل أو بأخر باستمرار الأسد على رأس السلطة !! إلا وهي إفساح المجال للجيش الروسي بالغوص في المستنقع السوري دون تحديد سقف زمني، يمكن من خلاله أن يخسر الكرملين كل ما جناه في السابق ويضعه مع مواجهة استحقاقات تم تأجيلها لحين الانتهاء من الملف السوري كالأزمة الاقتصادية التي زعزعت الداخل الروسي بفعل تراجع أسعار الطاقة وغياب الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الهيكلية.
أما وعلى الصعيد الروسي حول مسألة التعنت حول بقاء الأسد في السلطة رغم تجاوزه الخطوط الحمراء والخضراء مئات المرات، واستحواذ الروس على لقب العدو الرئيسي لمعظم دول العالم من خلال أنشاء مظلة حماية فولاذية للأسد، فللروس تطلعات أخرى حول هذه المسألة. وقد بررت موسكو تدخلها العسكري بحصولها على طلب رسمي من دمشق للمساعدة في محاربة “الإرهاب”، والذريعة الذهبية التي يتأبطها الأعلام الروسي هي تواجد نحو ألفي روسي وثلاثة آلاف من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق يقاتلون في صفوف “داعش” وعودة هؤلاء يشكل خطر جسيما على الأمن القومي لروسيا. ولكن تختبئ الحقيقة دائما خلف نشرات الأخبار! فحقيقة التدخل الروسي في الملف السوري وكما صرح بوتبن في مؤتمره الصحفي السنوي في 17 ديسمبر عام 2015، إلى أن العمليات في سوريا تعد تدريبات عسكرية ذات كلفة رخيصة في ظروف حرب حقيقية. وهنا يتضح لنا بأن الكرملين يعتبر التدخل في الملف السوري هو الوسيلة الوحيدة لبعث رسائل للداخل والخارج حول عودة الدب الروسي إلى الساحة الدولية، ونسف الشعور العام للدول الفاعلة بإمكانية تهميش دور الكرملين في حال الحديث عن جني الثمار وتوزيع المكاسب في الدول الساخنة في العالم.
كما يبدو واضحا أن موسكو ترغب في تجريب أسلحتها الحديثة والترويج لها، هذا فضلا عن رغبة الكرملين بإعطاء أشارة قوية للولايات المتحدة وحلفائها حول قوة الجيش والأساطيل الروسية.
وللحديث عن جدوى فعالية مناطق تخفيف التصعيد على الأراضي السورية، وبعد سريان شعور عام بالاطمئنان من قبل المشاركين باجتماعات الأستانا (روسيا، إيران، تركيا) وتبني المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا ستيفان ديمتسورا رد فعل مستهجن! حيث صرح ديمستورا، أعتقد أن ما حدث هو خطوة مهمة مع فرصة قوية لتوفير تأثيرات إيجابية بشأن تخفيف تصعيد النزاع”، مشيرا بأنها “خطوة مهمة وفرصة قوية”، ورد فعل ديمستورا ليس مستغربا بالمطلق فهو المشهود له بتعويم الملف السوري رضوخا لأوامر أسياده.
وعلى الجانب الأمريكي حول هذه المسألة وكما ذكرت في مقال ( أستانا 4 هل جاء في مصلحة الأسد أم العكس) بتاريخ 5 مايو 2017، بأن عدم مشاركة الولايات المتحدة باجتماعات الأستانا واكتفاؤها بدور المراقب فقط، هو لإدراكها المسبق بفشل اتفاقية المناطق، مما يتيح لها لاحقا فرض أرائها عقب فشل مقترحات اجتماعات الأستانا وذلك عبر مؤتمر جنيف القادم.
ولإلقاء الضوء حول الدور الأمريكي المكتفي بالمشاهد فقط، يذكر أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس كان أكد الاثنين أن الولايات المتحدة تدرس بعناية اقتراح روسيا إقامة مناطق “لتخفيف التصعيد” في سوريا لمعرفة ما إذا كانت قابلة للتطبيق، وقال للصحافيين لدى وصوله إلى كوبنهاغن “لكل الحروب نهاية، ونسعى منذ وقت طويل إلى كيفية إنهاء هذه الحرب” في #سوريا.
وبالسياق ذاته جاء الرد السوري حول مناطق تخفيف التصعيد موافقا للتكهنات ومعبرا عن رغبة دمشق بتفتيت المشهد السوري حتى الرمق الأخير، فقد أعلنت عدة تقارير إعلامية أمس الاثنين أن طائرات النظام ومدفعيته واصلت خرق أتفاق مناطق خفض التصعيد، حيث قصفت مناطق في محافظتي حماة وحمص وكذلك مواقع للمعارضة في ريف دمشق.
ويجب هنا ذكر أهم الأحداث التي من شأنها أن تحرف عربة مؤتمر جنيف عن مسارها، ومما يتأتى عليه لاحقا دور الدول المشاركة في المؤتمر…
1- على الصعيد العربي.
يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الجاري أولى جولاته الخارجية بزيارة إلى السعودية، وهي التي وصف ترمب إعلانه عنها بأنه “تاريخي وعظيم ” وتلك الزيارة تدعم موقف السعودية والمعارضة السورية التي تنطوي تحت لوائها في المؤتمر.
كما تدعم تلك الزيارة المنتظرة الموقف السعودي على الساحة شرق أوسطية يختلف كل الاختلاف عما كان عليه في السابق في عهد أوباما، وبالأخص بعد قيام السعودية بإفراغ جيوبها في أحضان دونالد ترامب !! فلقد دعمت الإدارة الأميركية خلال لقاء ترمب مع ولي ولي العهد وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بالبيت الأبيض في مارس الماضي، تطوير برنامج جديد بين البلدين تقوم به مجموعات عمل مشتركة في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا التي تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليار دولار.
2- على الصعيد الدولي..
أعلنت كل من موسكو وواشنطن أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيبحث في زيارة إلى واشنطن ملفي سوريا وأوكرانيا. ومن المتوقع أن تبدأ اليوم الثلاثاء وتستمر ثلاثة أيام تتضمن لقاء ثنائيا مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون. وأكدت الخارجية الأميركية أن الجانبين سيتناولان “الحاجة لوقف العنف في شرق أوكرانيا وحل النزاع عبر تطبيق اتفاقية مينسك بالكامل، كما سيسعى الجانب الأميركي إلى “البحث في جهود تخفيف حدة العنف في سوريا، وتوفير المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، وتحضير الأسس لتسوية سياسية للنزاع.
ويحمل هذا الاجتماع في طياته الكثير من المفاجآت كما ستتم هناك خلف الكواليس إيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين تتوافق مع الأهداف الأمريكية! ولاسيما عقب فشل تطبيق مناطق تخفيف التصعيد، بالإضافة إلى حشد الولايات المتحدة قواتها على الحدود السورية من ناحية الأردن، وإيضاحا لهذه النظرية و بحسب ما نقلته صحيفة “الحياة” عن الخبير في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر. حيث قال: “إذا حصلت روسيا على ما تريده ستتصدر سوريا المحادثات”. وباعتقادي الشخصي فقد بدأ الروس باحتساب خطواتهم القادمة في أشارة إلى أمكانية الرجوع إلى الخلف في الملف السوري !!!
3- ولعل الحدث الأهم الذي يسبق مؤتمر جنيف والذي تجاهلته معظم وسائل الأعلام، هو رصد تحركات عسكرية ضخمة تشير إلى اقتراب ساعة الصفر على الحدود السورية مع الأردن. حيث تحدثت بعض المصادر عن تجمّع حشود عسكرية أميركية وبريطانية وأردنية على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا، بالإضافة إلى تواجد كتائب دبابات بريطانية ثقيلة من نوع “تشالنجر” مع 2300 مسلح وعدد من الطائرات المروحية من طرازي “كوبرا” و”بلاك هوك”، وأن قرابة 4000 مسلح ممن دربوا في الأردن موجودون في منطقة التنف داخل الحدود السورية.
وتعتبر تلك التحركات العسكرية مؤشرا خطيرا على صعيد الملف السوري، ونذير شؤم يدق أبواب دمشق منذرا بدنو الأجل !!
فقد صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن بلاده ستعتبر أي قوات أردنية تدخل سوريا “معادية”، كما أشار “لن يكون هناك تواجد لقواعد دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، والضامن الروسي أوضح أنه سيتم نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة لهذه المناطق، وأوضح أن دمشق ستلتزم باتفاق وقف التهدئة “في حالة التزام المعارضة بها”.
وتابع: “نحن سنلتزم لكن إذا جرى خرق من قبل أي مجموعة فسيكون الرد حازما.
عزيزي القارئ تختلف مسميات المؤتمرات كما تختلف سلال الاقتراحات المحمولة إليها، ولكن من الناحية العملية تحتدم المنافسة خلف الكواليس كما يتم ترتيب الأوراق بين اللاعبين الكبار بعيدا عن وسائل الأعلام. وكما جرت العادة فلن يأتي مؤتمر جنيف الجديد بالحل السحري كما عجز عنه أخواته !! فالدول العربية تشكل ساحات لتصفية الحسابات بين اللاعبين الكبار ليتم في الوقت المناسب ومن خلال حفلة شاي سرية رسم معالم الإجراءات المستقبلية بعد القضاء على أحد اللاعبين أو إخضاعه لسلسلة مقترحات تجلب الربح لصالح اللاعبين الآخرين.
فالكرة الأرضية في نهاية المطاف عبارة عن سوق بزنس كبير يتحكم بمجريات أحداثه عرابو أسواق السلاح والنفط والدواء والأغذية، متجاوزين جميع الحواجز الإنسانية والأخلاقية في سبيل تحقيق مكاسب صعبة المنال في حال السلم العالمي.