- محمد فخري جلبي يكتب: الموعد المشئوم - الثلاثاء _7 _أبريل _2020AH 7-4-2020AD
- محمد فخري جلبي يكتب: تنازلات مثقف - الأربعاء _19 _يونيو _2019AH 19-6-2019AD
- محمد فخري جلبي يكتب: الحرب العالمية الثالثة.. تقف خلف بوابة العالم! - السبت _17 _مارس _2018AH 17-3-2018AD
وقبل البدء بالمقال، فعلى الطامحين بحدوث «اختراق» ولو بسيط للجدار الأممي المحيط بسيادة الديكتاتور ربشار الأسد، فأنصحهم بالاكتفاء بهذا الحد؟ فلم يتوصل علماء النفس بعد لمقياس طبي يصفون من خلاله تلقي الشخص الصعفات والركلات المتتالية على مدار عدة سنوات وعبر بوابة المؤتمرات الدولية وشرفات الاجتماعات الأممية ويظل على ذات الحال متأملا بالخلاص متغاضيا عن كم النكسات الهائلة؟
فمن الصعب أقناع المرضى النفسيين بأنهم ليسوا مرضى!
وإلى ذلك، انطلقت أعمال مؤتمر «جنيف-8»، يوم الثلاثاء الماضي، بعدما شكّلت المعارضة وفداً (موحداً) عقب «مؤتمر الرياض-2» برئاسة نصر الحريري.
وتشكلت «الهيئة العليا للمفاوضات» من 36 عضواً من «الائتلاف الوطني» و«هيئة التنسيق الوطنية» و«منصة موسكو» و«منصة القاهرة» ومستقلين، والفصائل العسكري، بحسب مقربين من «الهيئة العليا للمفاوضات».
إلا أن عدد أعضاء الوفد يبدو مختلفاً، بحسب تصريحات متناقضة لممثلي المنصات .
والجدير بالذكر هو حدوث تطور بسيط غير ذي أهمية تذكر مادامت النتيجة المرجوة من هذا المؤتمر هو منح الأسد مخرجا دوليا يستطيع من خلاله النجاة من الملاحقة الجنائية جراء أعماله الوحشية، وذلك من خلال طرق ملتوية مثل تمييع المحادثات وتحويلها إلى نقاشات أكاديمية وتحوير أنظار المجتمع الدولي عن حقيقة ما تم الاتفاق عليه تحت الطاولة بين الروس والأمريكان، وهنا نستطيع استيعاب أسباب ارتفاع مؤشرات العداء بين واشنطن وموسكو قبيل كل مؤتمر من هذا القبيل!
والتغيير الطفيف على صعيد المؤتمر هو غياب الوفد الحكومي المشارك بالمؤتمر؟ وبحسب صحيفة “الوطن” السورية قالت إن وفد الحكومة أرجأ السفر إلى جنيف، ونقلت عن مصادر ديبلوماسية أن دمشق “مستاءة” من بيان “الرياض-2” الذي رأت فيه “عودة إلى المربع الأول في المفاوضات”. وقالت “الوطن” إن دي ميستورا “سمع كلاماً قاسياً من المسئولين الروس خلال تواجده في موسكو، تجاه البيان الذي صدر عن اجتماع الرياض، الأمر الذي دفع دي ميستورا إلى تجاهل بيان المجتمعين في الرياض، والحديث فقط عن تطبيق للسلتين الثانية والثالثة من القرار 2254 المتعلقة بالدستور والانتخابات، واعداً بعدم التطرق إلى بيان «جنيف-1» وموقع رئاسة الجمهورية خلال الجولة القادمة”.
وأن كان غياب وفد الأسد ينم عن شيء فللأسف الشديد فهو ينم عن مصدر قوة وحصول وفد الأسد على أوراق ضغط دولية تمكنه من محاصرة وفد المعارضة حتى قبل بدء المفاوضات .
وهنا نعود للسؤال القديم الجديد لماذا يشارك وفد المعارضة بتلك المهرجانات الدموية التي ينتج عنها سيناريو فضاض يمنح القوات المشاركة بصلب الشعب السوري دعما خطابيا رسميا وأوقات أضافية؟
ما الذي تغير؟ إذ إن تصريحات المعارضة السورية قُبيل المؤتمر، وكلمة رياض حجاب بمناسبة تقديم استقالته قبل أيام ، كلها توحي بأن مؤتمر “الرياض 2” سيشكل انعطافة فارقة في مصير المعارضة السورية! وفي حين يعتبر الكثيرون من جمهور الثورة بأن مشاركة أعضاء منصتي القاهرة وموسكو ضمن وفد المعارضة المحاور في جنيف مجرد ألعوبة سياسية قذرة ، يبيح بعض أعضاء الائتلاف السوري المعارض مشاركة تلك المنصات لما فيه من مصلحة عليا للثورة السورية!
فقد اعتبرت بسمة قضماني عضو الائتلاف السوري المعارض أن وجود منصة القاهرة ومنصة موسكو مؤشر مشجع على أن المعارضة حازمة على أن تمشي بخطوة واحدة بكل مكوناتها؟ دون أن تحدد القضماتي المحطة الأخيرة لتلك (المشية)!
روسيا تتصدر المشهد
استطاعت موسكو خلال السنوات الأخيرة من دمج التيارات الباردة والساخنة على الصعيد الدولي بشكل يتوافق مع تطلعاتها المستقبلية، فالقيصر بوتين يهرول من انتصار إلى أخر في حين يقف المجتمع الدولي مراقبا فقط سير الأحداث متذرعا بتحقيق بعض المكتسبات في الدول الأخرى؟
وقد استهلت صحيفة التايمز يوم الجمعة الماضي افتتاحيتها بالقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك أنه يجب بحث مستقبل سوريا حول طاولة المفاوضات لا في ساحة المعركة ، وتعتقد الصحيفة أن الرئيس الروسي يرى في المفاوضات امتدادا للمعارك ، والهدف واحد، وهو الإبقاء على حكم الرئيس بشار الأسد.
وتتطرق الافتتاحية إلى لقاءات بوتين في منتجع سوتشي الروسي، مع الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني “لاقتسام الغنائم بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية على أرض سوريا”، كما ترى الصحيفة، واتفق جميع الأطراف في سوتشي على عدم السماح بأي تدخل لأي قوة أجنبية في سوريا دون موافقة الأسد، وهم بذلك يقصدون الولايات المتحدة، التي قصفت قاعدة عسكرية سورية هذه السنة كرد على استخدام سلاح كيماوي ضد المدنيين.
كما ويؤرخ مؤتمر جنيف الثامن كغيره من المؤتمرات المتعلقة بالشأن السوري مصير الشعب القابع تحت مطرقة القانون الدولي والموضوع من قبل داعمي بقاء الأنظمة الدكتاتورية كأنظمة مطلقة في الشرق الأوسط، فالأنظمة الديمقراطية لا تفسح المجال للقوى الكبرى بفرض سيطرتها وتنفيذ إستراتيجيتها الاقتصادية والعسكرية ضمن أراضيها، في حين أن الأنظمة المستأجرة تنفذ ما يطلب منها فقط!
وبالعودة إلى مؤتمر جنيف الثامن المزمع بدءه اليوم ، يتركز جدول الأعمال على الانتخابات والدستور والحكم الانتقالي والإرهاب، وسط انخفاض سقف التوقعات بتحقيق اختراق من شأنه التوصل إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية الخاصة بالملف السوري.
والمثير للسخرية هو مشاركة موسكو “الراعي الرسمي للمذبحة السورية” بوفد مشارك ضمن وفد المعارضة الموحد وذلك فيما يسمى منصة موسكو؟ حيث القاتل يرسل أحد أتباعه الى مجلس العزاء ليثير الذعر في نفوس المطالبين بأخذ الثأر!
ومن جهتها نقلت وكالة نوفوستي الروسية للأنباء عن مصدر دبلوماسي أن التحضيرات جارية لعقد مؤتمر الحوار السوري بمدينة سوتشي في فبراير المقبل، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحات لوكالة إنترفاكس الروسية إن موعد المؤتمر سيُعلن لاحقا.
بيد أن موسكو تدرك تماما امتلاكها مفاتيح اللعبة مما يجعلها تدفع بيادقها هنا وهناك من أجل تعويم الضجيج وتشتيت التركيز وإظهار القوة، فموسكو وقبل فتح بوابات مؤتمرات جنيف السابقة والحالي دأبت على مواكبة مجريات التفاوضات من خلال القصف المتواصل لأماكن تواجد المدنيين المشمولة مناطقهم بالأصل بما يسمى مناطق خفض التصعيد المنبثقة عن اجتماعات الأستانا، مما يفضح همجية الروس وضعف المجتمع الدولي الئي يختبأ خلف أصبعه!
حيث تفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلا في منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أربع سنوات من قبل قوات بشار الأسد ، بحسب ما أفادت به صحيفة لوموند الفرنسية.
وتتعرض هذه المنطقة الواقعة على أبواب دمشق لقصف القوات الموالية لنظام الأسد منذ أربع سنوات ، غير أن الوضع الإنساني في هذه المنطقة، التي يسكنها ما يقارب 375 ألف نسمة، يشهد منذ أسابيع تدهورا شديدا بسبب القصف المتواصل للقوات الحكومية والطائرات الروسية، رغم أن الغوطة الشرقية إحدى المناطق الأربع المعروفة بمناطق “خفض التوتر”.
وضمن سياق تبجح الروس بقوتهم مقابل صمت المجتمع الدولي، فقد أضاف المراسلون من تلك المناطق بأن ثلاث مقاتلات حربية تناوبت على قصف المنطقة وتسببت في خسائر مادية كبيرة، مشيرين إلى أن بعض المواقع التي تعرضت للقصف اليوم سبق أن استهدفتها أمس مقاتلات روسية في مدينتي حرستا وعربين.
وبعد أن تحقق النصر لبوتين ضمن الملف السوري، تحاول موسكو فتح ملف السودان ليواكب فصول نهاية الملف السوري ولتعلن موسكو من خلال الخوض بغمار هذا الملف الشائك استحالة تعطيل الدور الروسي دوليا أن شاء أعداء روسيا ذلك أم لم يشاءوا! حيث أعلن الرئيس السوداني عمر البشير في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا أن بلاده بحاجة للحماية في مواجهة التصرفات “العدائية” الأميركية، رغم رفع واشنطن مؤخرا الحظر الذي فرضته على بلاده طيلة عشرين عاما.
زيف المجتمع الدولي
ولكي نكون أكثر مصداقية وموضوعية فعلى من يمكننا التعويل دوليا في ضوء انتهاج المجتمع الدولي سياسة النأي بالنفس في حال توزاي المصالح العليا مع سير الأحداث العالمية؟
حيث انتقدت صحيفة إندبندنت البريطانية، إدانة بريطانيا الغاضبة للحصار الذي يعانيه السوريون داخل وطنهم من خلال “أسلوب التجويع أو الاستسلام”، كما وصمه وزير خارجيتها بوريس جونسون .
ووصفت هذا الأسلوب بالنفاق الذي يحركه الجشع التجاري، لأن جونسون -الذي قال هذا العام “معا يجب أن نوضح بغضنا لأسلوب الأنظمة بالمجاعة أو الاستسلام”- كان يتحدث عن سوريا، ولكن عندما يتعلق الأمر باليمن، حيث الحصار والمجاعة على أشدها بدعم عسكري ودبلوماسي بريطاني، لم يتحدث بهذه الطريقة.
وبدلا من ذلك، يكون “القلق العميق” والمكالمات الهاتفية المهذبة هي النمط اليومي السائد وليس البغض، وبالتأكيد ليس التصميم على إنهاء الأزمة..
وبحسب مفهوم المجتمع الدولي الذي يخوض سباقا محموما لتحقيق الأهداف وقطف الثمار الاقتصادية وأن كان ذلك على حساب أرواح الأبرياء ، فأن التصرفات البريطانية لا تعد معيبة في ظل المجتمع الكبير الفاسد؟
عزيزي القارئ من أخبرك بأن العالم الغربي تسكنه الملائكة فقط ويسير وفق أدبيات الكتب السماوية المقدسة؟ وكما يحق لموسكو الدفاع عن مكتساباتها وموطئ قدمها ضمن الأراضي السورية وضمن هذا المنطلق يحق لبريطانيا دعم حلفائها الأغنياء!
فقد كشف موقع “ميدل إيست آي” الإخباري عن تلقي نواب بريطانيين من حزب المحافظين الحاكم رشى من السعودية بلغت 133 ألف دولار، وذلك في إطار حشد الرياض الدعم لسياستها وحربها في اليمن.
وأورد الموقع البريطاني أن الرشى تضمنت الإقامة في فنادق فاخرة ورحلات طيران على درجة رجال الأعمال ومبالغ أخرى رصدت تحت بند الضيافة، كما شملت قائمة المصاريف ولائم فاخرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكبار المسئولين .
وكانت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي قد منعت قبل أشهر نشر تقرير يتعلق بدعم بريطانيا السعودية في حربها باليمن!
هفوات المعارضة السورية القاتلة
أحداث ودلائل كثيرة تدفعنا إلى التشكيك بوطنية بعض أعضاء المعارضة السورية، بل الأحرى بنا القول بأن الأمر بالسابق كان مجرد شك واليوم تحول إلى يقين؟
شيئا فشيئا مارست قوى المعارضة تنازلاتها المدوية على مذبح الشعب السوري، وباختصار لا أحد من أعضاء المعارضة يملك خطة لما ستؤول إليه مصير الثورة المترنحة في غرف العناية المشددة!
وكانت المعارضة السورية قد اختارت في ختام مؤتمرها الثاني بالرياض نهاية الأسبوع الماضي أعضاء وفدها المفاوض في جنيف، وأكد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة رحيل الأسد وأركان نظامه في بداية المرحلة الانتقالية.
وعشية انطلاق الجولة الثامنة لمفاوضات جنيف، قال رئيس وفد المعارضة السورية إلى جنيف نصر الحريري إن هدف المعارضة هو انتقال سياسي يحقق الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، بينما وضع المبعوث الدولي إلى سوريا ستفان دي ميستورا الانتخابات والدستور على رأس أولويات جولة المفاوضات السورية الجديدة.
ولكي نبسط المعنى، فأن كانت أحلام طبيب القلب نصر الحريري بالأطاحة بالأسد واقعية، ما لذي دفع رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات وأتباعه للاستقالة؟ سؤال لن يروق للسيد نصر الحريري!
وعلى ما يبدو بأن خريجي كلية الطب يفقهون بالألاعيب السياسية القذرة أكثر من الأمور الطبية على غرار الطبيب بشار الأسد!
وبطبيعة الحال، ما هي أوراق القوة التي تمتلكها المعارضة وتستطيع من خلالها الضغط على وفد الأسد المحاور؟
فالسعودية تسير على خطى واشنطن الداعمة للرؤية الروسية فيما يخص الملف السوري، والدوحة تجلس في أحضان الخامنئي (عراب الموت السوري) هربا من أطماع الجار الطائش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بينما السلطان التركي لا يستعبد أجراء محادثة مستقبلية مع الأسد!
وهنا بالتحديد تغمرني أحاسيس الحزن و(الشماتة) في آن واحد ؟؟ الحزن على الشعب السوري والعربي المخدوع بطارق بن زياد العثماني، وأما (الشماتة) فهي على أعضاء المعارضة وبعض أفراد النخبة الثورية المخدوعين بمارق الخطابات التعبوية اللص العجوز أردوغان والذين ما يزالون يدافعون عنه حتى الآن (فالعاهرة تتمايل عل طرف الطريق تنتظر زبونا جديدا ومحبيها يصفونها بالطاهرة الفاضلة)!
فلم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إمكانية إجراء اتصالات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في إشارة إلى أن موقفه قد يلين تجاه الزعيم السوري.
ورداً على سؤال عن احتمالية إجراء اتصال أو تعاون مع الأسد، في ظل معارضة الزعيمين للمقاتلين الأكراد، قال أردوغان لصحافيين: “الأبواب السياسية دائماً مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة”، وتحدث أردوغان على متن طائرته في عودته من لقاء ثلاثي مع روسيا وإيران لدعم تسوية سلمية في سوريا، جرى في منتجع سوتشي على البحر الأسود الأربعاء!
والسؤال المحير هنا وبعد تدني سقف الطلبات دون المستوى المسموح به أخلاقيا ومهنيا والموافقة الضمنية على بقاء الدكتاتور الأسد حاكما للبلاد (وهذا ما جاء على لسان رياض حجاب وحاشيته المستقيلين من المعارضة بسبب تلك التنازلات)، فعلى ماذا يعول على وفد المعارضة المشارك بمؤتمر جنيف الثامن؟