- محمد فخري جلبي يكتب: الموعد المشئوم - الثلاثاء _7 _أبريل _2020AH 7-4-2020AD
- محمد فخري جلبي يكتب: تنازلات مثقف - الأربعاء _19 _يونيو _2019AH 19-6-2019AD
- محمد فخري جلبي يكتب: الحرب العالمية الثالثة.. تقف خلف بوابة العالم! - السبت _17 _مارس _2018AH 17-3-2018AD
مازالت كرة الاتهامات والتخوين تتدحرج في منطقة الخليج العربي مخلفة خسائر أخلاقية مدوية، وتخبط حكومي يكاد يصيب تلك الدول بالشلل التام.. بل أن الحكومات في دولتي الأمارات وقطر وتوابعهما في خضم الحرب الضروس، يطلقون النار على أنفسهم ضمن مهرجان انتحار جماعي الهدف منه أرضاء أمريكا، لتبقى الأخيرة داعمة لدولة معينة على حساب الدول الأخرى!
فالدمى تتصارع في منطقة الخليج حول أحقيتها في استلام واشنطن خيوط (التحريك)، ولعل الرسائل المسربة من بريد سفير الأمارات في واشنطن يوسف العتيبة تؤيد تلك النظرة.
وكما كشفت الرسائل المسربة اتصالا إماراتيا أميركيا لمنع عقد مؤتمر لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة. ووفق الرسالة، قال السفير الإماراتي مازحا “ألا يجب تغيير مكان القاعدة الأميركية في قطر؟”! والمقصود قاعدة العديد الأمريكية في قطر (عين الشر في الوطن العربي).
عندما تتهافت الضحايا إلى أحضان جلادها تستحق مايجري لها من تعنيف وذل وقتل في نهاية الأمر .
ويذكرنا اقتتال حكومتي الإمارات وقطر بقصة الحمار والجزرة! يحكى بأن فلاحا أحضر عصا طويلة ثم ربطها بعنق الحمار فامتدت أمام رأسه مترا، وربط فى طرفها أمام عين الحمار جزرة ورآها الحمار تتأرجح أمام عينيه فأسرع الخطى لينالها ولكنها لا تقترب كلما أسرع أسرعت وكلما أبطأ أبطأت والمسافة بين فمه وبينها دائما واحدة ولكنه ظل يدأب.
ويمكن إسقاط تلك المقولة مع تعديل طفيف على أبطال مقالنا اليوم، فالحمار أصبح حمارين، والفلاح هو واشنطن، والجزرة هي نيل رضا واشنطن من أجل زيادة دعم دولة عربية ضد الدول العربية الأخرى.
بيد أنه ليس من مصلحة واشنطن أن تمنح شعار القبول والرضا أو (الجزرة) لأحد على حساب الأخر ، والهدف لكي تظل الحمير تجري إلى مالا نهاية .
وكما تحدثنا في مقالات عديدة سابقة بأن واشنطن تسعى دائما لاستنزاف الحلفاء والأعداء بآن واحد بما يتوازى مع خط سير أهدافها القريبة والبعيدة .
ولزيادة الفهم ينبغي علينا تذكر مقولة كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الأمريكية، حيث قال “ليس من مصلحة أمريكا حل أي مشكلة في العالم، بل من مصلحتها أن تمسك خيوط تلك المشكلة وتحركها بما يحقق المصلحة القومية الأمريكية”.
وعلى غرار تلك النظرة النفعية الأمريكية فأن واشنطن ترفع أمام العالم شعار مكافحة الإرهاب، ولكن بالمقابل تستخدم الإرهاب لتنفيذ أجندة سياسية (كحادثة برجي مركز التجارة العالمي” نيويورك” بتاريخ ١١ سبتمبر، وما أحاط بتلك الحادثة بمئات أشارات الاستفهام، وما استطاعت واشنطن من تحصيله عقب التفجيرات من قيادة دول العالم وسلب أموال الأفراد واحتلال دول معينة تحت مسمى مكافحة الإرهاب)
وبالعودة إلى الاقتتال العربي-العربي، وضمن فصول مسرحية الموت إرضاءً لأعداء العرب!
فأن المستغرب بالأمر هو تقاذف الكرة النارية والتي تتمثل بالتعامل مع الكيان الصهيوني بين الجانبين. ومن بين الرسائل المسربة جدول أعمال مفصل لاجتماع بين مسئولين من الحكومة الإماراتية على رأسهم ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ومديرو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لإسرائيل، وهي مؤسسة نافذة لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث طلبت المؤسسة من العتيبة لقاء مع القيادي السابق بحركة فتح محمد دحلان .
ولكن السؤال العفوي لماذا تتهم دولة قطر الأمارات العربية المتحدة بالعمالة والخيانة عندما تتعامل الأخيرة مع مؤسسات الكيان الصهيوني، بينما تعد قطر تل أبيب بالنسخة العربية؟
فدولة قطر والأمارات تعد العلاقات مع إسرائيل من ضمت سياق النشاط الدبلوماسي لأي دولة من أجل حماية أمنها القومي ومصالحها.
وبمعنى أخر فإن التقارب مع الكيان الصهيوني يعتبر بالنسبة للأخوة في حكومة قطر والأمارات مجرد علاقات عابرة بين الدول (مع اعتراف صريح من قبل أبوظبي والدوحة بإسرائيل كدولة وليست كمحتل لدولة عربية).
ومن ناحية أخرى فأن الشهداء الفلسطينيين يجب تسميتهم بشهداء النشاط الدبلوماسي العربي الإسرائيلي!
وبطبيعة الحال هناك سعي واضح من قبل واشنطن لتأجيج هذا الصراع بين دولتي قطر والأمارات، وذلك عن طريق العزف على أوتار الخلاف من خلال تقارير رسمية أو غير رسمية تدفع بالمشهد نحو مزيد من التعتيم والخراب.
وبينما تعد الدوحة تلك التقارير جملة من التلفيقات والأكاذيب للنيل من صمود الدولة، تعتبر الأمارات التقارير ذات مصداقية عالية تطلق من خلالها قذائف مدفعيتها الإعلامية. ولم يلتفت الطرفان إلى حقيقة ناصعة البياض بأن التقارير تحمل في طياتها معاني دفينة من شأنها زرع بذور الشقاق بين الدول العربية، كما أنها صادرة عن مؤسسات أمريكية وهذا يكفي للكشف عن ما جاء خلف السطور من نوايا.
ويجدر التنويه في سياق المقال بأن دولة قطر ضالعة في تمويل الإرهاب عبر مؤشرات كثيرة، تكاد بعضها نراها أمام أعيننا من خلال شعارات وولاءات بعض التنظيمات الإرهابية المتشددة. وبما أن الدوحة وأبوظبي تهرولان في الصحراء العربية لنيل شرف خادم واشنطن الأول، فالحري بنا أيضا أخذ بعض التقارير الأمريكية كمنصة للحقائق ومنبرا لا يشوبه الشك.
فقد أدرج تقرير وزارة الخزانة الأميركية في عام 2013 رئيس منظمة الكرامة عبد الرحمن بن عمير النعيمي على لائحة الإرهاب. وبحسب الدراسة فإن قيادات في القاعدة تلقوا دعما من مانحين قطريين أو مقيمين في قطر، ومن بين تلك المنظمات، منظمة الكرامة التي تمولها قطر والموجودة في جنيف.
كما تتهم المنظمة برعاية ودعم الإرهاب على المستوى العالمي، ورغم وقف تسجيلها في الأمم المتحدة عام 2011 لاتهامها بتمويل تنظيم القاعدة، إلا أنها ما زالت تعمل بتمويل قطري .
لكن المحاولة لكسر الصدع بين دولتي قطر والأمارات جاء هذه المرة عن طريق موقع أمريكي مغمور يدعى إنترسيت ( INTERCEPT) .
وعلقت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية حول الموضوع كغيرها من الصحف ، وخلصت الديلي بيست للقول بالنص:”مهما كان المقصود تحقيقه من وراء التسريبات ـ سواء عملية إلهاء، ربما عن موضوع أكبر مثل العلاقات بين الرئيس ترامب وروسيا ـ فإن محتواها لا يصل إلى مستوى “كشف الأسرار الهائل” الذي تشير إليه الرسالة المرفقة مع التسريبات ” .
لكنها قالت (الصحيفة) إن الجهة المجهولة التي أرسلت لها الرسائل المقرصنة قدمت له بطريقة تغاير الواقع الموجود في الرسائل، وقال موقع الصحيفة إنه ليس أول منفذ إعلامي تحاول تلك الجهة إقناعه بنشر الرسائل، أو عمل قصة كبيرة منها ” .
وإنترسبت موقع أطلقه مؤسس موقع التسوق “إي باي” قبل 3 سنوات، لا يستهدف التغطيات الصحفية، بقدر ما هو لنشر الإثارة لأغراض التسويق.
كما أن هذا الاقتتال بين الجانبين قد يسفر عن نتائح من شأنها الأضرار بمجلس التعاون الخليجي إلى حد تفككه. ولكن لن يضير المواطن العربي زوال مجلس التعاون الخليجي على الإطلاق! فشأنه كشأن جامعة الدول العربية تؤطر مآسينا ببضع كلمات لا تساوي قيمة حبرها.
كما يجب التنويه هنا بأن الخلاف بين قطر والأمارات لا يعد باكورة الخلافات العربية ، فهناك الكثير من الأحقاد والضغائن تتوارى خلف تصريحات بعض الدول العربية . فالقائمة تطول والراعي الرسمي لتلك الخلافات واشنطن والدول الاستعمارية .
وبينما تقف الدول الغربية في صف واحد وقت الأزمات والشدائد ، تقف الدول العربية كلا على ضفة يترصد الأخر .
ومن النافذة الغربية (الأخوية) تقف فرنسا الغاضبة من قرار بريطانيا الجائر تجاه وحدة المصير الأوربي وتصويتها للخروج من الاتحاد الأوربي، تتواجد فرنسا في لندن وتساند بريطانيا عقب الاعتداء الإرهابي بالأمس. فقد صرح ماكرون الرئيس الفرنسي نحن مع بريطانيا أكثر من أي وقت مضى .
ومن منطلق العروبة والأخوة والروابط المشتركة في اللغة والدين والدم ، نتمنى على دولتي قطر والأمارات فتح صفحة جديدة من العلاقات وعدم العودة إلى ذات البئر المقيت . كما نستنكر غياب معظم الدول العربية عن لعب دور المصلح بين الدولتين واكتفائهم بالمشاهدة فقط !!