- محمد فخري جلبي يكتب: الموعد المشئوم - الثلاثاء _7 _أبريل _2020AH 7-4-2020AD
- محمد فخري جلبي يكتب: تنازلات مثقف - الأربعاء _19 _يونيو _2019AH 19-6-2019AD
- محمد فخري جلبي يكتب: الحرب العالمية الثالثة.. تقف خلف بوابة العالم! - السبت _17 _مارس _2018AH 17-3-2018AD
تساءلت صحيفة الغارديان البريطانية، حول مدى فعالية نشاط التحالف الدولي ضد تنظيم داعش, وعلى من تقع مسؤولية فقدان عشرات الآلاف من المدنيين حياتهم جراء تلك العمليات العسكرية الغير مركزة نحو عناصر التنظيم!!
وقبل الغوص في بحر الدلائل والاتهامات الموجهة نحو صدر التحالف الدولي المنشأ للقضاء على تنظيم داعش حول قيامه بجرائم حرب توازي تلك التي يقوم بها التنظيم الإرهابي والتي طالما أدعت واشنطن على اعتبارها القيادة المركزية للتحالف بأنها معلومات وتقارير مشوشة الهدف منها خلط الحق بالباطل , ينبغي المرور ولو سريعا على نشأة هذا التحالف الذي يرفع شعارات مغايرة لتلك التي يقوم بها على الأرض .
حيث يشار إلى تلك القوات بما يسمى تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يضم أكثر من عشرين دولة، ويهدف لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعدما سيطر التنظيم على مساحات شاسعة في البلدين.
وتزعم واشنطن التي شكلت “التحالف الدولي” بشكل غير شرعي ومن دون موافقة مجلس الأمن منذ أغسطس 2014 بأنها تحارب الإرهاب في سورية والعراق في حين تؤكد الوقائع أنها تعتدي على البنية التحتية لتدميرها وترتكب المجازر بحق المدنيين من خلال قصف طائرات “التحالف الدولي” الأحياء السكنية المزدحمة بالمدنيين بالأسلحة المحرمة دوليا (الفوسفور الأبيض).
وتجدر الإشارة هنا, بعدم الحاجة إلى الرجوع لمجلس الأمن في مثل هذه الحالات الإنسانية الحرجة وذلك على ضوء تراجع دور مجلس الأمن المعطل لإرساء دعائم الأمن في العالم! حيث ترقد كل دولة في مجلس الأمن على بيضها العفن في سبيل الحفاظ على مصالحها ولتمرير أعمالها الغير إنسانية في دول العالم! فالولايات المتحدة تسعى من خلال دورها المفضوح في مجلس الأمن بالدفاع عن إجرام العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني, بينما تراود كلا من الصين وروسيا أعضاء مجلس الأمن عن أنفسهم من أجل المقايضة بالصمت عن دفاعهم المستميت عن فظائع سفاح دمشق وعن مراهق كوريا الشمالية المعتوه, في حين تلعب بريطانيا خلف الكواليس لعبة الموت عبر إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية للرياض لتواظب حربها الضروس ضد أبناء اليمن, وفي خضم تلك السابقات الدولية المتخمة بأرقام الضحايا (على اعتبار بأن أكاذيب السياسة ونفاقها جزء لا يتجزأ من العملية السياسية) تحذو فرنسا حذو رفقائها لتتصنع الغباء إزاء أعمالهم الإجرامية مقابل إطلاق يد باريس في مجاهل أفريقيا والصحراء الليبية!
ليتبين لنا من خلال تلك الملاحظات الدقيقة باستحالة التعويل على مجلس الأمن والذي أصبح مجلسا لاقتسام الغنائم ومركزا لإيجاد تفاهمات تؤسس للأكاذيب والمتناقضات التي تحتضنها أروقة السياسة الدولية .
ومن الطبيعي عقب إعلان واشنطن إنشاء التحالف الدولي من أجل القضاء على تنظيم داعش بأن يشعر سكان تلك المناطق الرازحة تحت قبضة التنظيم المجرم برياح الأمل القادمة من بلاد العم سام وبأن يتنفسوا الصعداء بعد دنو الأجل, ليتضح لهم مع مرور الوقت بأن الانحدار قد بلغ القاع وبات من الضروري بأن يستعدوا للسيناريو الأسوأ تحت مظلة التحالف الدولي المشئوم.
وبالعودة إلى تقرير صحيفة الغارديان, فقد أكدت الصحيفة البريطانية أن الغارات التي يشنها ما يسمى بـ “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن بزعم محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي أدى إلى سقوط مئات الضحايا في صفوف المدنيين بمدينة الرقة منتقدة إهمال هذا التحالف لأرواحهم وممتلكاتهم .
عزيزي القارئ, كان لابد من تلك المقدمة الطويلة لتشكيل انفعال يرقى إلى مستوى الحدث فالأمور التي تدور حولنا ليست من قبيل المزاح !! فلقد أصبح لزامًا علينا أن نفهم ذلك!
وبالأخص بعد أن خضعت المواقف الشعبية العربية لسطوة الأنظمة وعصا أجهزة المخابرات وأهواء التوجه الإعلامي, ولست أحلم بعد انتهاءك من قراءة المقال بدعوتك للخروج بمظاهرة حاشدة ضد تصرفات الدول الكبرى وأذنابهم في العالم العربي؟ ولكن أضعف الإيمان بأن تضع النقاط فوق الحروف وتشير إلى قاتلك بأصابع الاتهام.
ولكي لا نسلك مسلكا عبثيا من الخلط الذي لا علاقة جوهرية له بفحوى المقال, يتوجب علينا ذكر مآثر التحالف الدولي وإلقاء الضوء على إنجازاته الكبيرة في سبيل القضاء على الإرهاب في دولنا العربية!
التحالف الدولي في سوريا
من يتابع أخبار الصحف العالمية ونشرات الأخبار يصاب بالدهشة والحيرة ويقفز أمامه السؤال التالي بشكل فجائي ..
لماذا لا ينبس الإعلام الغربي ببنت شفة الآن عن تنظيم داعش في سوريا، بينما كان ينشر سيلا من الأخبار إذا ذُبحت دجاجة في الرقة خلال السنوات الماضية؟؟
وكأن تنظيم داعش تلاشى، فلم يعد أحد يأتي على ذكره؟
وقبل السقوط في مستنقع الاتهامات المتبادلة والمماحكات المملة بين من ينفي ومن يوثق علاقة تنظيم داعش بقوات الأسد وذلك بالاعتماد على فصول المسرحية الهزلية بتبادل تسليم المناطق بين الطرفين, بالإضافة إلى تكفير قيادات تنظيم الدولة لكل من يقاتل قوات الأسد ومنحه جواز سفر مباشر إلى الجنة في حال قتاله عناصر الجيش الحر المناوئ للأسد, ومرورا على قرار ترامب شهر يوليو الماضي بإيقاف البرنامج التدريبي لقوات المعارضة السورية وتبرير “ترامب” السخيف الذي جاء بعد ثلاثة أيام على إعلان قائد القوات الخاصة الأميركية الجنرال توني توماس، أن بلاده أوقفت العمل بالبرنامج المستمر منذ أربع سنوات، وأكد توماس أن القرار لم يتخذ لإرضاء روسيا الحليفة الرئيسية لنظام الأسد! وبوضع جميع تلك المعطيات تحت مجهر الفحص والتحليل المنطقي يتضح لنا بشكل لا مكان فيه للجدل بأن موسكو عبر وكيلها في الأراضي السورية (الأسد) قد ساعدت بشكل أو بأخر بإنشاء تنظيم داعش لتمنح الضوء الأخضر لواشنطن لتشكيل تحالف يزعم القضاء على التنظيم بينما في الحقيقة تقوم واشنطن بتنفيذ أهدافها المبيتة مسبقا متخفية خلف قناع مساعدة الشعب السوري والذي يقف بالمنتصف بين مدفعية قوات الأسد وسيوف تنظيم الدولة .
ولكن ما هي الإجراءات والإنجازات التي حققها التحالف الدولي بقيادة واشنطن بالقضاء على التنظيم ضمن المحرقة السورية؟
ونقلا عن أحد أعضاء منظمة “صوت وصورة” تأكيده عدم اتخاذ التحالف العسكري بقيادة واشنطن أي تدابير لتفادي سقوط ضحايا بين المدنيين محذرا من أن تحالف واشنطن سيقضي على أهالي الرقة في حال أستمر بتدمير منازل الأهالي وقتلهم في كل مرة يريد فيها القضاء على عنصر من إرهابيي “داعش” في المدينة , وقال ساخرا “إن التحالف سيحرر الرقة من سكانها ومن إرهابيي “داعش” على حد سواء في حال أستمر بتدمير آلاف المنازل في كل مرة يريد فيها القضاء على عنصر من إرهابيي داعش”.
في حين, صرح محققون في جرائم حرب، تابعون للأمم المتحدة إن الضربات الجوية المكثفة، التي يشنها التحالف دعما لقوات “قسد” الكردية على الرقة معقل تنظيم داعش في سوريا تسبب “خسائر مذهلة في أرواح المدنيين”.
ومن جانب آخر أبدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قلقها من استخدام التحالف الدولي بقيادة واشنطن الفوسفور الأبيض في سوريا والعراق.
وجاء ذلك بعد أيام على تقارير تحدثت عن قصف التحالف الدولي لمدينة الرقة، بالفوسفور الأبيض في إطار دعمه لحملة قوات سوريا الديمقراطية.
وضمن سياق هذا الملف, قال التحالف الدولي إن استعادة الرقة ستكون “ضربة قاصمة” لما يسميه تنظيم الدولة بالخلافة، التي أعلنها في يونيو 2014 بعد أشهر من سيطرته على المدينة، ويعتقد أن ما بين 3000 و4000 مسلح لا يزالون موجودين في الرقة، ولكن لا يعرف بالضبط عدد المدنيين المحاصرين معهم غير أن لجنة الإغاثة الدولية قدرت العدد بنحو 200 ألف شخص.
وفي سبيل تحقيق واشنطن أهدافها بالقضاء على بضعة ألاف من عناصر التنظيم فمن المعيب الحديث عن فقدان مئات الآلاف من المدنيين أرواحهم جراء العمليات العسكرية الأمريكية المركزة ضد الإرهابيين!
وأخيرا ومن داخل العمق السوري مع الإشارة إلى شح المعلومات القادمة من معقل تنظيم داعش في مدينة الرقة فلا ضير من الاستشهاد بتقرير وزارة الخارجية السورية، فقد قالت وزارة الخارجية السورية بتاريخ 26-6-2017 إن ما قامت به طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة الرقة، والتي أستشهد جراؤها 43 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال إضافة لعدد من الجرحى، إضافة لأضرار مادية كبيرة فهو يعتبر جريمة حرب؟ ولسخرية القدر تتهم السلطات السورية قوات التحالف بالقيام بتلك الفظائع المروعة وتنفي واشنطن تلك الاتهامات بصرامة، حالهم كجلادين يتقاذفون الذرائع بعد موت الضحية!
قوات التحالف في العراق
نذكر جيدا إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من الموصل، تحرير المدينة بالكامل على يد القوات العراقية من قبضة تنظيم “داعش”. وقال العبادي في كلمة تلفزيونية الاثنين 10 يوليو الماضي، إن النصر في الموصل تم بتخطيط وإنجاز وتنفيذ عراقي، ومن حق العراقيين الأفتخار بهذا الإنجاز” .
وأضاف “أعلن من هنا وللعالم أجمع انتهاء وفشل وانهيار دويلة الخرافة، التي أعلنها الدواعش من هنا قبل 3 سنوات ، استطعنا أن نحقق الانتصار على هذه الدويلة .
ومن السذاجة والعار بمكان إنكار حق الجيش العراقي بإطلاق العيارات النارية ابتهاجا بنصره الساحق على أعضاء التنظيم الإرهابي, ولا يسعنا سوى إرسال أجمل باقات الحب والعرفان لدولة العراق الشقيق بتكبد عناء محاربة التنظيم بدلا عن جميع الشعوب العربية, ولكن ومن الضفة الأخرى حيث يتواجد آلاف المشردين والأمهات الثكلى فمن السذاجة والعار أيضا عدم ذكر تكلفة تلك العملية العسكرية وما ألحقته بالنسيج السكاني لتلك المدينة المكلومة على أبنائها (هنا المقصود قوات التحالف بلا شك).
حيث طالبت عدد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان من بينها “هيومان رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” بفتح تحقيق دولي شامل في العملية العسكرية التي أجريت لتحرير الموصل من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي، وتحديد هوية مرتكبي جرائم الحرب .
كما أعلنت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، أن مئات المدنيين العراقيين قتلوا في غارات جوية شنتها قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق للقضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، وبحسب المنظمة التي أكدت أن “واحدة من أكثر الهجمات دموية، منذ سنوات، نفذت في السابع عشر من مارس 2017، وراح ضحيتها 150 من المدنيين، ما دفع السلطات الأمريكية والعراقية لإعلان سلسلة من التحقيقات بشأن هذا الحادث وغيره .
إلى ذلك أفصحت إحدى الصحف البريطانية في 19 من يوليو عن الأرقام المروعة لعدد الضحايا من المدنيين، حيث قتل أكثر من 40 ألف مدني في خضم معركة الموصل، ولكن، تبقى هذه الأرقام غير مؤكدة في حين قد يصل عدد القتلى الحقيقي إلى أرقام مهولة!
بيد أن الآلاف من المدنيين لقوا حتفهم على امتداد أكثر من 15 شهرًا من القتال المستمر في الموصل، في حين يقدر عدد الجرحى بأضعاف ذلك.
وبينما تمارس واشنطن غطرستها وأكاذيبها المعتادة حول فداحة أعمالها العسكرية مستغلة غموض الوضع الراهن وانكفاء القادة العرب والجامعة العربية من القيام بواجباتها بمحاسبة قوات التحالف وما تمارسه بحق المدنيين، حيث ترفض واشنطن تقبل الاتهامات وتقلب الطاولة على جمهور المشككين بنوايا التحالف المزعوم, فقد أنتقد التحالف الدولي تقرير منظمة العفو الدولية بشأن الأساليب التي استخدمتها قوات التحالف الذي يدعمها بقيادة واشنطن في الموصل، في حين اعتبرت أنها تشكل خرقا للقانون الإنساني الدولي وربما تصل إلى مستوى جرائم الحرب، ولكن من يتجرأ ويبدأ المحاسبة هنا يكمن السؤال المأساوي؟
فعندما تبرز واشنطن عضلاتها من فوق تلة من الجثث والأشلاء فيجب على ملتقط الصورة اختيار الزاوية المناسبة لإظهار واشنطن كحمامة للسلام بدون أي نقطة دماء!
عزيزي القارئ, يظن غالبية البشر بأن “أمريكا” دولة ديمقراطية وصانعة للسلام، إلا أن ارتكابها للجرائم باستمرار في العديد من الدول يكشف زيف أيديولوجيتها المعلنة البعيدة كل البعد عن صنع السلام الذي تزعمه. كما لا يقتصر الدم المسال خلف أثار عجلات المدرعات الأمريكية في الوطن العربي وحسب, فالتاريخ حافل بالجرائم والفظائع المرتكبة تحت ما يسمى العدل الأمريكي, فمن سوريا إلى العراق إلى أفغانستان إلى فيتنام إلى اليابان إلى مجازر الهنود الحمر، تدعي واشنطن القداسة والعظمة وتوجه فوهة البندقية نحو كل يدعو لمحاسبتها! والمثير للاشمئزاز هو قيام التحالف العربي الأمريكي لمواجهة الإرهاب في المنطقة العربية ومزاولة ملوك الخليج أقبح الرقصات في حضرة الرجل البرتقالي لنيل رضاه؟
لقد وصلت المهانة إلى حد أفاض الكأس العربي ومازال البعض يدافع عن القتلة بدل دفاعهم عن الضحية؟
وبحسب وجهة نظري وفي ظل الانحدار الرأسي الذي نمارسه (بكل طيب خاطر) فإن استمرت الأمور على هذا المنوال المرعب فسوف نستورد الأوكسجين المعلب من واشنطن بعد قيامها بتسميم غلافنا الجوي والأخلاقي والفكري!
ملاحظة:
نحن هنا نحاكم ولو أخلاقيا الولايات المتحدة وزعمائها السياسيين ولا نتطرق لمشاعر للشعب الأمريكي على الإطلاق، ومن كان يجهل المعنى فقصيدة “انتقاما للشهيدة” في شهر فبراير العام الماضي مازالت تجلب لي المتاعب وتضع في طريقي الفخ تلو الأخر فما بالك بمثل هكذا اتهامات!