- الفتوحات البحرية بين تخوف عمر وشرط عثمان - الجمعة _30 _أكتوبر _2020AH 30-10-2020AD
- الدين.. والعلاقات الدولية - الأحد _4 _أكتوبر _2020AH 4-10-2020AD
- من المستفيد من صراع مصر وتركيا؟ - الخميس _13 _أغسطس _2020AH 13-8-2020AD
فرنسا هي أكبر دولة مستفيدة من الصدام العسكري التركي المصري إن وقع، وفرنسا هي أكثر دولة تضررت من الأتراك في البحر المتوسط في تاريخ العلاقة بين الدولتين ومثلها أسبانيا والبرتغال وإيطاليا ثم اليونان، الأتراك هم الذين نقلوا بقايا المورسكيين من الأندلس إلى المغرب والجزائر وتونس ومصر والدولة العثمانية نفسها. والأتراك هم الذين طردوا الاحتلال الأسباني والبرتغالي من تونس والجزائر في القرن 16، بل ساعدوا المغاربة في الدولة السعدية في معركة وادي المخازن الشهيرة بفرقة عثمانية من الجزائر فسحقوا البرتغالي وقتل إمبراطورهم في أرض المعركة، وهم الذين أذاقوا كل هؤلاء الأوربيين هزائم مذلة وعديدة في بحر إيجة وقرب سواحل إيطاليا طوال عقود.
والأتراك هم الذين استغاث بهم المصريون لطرد نابليون والفرنسيين من مصر بعد ثورتيهم الأولى والثانية فجاءت مصر الأمداد العثمانية البحرية والعسكرية التي عجّلت مع أسباب أخرى طرد الفرنسيين من مصر والشام في 1801م، وكانت الفرقة الألبانية بقيادة محمد علي جزءا من هذه الأمداد للمصريين، وقد أدرك الفرنسيون أن نفوذهم في الأقطار العربية المطلة على البحر المتوسط مثل سورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب لن يتم لهم إلا بضرب العثمانيين وإشغالهم بأنفسهم؛ فماذا صنعوا؟
لقد تقربوا من محمد علي باشا والي مصر، وأدركوا بقراءتهم للتاريخ قوة مصر العسكرية منذ المماليك والأيوبيين والفاطميين وما قبلها، لأنهم كانوا على الدوام في القلب من المشاريع الصليبية الموجّهة للإسلام والمنطقة العربية، وأنها أي مصر القادرة على مواجهة تركيا، فكان الكولونيل سيف الفرنسي هو المؤسس الحقيقي للجيش المصري في زمن محمد علي وأحد أهم الخبراء الإستراتيجيين مع مجموعة أخرى، وبدءا من عام 1831توجه محمد علي وأبنائه للسيطرة على الشام وجنوب الأناضول، وانشغلت الدولة العثمانية بحروب محمد علي لمدة 10 سنوات، وفي هذه الفترة استغل الفرنسيون هذا الضعف العثماني لاحتلال الجزائر، ولا يمكن أن يكون هذا صدفة لأي قارئ للتاريخ العسكري والسياسي.
ثم في لحظات ترنح العثمانيين وخروجهم من هزيمة ثقيلة أمام الروس سنة 1878، كانت فرنسا تحتل تونس في 1881، ثم إنجلترا تحتل مصر في 1882، ثم لما انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، احتل الفرنسيون لبنان وسورية، والإنجليز فلسطين والعراق والخليج العربي الساحلي.
والخلاصة من كل هذا العرض، أن الأتراك عثمانيين كانوا أم مماليك من قبلهم كانوا أكبر شوكة في حلق الفرنسيين والإنجليز والإسبان والطليان طوال قرون وليس عقود، وقد حموا بدمائهم مع العرب المتعاونين معهم هذه المنطقة، وأدرك الفرنسيون أن بث العداوة بين الجانبين فكريا وعسكريا هو العامل الأهم لاحتلال الأقطار العربية وقد نجحوا في ذلك مع الإنجليز، والتاريخ جزء من تشكيل الواقع ولا شك.