من المعروف أن تاريخ الحركات الإسلامية في التاريخ الحديث والمعاصر لم يكتب بعد، والمنشور منه ليس إلا جزءا ضئيلا مما ضاع ومما يوشك على الضياع..
فأنصح كل أخ أن ينهل من كبار السن ما استطاع كي يحفظ تاريخا سينقرض ليس له من حافظ إلا صدورهم..
التقيت بأحد هؤلاء قدرا ومن غير تدبير، فحكى لي بعض مواقف مؤثرة عن الشيخ محمد يوسف هواش،
وهو ثالث ثلاثة أعدموا مع الشيخ سيد قطب والشيخ عبد الفتاح إسماعيل.
قال محدثي: كان هذا الرجل ينظر إلى الأرض من علٍ، كأنما ينظر من عالم الملائكة، لا يقيم وزنا لكل ما يحدث على هذه الأرض..
لما خرج ليسمع حكم الإعدام، كنا -كشباب حينها- نتعلق بالأخبار القائلة بأن بعض الناس سيتدخلون لمنع الحكم مثل عبد السلام عارف -رئيس العراق- أو الملك فيصل،
فقال لنا: إن الأمر كله بيد الله، وكل هؤلاء الملوك والرؤساء إنما هم كالذر في قبضة الله،
فإن رآنا الله أهلا للشهادة اصطفانا لها، وإن لم يرنا أهلا لها جرت فينا وفيهم مقادير الله.
ولما جاءته زوجته في محبسه، (وأثنى كثيرا على جهاد زوجته وصبرها وهمتها في الدعوة قبل وبعد استشهاد زوجها)
جلبت له مصحفا وقالت: اكتب عليه إهداء لابنتك سمية التي كان عمرها عامين في ذلك الوقت، فكتب الشهيد:
إلى ابنتي الحبيبة سمية:
إن قُدِّر لك أن تكبري وتقرأي هذا الكلام فاعلمي أن أمك قد طلبت مني إهداء لك على هذا المصحف وأنت قد بلغتِ العامين..
واعلمي يا ابنتي أن أباكِ الذي أسلم وجهه إلى الله لم يكن بالذي يرضى بما فيه قومه من الجاهلية،
واعلمـي أن الجاهلية هي ما لم يكن في هذا الكتاب وما لم يكن في كلام من نزل عليه هذا الكتاب.
ثم حكى لي محدثي هذا الموقف العظيم، ودمعت عيناه وتهدج صوته إذ يحكيه،
قال: وكان معنا في السجن رجل من العمال البسطاء، فجلس يوما وقال: الشيخ هواش هذا رجل عظيم، فقلت له: لمَ؟
فقال:
كان الشيخ هواش ونحن في طوابير التعذيب يدعو قائلا: اللهم اجعل هذا العذاب خالصا لوجهك ولا تجعل فيه نصيبا لأحد سواك.
قال محدثي وهو يكتم بكاءه:
كنت أحسب أن الإنسان يرائي في الصلاة أو في الصيام أو في الطاعات،
أما أن تبلغ حساسية الإنسان أن يتخوف من كون التعذيب الذي ينزل به فيه شبهة رياء فهذا ما لم أعرفه قبل هذا..
انتهى..
وكم في صفوف الحركات الإسلامية من كنوز مطمورة ضاعت بين حقد الأعداء والورع الكاذب للأبناء..
اللهم ألحقنا بالصالحين.
- محمد إلهامي يكتب: يحتاج هنا لفظًا قبيحًا - الخميس _26 _مايو _2022AH 26-5-2022AD
- محمد إلهامي يكتب: آخر ما عندي من الكلام في موضوع شيرين أبو عاقلة - الثلاثاء _17 _مايو _2022AH 17-5-2022AD
- محمد إلهامي يكتب: بعض من تاريخ مجهول - الثلاثاء _10 _مايو _2022AH 10-5-2022AD