النظم الأمنية -التي هي الأقل حرية والأكثر صرامة والأقسى عقوبات- لا تنجو من وجود ثغرات أمنية.. وهذه بديهية تعلمناها لأول مرة من روايات رجل المستحيل قبل أن نقرأها فيما بعد في مذكرات القادة.
ولذلك فمن الخطأ اعتبار أي نظام سياسي (الديمقراطية مثلا) أو اقتصادي (الرأسمالية العالمية = الشركات متعددة الجنسيات) نظما مغلقة غير قابلة للاختراق أو التعامل معها في المساحات المتاحة.. خصوصا في فترات الاستضعاف التي لا تملك فيها المواجهة!
وحينها لا يكون أمام «المنغلقين» إلا اعتزال هذه الأمور، والحق أن اعتزال هذه النظم مستحيل لأنها مؤثرة وفاعلة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
وإنما مآل «الاعتزال» أن تعتزل عن التأثير فيها مما يؤدي إلى الجهل بها..
بل يؤدي إلى استعمال المعتزلين في تحقيق أهدافها إن بجهلهم أو بالاضطرار (السلفيون نموذج مثالي لهذه الحالة)
لكن الخائضين في هذه النظم يضطرون لتقديم تنازلات شرعية ومبدئية وخرق ثوابت وربما ارتكاب نواقض للدين في سبيل التعامل مع هذه النظم، ثم هم لا يستطيعون إصلاحها..
فلا يصل الإسلاميون إلى الحكم عبر الديمقراطية، ولئن وصلوا تنازلوا ثم قد لا تنفعهم التنازلات فيُنْقَلَب عليهم.
المشكلة تعود إلى القوة العسكرية
وهذا صحيح لا شك.. لكن المشكلة ليست راجعة إلى هذه النظم في ذاتها بقدر ما هي راجعة إلى «القوة المسلحة» التي تمتلكها هذه النظم، وهذه القوة هي التي تجعلها دائما قادرة على احتواء الداخلين إليها من غير المرغوب فيهم، أو احتواء ما يحدثونه من مشكلات.. بمعنى أدق: القوة هي التي تجعل هذه النظم قادرة على تصحيح أخطائها ومعالجة ما ينفذ إليها من ثغراتها.
لا يستطيع أحد أن يبدأ من الفراغ، متخلصا من كل قوة وفارغا من كل ضغط.. كل حركة إصلاحية أو تغييرية تبدأ في واقع مثقل بالمشكلات.. ولهذا ليس يستطيع أحد أن يكون مثاليا ينفذ ما أراد في الوقت الذي أراد وبالشكل الذي أراد.
تعامل الحركات الإصلاحية مع النظم القائمة هو في ذاته نوع من التدافع، شرط أن تكون الثوابت واضحة لئلا تدخل الحركات في «الخداع» أو في «الذوبان»!
وهو أمر لا ينجو منه إلا من عصمه الله (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا)..
ويظل الإعداد لامتلاك القوة، ثم امتلاك السلطة، هو الهدف المفصلي الذي يجب أن تصل إليه أي حركة إصلاحية وإلا تحولت لمجرد نظرات فلسفية لا أثر لها في الواقع!
فلئن رضي المرء لنفسه بموقع الفيلسوف.. فساحة الفلسفة واسعة، تسع الأحلام والخيالات والمثاليات، وما ورائها من الأساطير والخرافات والتوهمات.. ثم تظل بعد هذا كله واسعة أيضا.
- محمد إلهامي يكتب: الإسلام الذي لا تطيقه الجاهلية - الأحد _7 _أغسطس _2022AH 7-8-2022AD
- محمد إلهامي يكتب: في ذكرى الهجرة - السبت _30 _يوليو _2022AH 30-7-2022AD
- محمد إلهامي يكتب: الجبرتي والفرنسيس.. والرحمة بالحيوان؟! - الأثنين _25 _يوليو _2022AH 25-7-2022AD