إذا حاولنا تتبٌّع الأخطاء والسَّقطات التي وقع فيها المستشرقون المنصفون، أو من تبعهم من الباحثين والأكاديمَّيين في الغرب، فلوبَّما ينبغي علينا أن نستعبدَ أسباباً ونستقرب -لو صح التعبير- أسباباً أخرى
استبعاد المؤامرة
إنَّ صدور كتب المستشرقين باللغات الغربيَّة ابتداء، وعدم قيام الدَّوائر الغربيَّة بمجهود يذكر في أمر ترجمة هذه المُؤلفات إلى اللغات الإسلاميَّة، يحملنا على استبعاد تهمة المؤامرة على المسلمين ونيَّة التغرير بهم، وتشويه الإسلام في نظرهم، والذي يؤُيد هذا أنَّه منذ تطور الاستشراق نحو أن يكون بحثًا علميًّا جادًّا كان العالمَ الإسلامي وحتَّى الآن في عصر الاستعمار، ثم في عصر الهيمنة الغربيَّة حتى الآن، فما كان شيء ليضطر أحدهم أن يُراوغ ويناور ويخادع؛ لكي يتقرب من المسلمين، ثم ((يَدُسُّ لهم السُّمَّ في العسل))، فالمستهدف من جُلِّ كتابات المستشرقين، ومن كل كتابات المنصفين-تقريباً- هم الشُّعوب الشّعوب الغربية ابتداء، وانتهاء كذلك.
وما يُؤكد هذا لدينا أن كثيراً منهم -أعني: هؤلاء المنصفين- نرى من كتاباته وسيرته ما ينسف فكرةَ أنَّه ((يدس السُّمَّ في العسل))،
أو فَعَلَ هذا ليروج بكلامه بين المُسلمين مخادعًا منطويًا على غرض٠فإنَّ بعضهم قد أشهر إسلامه بالفعل؛
مثل: كليوبولد فايس(( محمد أسد))، وأتيين دينيه ((ناصر الدين))، وموريس بوكاي ((الذي فضَّل ألا يغير اسمه؛ لأنَّ الغرب لا يتقبل كلامًا ممن اسمه محمد، أو مصطفى، أو عبد الهادي)).
وبعضهم ترجح الكثير من القرائن والمعلومات أنَّ أسلم دون أن يُعلن هذا: كأنا ماري شيمل، وليو تولستوي.
وغالبيتَّهم كانوا يُقدِّمون كُتُبهم التي تنصف الإسلامَ ونبيه وحضارته بما يشبه التَّمهيدات، التي تُحاول أن تراوغ العقل الغربي، وتقنعه بأنَّ الإسلام ليس سيِّئًا كما يتصور، مونتجمري وات الذي قال :(( أدركَ الناسُ منذ زمن أنَّ الكُتًّاب المسيحيين في العصر الوسيط خلقوا صورةً الإسلام، هي صورة شائهة من وجوه عديدة، غَيْرَ أنَّ حهودَ الباحثين خلال القرن الأخير قد مهَّدت السبيل؛ من أجلِ تكوين صورة أكثر موضوعيَّة له في عقول الغربييَّن، ومع ذلك فإننا- معشر الأوربييِّن- نأبى في عناد أن نقرَّ بفضل الإسلام الحضاري علينا)).
وكذلك بودلني الذي قال (( وإنَّه لمن الغريب أنْ نلاحظ، دون أسباب ثابتة وطيدة، أن هناك سوءَ فَهْم عام لمحمد، أكثر من أيِّ مُؤسس آخر من مؤسسي الديانات العظمية)).
ومايكل هارت الذي اختار محمدًا- صلى الله عليه وسلم- ليكون أعظم عظماء التاريخ في كتابه، فقدَّم دفاعًا سابقًا عن اختياره، وقال:(( لقد اخترت محمدًا- صلى الله عليه وسلم- في أول القائمة، ولا بُدَّ أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ولكن محمدًا ﷺ هو الإنسان الوحيدُ في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقًا على المستوى الديني والُّد نيوي)).
ومنهم مَن تَحايل في أعماله الأدبيَّة والفنيَّة، واستعملَ الرَّمْز والمعنى والإيحاء كبرناردشو.
ومنهم من اضْطُهِدَ وأُوذِيَ، وعاش بائسًا؛ لأنَّه لَمْ يُوافق اللاهوتِّيين على آرائهم بشأن الإسلام ومحمد؛ مثل: جوهان رايسكه.
وأخيراً:
فمنهم من اعترف بقصوره وخطئه، مثل: آربري الذي قال للدكتور مصطفى السباعي:(( إنَّنا- نحن المستشرقين- نقعُ في أخطاء كثيرة في بُحُوثنا عن الإسلام، ومن الواجب إلَّا نخوضَ في هذا الميدان: لأنكم -أنتم المسلمين- العرب أقدرُ مِنَّا على الخوض في هذه الأبحاث))٠
إذًا؛ فالبيئة الغربيَّة والمزاج الغربي، هو إلى الآن- تقريباً- لا يكاد يقبل ثناءً على الإسلام، ومدحًا لنبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- مما اضطر كل منصف إلى ما استطاع من تحايل)) ؛ لكي يوصِّل فكرته، وقد كان أسهل له وأيسر وأمكن لو مشى في التيَّار، ومن كان هذا حاله، ثُمَّ وجدنا عنده ما لا نقبله من آراء، أو ما يصادمنا من أفكار، فلا يُقبل مِنَّا توقُّعُ أنَّه يتآمر أو يُخادع أو يتظاعر؛ ((ليدس السُّمَّ في العسل))، وما هذا برأي ،لا بميزان البحث العلمي ولا بميزان الإسلام، الذي يقدم حسن الظَّن،
ويفترض بالناس البراءة أصلاً
وإنَّنا نرى أن الأقربَ إلى المنهج الإسلامي والمنهج العلمي أنَّ هناك أسبابًا أخرى غير المؤامرة وسوء النية وأهمها… يتبع
- محمد إلهامي يكتب: مصر.. بلد شريف، كثير الصالحين والمتعبّدين - الجمعة _24 _مارس _2023AH 24-3-2023AD
- محمد إلهامي يكتب: النعمة العظمى في حياة الإنسان - الخميس _23 _مارس _2023AH 23-3-2023AD
- محمد إلهامي يكتب: «إشكاليات تفسير الأخطاء» - الأربعاء _15 _مارس _2023AH 15-3-2023AD