«إشكاليات تفسير الأخطاء».. «أنهم يُخطِئون»
وخطؤهم يرجع لأسباب عِدَّة، منها ما هو مَقبول، ومنها ما لا نقبله؛ بل منها ما نحن مسئولون عنه، وأهم تلك الأسباب:
أنَّهم بشر
والبشر يخطِئون، وما في الدنيا معصوم إلَّا أنبياء الله ورسله، وإنَّنا لنستطع رَصْد أخطاء فادحة لبعض المستشرقين الذين أسلموا بالفعل،
وتعرَّضوا في سبيل هذا لمصاعب شتَّى، ونحن المسلمين الذين لَم يَعرٍف ديننا الكهنوت،
واحتكار تفسير النصوص المقدسة أحرى الناس أن نتفهم هذا، فلا يكاد إلَّا أن يكون لكل عَلَم من أعلامنا انفرادات وعجائب وغرائب،
فلا أخطاؤهم نزلت بهم عن مرتبة العلم والإمامة، ولا رأى أحدٌ فيها سوء نية٠
ومن أمثلة هذا الخطأ ما وقع فيه ليوبولد فايس اليهودي النمساوي، الذي أسْلَم وتَسَمَّى بـ((محمدأسد))،
وكتب كتبًا ماتعة، مثل ((الطريق إلى مكَّة)) و((الإسلام في مفترق الطرق))،
نراه يخطئ أخطاء فادحة،ولولا ماعرفناه من سيرته لاَّتهمنا نواياه.
«إشكاليات تفسير الأخطاء».. «أنَّهم ليسوا مسلمين»
وهذا يعني أنَّهم لا يؤمنون بربانيَّة القرآن، وأنَّه كان وحيًا من السماء، وهذا يدفع باتِّجاه سد الثَّغرة التاريخيَّة بالتحليل والتقريب العقلي،
فإذا كان القرآن يتحدَّث عن أنبياء سابقين، ويدعو لنفس القيم الأخلاقيَّة الموجودة بالتَّوراة والإنجيل،
فلا بدَّ أن محمدًا ﷺ استقى بعضَ هذا أو نتَفًا منه من أهل الكتاب الذين وجِدوا في جزيرة العرب،
أو الذين يحتمل أن يكونَ لَقِيَهم محمد ؛ إذ كان يتاجر في بلاد الشام.
وإنَّ هذا ليس مقام تفنيد ذلك الكلام، وإنَّما مقام إيضاح أنَّ المستشرق القائل بهذا لا يكون بالضرورة شريرًا حاقدًا مُشوِّهًا للإسلام؛
بل هو تحليل ومُحاولة لتفسير كيف أنَّ محمدًا ﷺ علم هذا وقاله في القرآن،
وقِسْ على مثل هذا الكثير من الأخطاء الناتجة من محاولة التفسير والتَّحليل لما لا تفسيرَ له،
إلَّا أن يكونَ القرآنُ وحيًا من عند الله، والإسلامُ دينًا نَزَل من السَّماء، ومحمد رسولَ اللّٰه حقًّا.
ولأنَّهم ليسوا مسلمين فهم يَرَوْن أنَّ النبي بشر، والخطأ عنده وارد، وبعض أعماله «يصعب تقبلها»
والاقتباس من كتاب «سيرة النبي محمد» الإنجليزية كارين أرمسترونج، وهو قطعة من الجَمَال والحب للنبي، ومن أروع ما كتبه الغربيُّون في السيرة.
ولأنَّهم ليسوا مسلمين، فالقرآن عملٌ بشريٌ، وقد يرى أحدُهم أنَّ المسلمين تخلَّفوا ؛ لأنَّهم لم يطوِّروه بما يناسب العصر.
ويجدُر التنبيه إلى أنَّ آخرين منهم فنَّدُوا مثل هذا،وردَّه بعضُهم على بعض، حتَّى ما يكاد موقف إلَّا تجد فيه مَن أنصف ؛
بل لقد جَمع الأستاذ محمد شريف الشيباني سيرة النبي من كتُب المستشرقين في كتابه «الرسول في الدِّراسات الاستشراقية المنصفة».
«إشكاليات تفسير الأخطاء».. «لم تكن لنا هداية»
وهذا سببٌ ذهبي أخبرنا به سيدنا عمر حين تَحدَّث عن خرافات الجاهليَّة، فقال:« كانت لنا عقولٌ،ولَم تكن لنا هداية»، وهو ما عبَّر عنه الشاعر بقوله:
وَلَربَّمَا ضَلَّ الْفَتَى طرُقَ الْهُدَى ::: والشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَهَا أَنْوَارُ
إنَّك تجد كثيراً في كتُب المستشرقين المنصفين ما يثيرُ الذّهُول من رَدِّ الباطل وتفنيده، والدِّفاع عن الحقِّ وتأييده،
حتَّى يخيلَّ إليك أنَّه سيعلن إسلامه في السَّطر القادم، فلقد فندَّ كل مامن شأنه أنْ يشكك في نبُوة محمد، وربانية القرآن، وعظمة الإسلام، وتفوُّق الحضارة الإسلاميَّة،
فما تلبث أنْ تفاجأ بأنَّه يطرح تفسيراً في غاية التهافُت والضَّعف لا يكاد عقل الطفل يستسيغة٠
فهنري دي كاستري يوقن بصدق محمد المطلق، ولكنَّه يقول:
«وأوَّلُ مادار البحث فيه مسألة صدق النبي ﷺ في رسالته، وقد قلنا: إنَّ ذلك الصدق متَّفق عليه بين المستشرقين والمتكلمين على التَّقريب،
ومعلوم أنَّ لا ارتباط بين هذه المسألة وبين كون القرآن كتابًا منَزَّلًا من عند الله- عزِّ وجلًّ-
ولسنا نحتاجُ في إثبات صدق محمد ﷺ أكثر من إثبات أنَّه كان معتنقًا لصِحَّة رسالته وحقيقة نبُوَّته».
ونجد توماس كارلايل- الذي يؤرخ البعض بأنَّ كلامه عن محمد ﷺ كان مرحلة فاصلة؛
بدأ الغرب بعدها يرى أنَّ في الإسلام شيئًا حسنًا، بعد أن يفند شبهات الاقتباس من أهل الكتاب،
ويؤكد أنَّ أصيل لم يأخذه محمد عن أحد، نجده يرجع كل ذاك للنفس العظيمة والرُّوح العظيمة والعقل العظيم، وكل ذلك كان لمحمد ﷺ يقول:
«وقد أتخيَّل روح الحادَّة النارية، وهي تتململ طول الَّليل الساهر، يطفو بها الوجد ويرسب،
وتدور بها دوَّامات الفكر حتَّى إذا أسفرت لها بارقةُ رأي، حسبته نورًا هبط من السَّماء،
وكل عَزُ مقدس يهمُّ به يَخالُه جبريل ووحيه، أيزعُم الأفَّاكون الجهلة أنِّه مشغوذ ومحتال؟ كلاَّ ثم كلاَّ».
- محمد إلهامي يكتب: «إشكاليات تفسير الأخطاء» - الأربعاء _15 _مارس _2023AH 15-3-2023AD
- محمد إلهامي يكتب: «إشكاليات تفسير الأخطاء» - الأربعاء _8 _مارس _2023AH 8-3-2023AD
- محمد إلهامي يكتب: أعسر الكلام في منع طالبان النساء من العَلَامِ - السبت _4 _مارس _2023AH 4-3-2023AD