لاشك أن أهم ما يميز لبنان الآن هي الهشاشة الاقتصادية التي تسيطر على المؤشرات العامة للبلاد، إلا أنه ورغم هذه الهشاشة، وقع الرئيس اللبناني ميشال عون قانوني زيادات أجور القطاع العام والزيادات الضريبية المرتبطة بها، اليوم الاثنين، في خطوة تثير قلق قطاع الأعمال.
وتشير التقارير المالية للدولة اللبنانية إلى أن كتلة الأجور في القطاع العام أصبحت خطرًا كبيرًا على المالية العامّة، حيث تُشير الأرقام الى أن هذه الكتلة إرتفعت من 3483 مليار ليرة لبنانية في العام 2007 (أي 41% من إجمالي الإيرادات) إلى 7284 مليار ليرة لبنانية في العام 2016 (49% من إجمالي الإيرادات). بمعنى أخر تضاعفت كتلة الأجور في القطاع العام خلال ثمانية أعوام.
ولكن بالرغم من ذلك جاء قرار رفع الأجور في خطوة يعتبرها المحللون سياسية، إذ قد تساعد الساسة في كسب الدعم قبيل الانتخابات البرلمانية العام المقبل.
وكان عون أجل توقيع القانونين منذ موافقة البرلمان عليهما في الشهر الماضي وسط مخاوف لديه ولدى قطاع الأعمال من تأثير زيادة الضرائب على الاقتصاد اللبناني الهش.
وقال وزير المالية علي حسن خليل، أحد مؤيدي القانونين، لرويترز اليوم، إن إقرار القانونين “له انعكاس إيجابي على الاستقرار الاجتماعي ويساهم في تأمين التوازن نتيجة الإجراءات الضريبية والاصلاحات والتكلفة المقدرة هي 1380 مليار ليرة (920 مليون دولار) مقابل 1650 مليارا (1.1 مليار دولار)” من الزيادة الضريبية.
لكن نسيب غبريال كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني قال إن من الصعب جدا قياس حجم التكلفة “لأننا لا نعرف عدد الموظفين في القطاع العام”.
وأضاف “من الصعب أيضا تقديم أرقام حقيقية يمكن الاعتماد عليها بشأن حجم رواتب القطاع العام”.
وظل قانون أجور القطاع العام قيد النقاش لسنوات.
وقال غبريال إن القطاع العام يحتاج “إصلاحات أساسية وعميقة” قبل زيادة الرواتب وإلا فسيسفر القانون الجديد عن “إعادة توزيع كبيرة للدخل… في قطاع متضخم وعديم الكفاءة وغير منتج بدرجة كبيرة”. وزاد القانون ضريبة القيمة المضافة بمقدار نقطة مئوية واحدة إلى 11 بالمئة ورفع ضريبة الشركات إلى 17 بالمئة من 15 بالمئة.
ورغم أن زيادة رواتب القطاع العام ستلقى ترحيبا من موظفي الدولة فإن الزيادات الضريبية المقترحة أثارت عدة احتجاجات في العام الحالي. ونظم بعض موظفي القطاع العام احتجاجا في الأيام الماضية وطالبوا عون بتوقيع القانونين.
ويقول العديد من خبراء الاقتصاد إن لبنان ينبغي أن يركز أكثر على مكافحة التهرب الضريبي بدلا من ضرائب جديدة لتمويل زيادة رواتب القطاع العام.
ورجح غبريال أن يكون الساسة قد وافقوا على القانونين بعد أعوام من النقاش “لأننا نقترب من موعد الانتخابات البرلمانية”.
ويجري لبنان انتخابات مؤجلة منذ وقت طويل في مايو 2018 بعد موافقة الحكومة على قانون انتخابات جديد حال دون أزمة سياسية كبيرة. ومد نواب البرلمان فترتهم مرتين منذ انتخابهم في 2009 لفترة كان من المفترض ألا تتجاوز الأربعة أعوام.
يبدأ العمل بالقانونين الجديدين فور نشرهما في الجريدة الرسمية. ورأس عون اجتماعا لرموز القطاعين العام والخاص في الأسبوع الماضي لمناقشة النقاط المثيرة للجدل في القانونين.
جدير بالذكر أن البلاد تقوم بإصدار سندات خزينة لسدّ حاجاتها الإنفاقية وعلى رأسها كتلة الأجور، وبالتالي يتحوّل عبء كتلة الأجور إلى دين عام يتحمّله الشعب اللبناني لدفع أجور 250 ألف موظف في القطاع العام (هذا الأمر لا يُلغي أحقية الموظفين بسلسلة الرتب والرواتب).