ليس هناك أكثر لصوقًا بمتون الدين حفظًا وطسًّا وقصًّا من السلفيين بفروعهم، لا سيما نشء آل نجد، ورغم ذلك عندما جاء الاختبار العملي لمدى تأثير احتضان الظاهر من الآيات والسيرة وقصص السلف على تلك النفوس،
كان غالب منتمي النموذج السلفي أقرب للهاوية وأكثرهم جبنًا وخواء، فالتلقين والحشو والحشر «عمال على بطال»
لم يغنوا شيئًا ولم يصنعوا نفسًا قادرة على تمييز النظافة من الوساخات.
وكانَ المسرحي الكبير محمد صبحي والسيناريست وحيد حامد نموذجين قويين للرشاد الفني وشجاعة الطرح،
فإظهار الجانب القيمي وتعميقه كان فاعلًا لدى الأول لدرجة الخطابة، والصيحة السياسية ولمز النظام كان حاضرًا لدى الثاني،
لكن عند الاختبار العملي لشخوصهما ومدى انعكاس أفكارهما التي قدماها تمثيلًا
وكتابة كانا أكثر لصوقًا ببيادة الظالم وحملا للصاجات على مسرح العفن، وقس عليهما العشرات.
وكان اليسار المصري بفروعه أكثر الشرائح تمثيلًا للثورة والتثوير والعدالة والتنوير،
وملأوا الدنيا صراخًا وكتابة وخطابة عن العدالة والحق،
لكن عندما جاءت اللحظة المناسبة لاختبار الشعارات كان أغلبهم في طابور القتلة واللصوص على حساب المنكوبين الفقراء.
وكَان الإخوان المسلمون أكثر أهل الأرض اهتمامًا بالتربية وتغذية الأخوة والتعاضد والمحبة، وعندما جاءت صاعقة الانقلاب صمدوا في السياسة بشرف،
لكن انهارت جدران التربية على رؤوس الكثيرين ولم تستطع محاضن العقود الطويلة أن تشفي النفوس العليلة، بل ظهرت بلاءات فتنت الآلاف.
ربما يكون من التنظير المكرر أن نقول إن ساعة الاختبار هي التي تحدد مصائر الأفكار،
لكن الأهم من التنظير هو أن يدرك العامل المصلح أن الاختبارات تُعاد والفرص تتكرر
والفتن تعرض على القلوب كالحصير فمرة ينكرها القلب ومرة يُشربها،
وصاحب الهمة من تعلمه التجارب ويحيك من فشله الجزئي ثوب نجاحه الباهر،
ويدرك أن دورات التاريخ ناموس من نواميس الكون،
وأن الأيام تداول الفرص بين الناس، وأن المصلح الحصيف من تجاوز زلات الزمان والفرص الضائعة، وفتح كفيه ليتلقف فرصته القادمة، فهي حتمًا قادمة..
- كارم عبد الغفار يكتب: مصطفى درويش نموذجًا - الأربعاء _10 _مايو _2023AH 10-5-2023AD
- كارم عبد الغفار يكتب: سعد نبيهة؟! - الثلاثاء _25 _أبريل _2023AH 25-4-2023AD
- كارم عبد الغفار يكتب: فنجان قهوة يوفر كثيرًا من الخطب - الأثنين _19 _ديسمبر _2022AH 19-12-2022AD