بعد عزل الرئيس مرسي، والذي أتبعه انقسام حاد ليس في الشاعر المصري فقط، بل في كل الوطن العربي، ونستطيع القول أن هذا النزيف وصل حتى الدول الإسلامية غير العربية، وهذا لمكانة مصر في العالم الإسلامي، ولأن الرئيس مرسي، أحد رجال -الإخوان المسلمون-، الذين لهم وجود في أكثر من ثمانين دولة، وطبيعي هذا الانقسام، الذي كان سببه الأول: الانقسام الكبير في النخبة في مصر، ولكن الجزيرة اختارت أن تكون مع ثورة يناير، ومع الرئيس الذي جاءت به الثورة، ولكن الذين عارضوا الرئيس مرسي وجماعة الإخوان انضموا لأعداء ثورة يناير، ووقفوا ضد الجزيرة، وتبدأ أسهم أعداء الجزيرة تزداد، ثم الآلة الإعلامية الكبرى تغتنم الفرصة، وتبدأ تستضيف رجال ثورة يناير الذين أصبحوا ضد الرئيس مرسي، وتتقوى أكثر فأكثر فكرة المؤامرة والجزيرة العميلة، وبالرغم من تلك الكوادر العظمى عند الجزيرة إلا أنها كادت أو قاربت أن تستلم، وتضع سلاحها، أمام الهجمة الكبرى التي تعرضت لها، ولم يكن برنامج (نحن الجزيرة) كافيا في الدفاع عنها، بالرغم من أن الجزيرة كشفت تقريبا السيرة الذاتية لكل مقدمي برامجها، وأدخلت المشاهد العربي لبيوتهم، وأطلعتهم على كثير من خصوصياتهم، وإن كانت الجزيرة ليست في حاجة لهكذا تبرير.
مثلما المشاهد ليس في حاجة لهذا، لأن الهارب لا يرده شيء، كذلك من ترسخت له فكرة المؤامرة، حتى لو أطلعته الجزيرة على كل شيء قبل بثه، فلن تزيل من أخيلته عمالتها التي أصبحت جزءا مِن هُوِيَّة الجزيرة في عقله الباطني، أما المشاهد المؤيد، فليس بحاجة، أو ما هي الفائدة التي يخرج بها لما أعرف من هي المقدمة فلانة أو المقدم فلان، والجميع يعلم أن كل قناة في العالم لها سياستها الخاصة بها، وما المقدمين إلا موظفين، ولهم خط مرسوم لا يستطيعون الحياد عنه قيد أنملة، ودليل ذلك المقدمين الذين قدموا استقالتهم من قبل لأسباب لا داعي لذكرها.
تشعر في هذا البرنامج (نحن الجزيرة)، وكأن الجزيرة تستصغر عقل مشاهديها، وهي تعلم أنه لا يتابعها إلا النخبة.
وفي ليلة مريبة، وخلال ساعتين فقط، بعد حركة غير عادية، يخرج أول بيان من مجموعة عسكرية في تركيا، تعلن من القناة الرسمية (TRT)، عزل الرئيس التركي، وإعلان حالة الطوارئ، وفرض الأحكام العرفية، ودخول البلاد في عصر جديد، وتبدأ القنوات العربية عامة، والمصرية خاصة، تشيد بالنجاح الكبير الذي حققه أبطال الجيش التركي، ضد الطاغية أردوغان، وتعالت صيحات وأهازيج الفرح من القنوات العربية (أعداء الربيع العربي)، وتطل تلك الأفاعي من جحورها، معلنة نيتها الحقيقة، وتظهر للعلن حقيقة القوم، من هم وماذا يريدون.
ولكن بقدرة قادر، وبرسالة أقصر من القصيرة، عبر قناة خاصة، يَهُزُّ الرئيس التركي وجدان الشعب التركي، ويخرج الشعب في هبة غير عادية، وقبل أن يشرق الصباح على مدينة إسطنبول، ينتصر أردوغان على الانقلابيين.
ومن هنا تجد الجزيرة فرصة لا نظير لها في الانتقام من قنوات الثورة المضادة، وتبدأ تنتصر لأردوغان، ومظهرة قادة الانقلاب بأنهم الخونة، والعملاء، ويكفيهم أن قائدهم وزعيمهم الروحي يخاطبهم من بلاد الشيطان الأكبر (الأمريكان)، والذي اتُّهِمَ مرسي بأنه كان عميلا لهم، وتَسْنَحُ الفرصة للجزيرة، وتظهر القدرة الحقيقة للشخصيات المؤطرة في تلك القناة المميزة، حيث أرغمت أنف القناة التي كانت تصفها بأنها عميلة للأمريكان التراب، -وتظهر للعلن مرة أخرى، أن الجزيرة هي الوِّعَاء الحقيقي لِلْوعِي العربي-.
واتخذت من الخطابات النارية لأردوغان مدخلا، خاصة في التلميح لدول الثورة المضادة، والتي كَادَ أردوغان أن يسمها دولة تلو الأخرى.
خيبة أمل كبيرة لدى قنوات الثورة المضادة، وانتصار متكامل لقناة الجزيرة، ولكن هذا كله لا يكفي، فمثلا، أحد أكبر مقدمي البرامج في القناة يقدم استقالته أيام الربيع العربي، واصفا الجزيرة بأنها ليست حياديةً مع الربيع العربي، حيث انحازت للنظام في البحرين، ضد الثورة، ما يعطي انطباعا أن الجزيرة مع الثورة في بلاد، وضد حرية الشعوب في بلاد أخرى، ودائما يتهمونها إن كانت منحازة كما تزعم، فلما لا تتكلم على الظلم والتهميش الذين يتعرض له بعض الأقليات في الخليج، وعن الفساد السائد هناك، ولكن لا جواب من القناة إلا الصمت.
يتبع.
- عنتر فرحات يكتب: نفوذ أمريكا ونظرية قريش في السيطرة الناعمة - الأحد _29 _يناير _2023AH 29-1-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نظرية قريش السياسية والألغارشية العالمية اليوم - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: البيان العربي وقناة الجزيرة الإعلام الغربي - الأربعاء _25 _يناير _2023AH 25-1-2023AD