السلطان عبد المجيد الأول (1823م – 1861م)
خليفة المسلمين وسلطان العثمانيين: (1839م – 1861م)
الميلاد: 25 أبريل 1823م، إسطنبول
الوفاة: 26 يونيو 1861م (38 سنة) إسطنبول
سبب الوفاة:
توفي السلطان عبد المجيد بمرض السل (مثل والده) عن عمر يناهز 38 عامًا في 25 يونيو 1861م، في إسطنبول، ودفن في مسجد يافوز سليم، وخلفه أخوه الأصغر غير الشقيق السلطان عبد العزيز.
- عبد المجيد الأول بن محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.
هو خليفة المسلمين الثالث بعد المائة، وسلطان العثمانيين الحادي والثلاثين والثالث والعشرين من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة.
تولى السلطنة وله من العمر 16 عامًا وثلاثة أشهر؛ تمكنت الدولة في عهده من الانتصار في حرب القرم، واستعادة سوريا العثمانية من حكم محمد علي باشا، وأدخل إصلاحات عديدة في القوانين العثمانية، وقوّى سلطة الحكومة المركزية مقابل انحلال الولاة السابق، سيرًا على نهج أسلافه بدءًا من سليم الثالث الإصلاحي؛ بنى قصر طولمه بهجة، واتخذه مقرًا لحكمه، كما رمم المسجد النبوي في المدينة المنورة.
ولد السلطان عبد المجيد الأول في قصر الباب العالي يوم 25 أبريل 1822م، كأكبر أولاد السلطان محمود الثاني، وتلقى التعليم الأوروبي وكان يجيد اللغة الفرنسية في حين يجري المهتمين في الأدب والموسيقى الكلاسيكية وكان من دعاة الإصلاحات مثل والده السلطان محمود الثاني.
المسألة المصرية
تولى عبد المجيد السلطنة وهو يبلغ من العمر ستة عشرة عاماً عام 1839م، بعد وفاة والدهِ، وكانت أحوال الدولة في غاية الاضطراب حينها، وبعد انتصار جيوش محمد علي باشا في معركة نصيبين، وانضمام الأسطول العثماني بقيادة أحمد باشا إلى محمد علي ورسوّه في ميناء الإسكندرية، وكانت أولى أعمال السلطان توجيه الصدارة العظمى إلى خسرو باشا، وهو والي مصر السابق؛ ثم موافقته في 28 يوليو 1839م، على الاتفاق مع الحلفاء حول “حل مشترك” للمسألة المصرية مع الدول الأوروبية، غير أن الخلاف بين فرنسا وبريطانيا قد أعاق التوصل لاتفاق سريع.
في 15 يونيو 1840م، اتفقت الدول الأوروبية مع الباب العالي على إرجاع محمد علي باشا إلى حدود مصر مع احتفاظه بالقسم الجنوبي من بلاد الشام عدا عكا طوال حياته؛ ثم عادت وألغت هذا الاحتفاظ نتيجة رفض محمد علي الانسحاب سلمًا من الولايات السورية العثمانية، كما استقرت فرق من جيوش النمسا وروسيا وإنجلترا في إسطنبول لحمايتها في حال هجوم جيش إبراهيم باشا على العاصمة.
في بداية أغسطس 1840م، بدأت ثورات وانتفاضات ضد حُكم إبراهيم باشا في الشام، وحاصر الأسطول الإنجليزي الساحل السوري، وفي 14 أغسطس انسحب المصريون نحو حصون الداخل وأجبروا على الانسحاب نهائيًا في ديسمبر 1840م. وعيّن السلطان (سليمان باشا)، حاكمًا عسكريًا للولايات السورية منعًا للانفلات الأمني والاقتتال الطائفي وهجمات البدو على الحضر. كما أجبر (محمد علي) على رد الأسطول العثماني الراسي في الإسكندرية.
في 14 يناير 1841م، أصدر السلطان فرمانًا أولاً بتولية (محمد علي) على مصر مع وراثة أولاده، وفرض ربع إيرادات مصر كجزية للباب العالي، وعيّن لجنة مالية لإدارة الاقتصاد المصري؛ كما حدد سقف عدد الجيش المصري بثمانية عشر ألف جندي دون امتيازات خاصة في اللباس أو الرتب التي يعين السلطان درجاتها العليا، كما أقر الفرمان سلسلة تقييدات أخرى. غير أنه عاد ومنحه في 13 فبراير 1841م، ولاية النوبة ودارفور وكردفان وسنار، وفي 19 أبريل أصدر فرمانًا ثالثًا بناءً على وساطة إنجلترا يخفف الشروط السابقة، ومنها التنازل عن ربع الإيرادات مقابل خراج معلوم.
من خدماته الإنسانية الشهيرة
في عام 1845م، ضرب مرض اللّفحة المتأخرة محاصيل البطاطا في ايرلندا مما تسبب بهلاك محصول البطاطا الذي كان أغلب الفقراء هناك يعتاشون عليه فحدثت أكبر مجاعة في تاريخ أيرلندا راح ضحيتها أكثر من مليون أيرلندي، ما بين عامي 1845م-1852م، وانخفض عدد سكان أيرلندا إلى الربع تقريبا نتيجة للموت أو الهجرة. فوصلت أنباء تلك المجاعة للسلطان عبد المجيد الاول فأمر على الفور بإنقاذ فقراء أيرلندا فقرر إرسال مبلغ 10000 جنيه إسترليني لنجدة فقراء الأيرلنديين واعتبر ذلك المبلغ ضخما وقتها، إلاّ أن السلطان لم يتمكن من إرسال المبلغ كامل لأن الملكة فيكتوريا تبرعت بألفي جنيه ولا يمكن لأحد التبرع بأكثر من ذلك فقرر أمير المؤمنين عبد المجيد الأول التبرع بألف جنيه نقداً إلى فلاحي أيرلندا. وأرسل ببقية المبلغ خمسة سفن إلى أيرلندا في عملية إغاثة عاجلة، فأبحرت السفن من اسطنبول ووصلت أيرلندا محاولة الرسو في ميناء بلفاست و كورت سيتي، لكن البحرية البريطانية اعترضت السفن العثمانية و منعت رسوّها. لتقوم البحرية العثمانية بالالتفاف سرا في ظلام الليل وتقوم بالرسو في ميناء صغير يُدعى دروغيدا، ليتفاجأ فقراء الأيرلنديين بإنقاذ الدولة العثمانية لهم بعد أن كادوا يعانون الجوع والألم. و كتكريم لها وتقدير لجهودها اعتمد فريق درودا يونايتد لكرة القدم شعار الهلال والنجمة الخاص بالخلافة العثمانية.
خط كلخانة
بعد أن أنفق سلاطين الدولة منذ مطلع القرن التاسع عشر جهدهم في إصلاح الجيش المركزي للدولة، اتجه السلطان عبد المجيد الأول لإدخال إصلاحات مالية وإدارية، إلى جانب إصلاحات اجتماعية في حقوق المواطنين العثمانيين، وأولى هذه الخطوات كانت خط كلخانة، ويتصف بكونه وثيقة حقوق، أعلنه السلطان بعد نحو ثلاثة أشهر من توليه السلطة يوم 3 نوفمبر 1839م، وتولى إعداده وإذاعته في حفل رسمي الصدر الأعظم مصطفى رشيد باشا، من الساحة القائمة أمام قصر كلخانة، وكان الفرمان معنونًا باسم التنظيمات الخيرية؛ وجد بعض المؤرخين أنّ الإصلاحات قامت بها الدولة العثمانية تحت ضغط الغرب وفي محاولة لاستمالته، بكل الأحوال فإن الرغبة في الإصلاح واضحة لدى السلاطين، من ناحية كونها حاجة أكثر من كونها “إرضاءً للغرب” كما صرّح عدد من المؤرخين، كما يستدل على ذلك من خلال تعيين الدولة لموظفين خاصين بالطوف على الولايات، في الأرياف والمدن على اختلافها، لمقابلة السكان مباشرة وإفهامهم فحوى فرمان كلخانة، والإصلاحات اللاحقة، وهو ما “قابله السكان بمنتهى السرور”. أما أبرز الإصلاحات التي أدخلت إلى الدولة بموجب الفرمان:
منح مواطني الدولة العثمانية الأمان على النفس، والأملاك، والعرض؛ وضمان الحرية الشخصية؛ ومنع المصادرة والسخرة، وكان الولاة أو الإقطاع في الريف، يلزم السكان بأعمال دون أجر، أو يصادر أجزاءً من أملاكهم؛ وحسب ما ذكر عبد العزيز عوض “تمتع الرعايا بذلك بمن فيهم المسيحيون، وأظهروا ما يملكون علنًا، بعد أن كانوا يضطرون لإخفاء ثرواتهم والتظاهر بالفقر” لتعرضهم للمصادرة والسخرة أكثر من سواهم. رغم أن هذه الفقرة لم تطبق بشكل كامل، إلا أنّ وضعها ومحاسبة مخالفيها، وتقوية الجهاز الإداري للدولة، ساهم بشكل مباشر في إصلاح الدولة ورضا الأهالي.
ضمان حق مواطني الدولة بالمحاكمة قبل تنفيذ أي حكم قضائي، وكان من عادة الولاة، قتل أو نفي أو تسميم بعض مناوئيهم في السلطة دون محاكمة، وهو ما اعبتر من شأنه تقوية لمؤسسة القضاء في وجه الولاة والحكام، أو حتى الإقطاع المحلي في أرياف الدولة.
تحديد طريقة الجندية الإجبارية، وتعيين سقفها بخمس سنوات؛ على أن لا يضر سوق الشبّان للجندية في اقتصاد مناطقهم أو مدنهم من ناحية الزراعة أو التجارة أو انقراض النسل، ولذلك أقر السلطان باختيار الشباب نسبيًا حسب عدد سكان المناطق.
الأمر بزيادة رواتب الموظفين الحكوميين، وفي المقابل تجريم الرشوة “لأنها السبب الأعظم في خراب الملك”؛ ومن ثم أدخل السلطان آلية إصلاح إدارية جديدة، لجبي الضرائب والشؤون المالية، وضبط إنفاقها، وهو ما أدى حسب عدد من المؤرخين إلى “تطبيق العدالة في جباية الضرائب، فجمعت بالتساوي ودون تفريق بين أبناء الرعية، بعد أن كان يتهرب من أدائها المتنفذون وأصحاب القبليات؛ ولما أصبحت الضرائب تجبى بالعدل، زاد دخل الدولة المالي، وأصبحت الأموال تصرف في الأمور النافعة، كما أصبحت إيرادات الدولة للمرة الأولى تسجل في سجلات رسمية، ولا تنفق إلا بعد إصدار فرمانات همايونية”.
استحداث مجلس الأحكام العدلية، الذي من وظيفته إعداد مشاريع الفرمانات ليقوم السلطان بإصدارها بتوقيعه، وبالتالي يعتبر مجلس الأحكام العدلية الشكل الأول لمجلس النواب العثماني. عيّن السلطان أيضًا مراسيم إذاعة الفرمانات، بكونها من الحجرة الشريفة في قصر السلطنة، وبحضور الوزراء وعلماء المذاهب الأربعة، وشيخ الإسلام، ووجوب تبلغيها جميع الولاة وإداريي الدولة للعمل على تنفيذها؛ كما ضمن السلطان أن تكون موضع التنفيذ ومعاقبة مخالفي أحكامها.
الخط الهمايوني
وثيقة الحقوق الثانية التي لا تقل أهمية عن خط كلخانة هي الخط الهمايوني الصادر في 18 فبراير 1856م، والذي صدر في أعقاب حرب القرم، وكان محمد علي باشا قد أدخل مواده فعليًا إلى مصر وسوريا قبل ذلك بنحو عقدين، وقد ساهم الخط الهمايوني بصدور وثائق أخرى في الولايات تحمل المغزى نفسه مثل “عهد الأمان” الصادر عام 1857م، في تونس عن الباي محمد. أعاد فيه السلطان التأكيد على ما ورد في خط كلخانة من المساواة في الحقوق المدنيّة وقال بأن جميع المذاهب والطوائف “ترتبتط بالروابط القلبية المتساوية الماهية في نظر شخصنا الملوكية”، ومحافظًا على الامتيازات التقليدية لغير المسلمين، وحرية ممارسة الشعائر الدينية في العلن، وبناء الكنائس والمعابد والمؤسسات الدينية الأخرى أي المقابر والمدارس والمشافي والأديرة، دون العودة إلى الباب العالي في المناطق المسيحية، وبموافقة السلطان في حال التجديد أو استحداث هذه الأبنية في المناطق المختلطة.
وضمن الخط الهمايوني المساواة في المعاملة بين جميع الطوائف، ومنع استعمال الألفاظ التي تحطّ من القيمة: “تمحى وتزال إلى الأبد، من المحررات الرسمية، كافة التعييرات والألفا المتضمنة تحقير جنس لآخر في اللسان أو الجنسية أو المذهب… ويمنع قانونًا استعمال كل وصف أو تعريف يمسّ الشرف أو يستوجب العار بين الناس” والمساواة بين رعايا السلطان في تولي الوظائف العامة، والاستفادة من خدمات الدولة التعليمية، وإنشاء محاكم للفصل في القضايا الجنائية المختلفة، أما القضايا المختصة بالأحوال الشخصية استمرت إحالتها إلى المحاكم المختصة بكل مذهب على حدا؛ ودعا السلطان ف الخط لإصلاح السجون ومنع التعذيب، أو أي تصرف معادي للإنسانية.
————
- في ذكرى وفاته: د. عبد الرحمن السميط…الطبيب الذي أسلم على يديه 11 مليون شخص في العالم - الأثنين _15 _أغسطس _2022AH 15-8-2022AD
- “الموتُ بالكلمات”.. في ذكرى وفاة الشاعر صلاح عبد الصبور - الأحد _14 _أغسطس _2022AH 14-8-2022AD
- 13 أغسطس 1941م: وفاة رائد الاقتصاد المصري “طلعت حرب” - السبت _13 _أغسطس _2022AH 13-8-2022AD