بعد أسابيع من عودة الدفء إلى علاقاتهما، تجد فرنسا من جديد نفسها في أزمة مع الجزائر بعد منحها الحماية لصحفية جزائرية ونقلها من تونس، ما أغضب الجزائريين الذين استدعوا سفيرهم من باريس.
وبدأ التوتر الجديد مع الجزائر في وقت تمر فيه علاقات فرنسا مع المغرب بفترة حرجة بعد اتهام الرباط لباريس بالوقوف وراء الحملة ضدها في البرلمان الأوروبي.
وترى صحيفة “لومند” الفرنسية في تحليل أن باريس تحاول خلق توازن في علاقاتها بين البلدين، لكن عملية التوازن التي يسعى قصر الإليزيه للقيام بها محفوفة بالمخاطر.
وتقول الصحيفة إن الرباط باتت مدفوعة بـ”شعور قوة” منذ اعتراف واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بسيادتها على الصحراء الغربية.
وترغب الرباط في موقف فرنسي مماثل، بعدما أقدمت إسبانيا أيضا على دعم الرباط عبر دعم مقترح الحكم الذاتي لإنهاء النزاع في الصحراء.
أما الجزائر، فما كادت العلاقات تتحسن، حتى عاد التوتر من جديد بعدما أقدمت فرنسا على نقل الصحفية والناشطة، أميرة بوراوي، من تونس إلى الأراضي الفرنسية، في وقت كانت تسعى الجزائر إلى إعادتها إلى البلاد.
وجراء ذلك، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية بالجزائر العاصمة عن “ضرر كبير” في العلاقة.
وقضية أميرة بوراوي، المعارضة الجزائرية، حاملة جواز سفر فرنسي، التي انتزعتها الدبلوماسية الفرنسية، الاثنين، ومنعت تسليمها إلى الجزائر أثناء لجوئها إلى تونس، حولت العلاقة بين باريس والجزائر إلى مرحلة حرجة جديدة. في أزمة ضمن أزمات لا تعد ولا تحصى، وفق الصحيفة.
وأوقفت الناشطة السياسية والصحفية، الجمعة، في تونس حيث كانت تواجه خطر الترحيل إلى الجزائر وتمكنت أخيرا من ركوب طائرة متجهة إلى فرنسا، مساء الإثنين.
وعُرفت بوراوي، وهي طبيبة تبلغ 46 عاما، عام 2014، بمشاركتها في حركة “بركات” ضد ترشح الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رابعة.
وحاولت الناشطة مرارا مغادرة الجزائر في الأشهر الأخيرة لزيارة ابنها المقيم في فرنسا، لكن دون جدوى، بحسب موقع إذاعة “راديو إم” الجزائرية حيث قدمت برنامجا سياسيا منذ سبتمبر.
والأربعاء، قرر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، استدعاء سفير بلاده لدى فرنسا “للتشاور”.
وأورد البيان “أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باستدعاء سفير الجزائر بفرنسا، السيد سعيد موسي، فورا للتشاور”، مشيرا إلى أن الجزائر أعربت في “مذكرة رسمية” وجهتها إلى فرنسا عن “احتجاجها بشدة على عملية الإجلاء السرية وغير القانونية” لبوراوي المطلوبة للقضاء الجزائري.
وترى فرنسا في الجزائر فرضا للاستثمار الضخم، وهو ضمن الطموح الفرنسي ذو الحجم الجيوسياسي الذي لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
وتقول الصحيفة إن المتفائلين الفرنسين بالرهان الجزائري يجدون بعض الراحة في حقيقة أن غضب الجزائر يمكن احتواءه.
توتر دائم
وترى الصحيفة الفرنسية أن كلمات “ضرر كبير” و “لفتة غير ودية” في بيان الخارجية الجزائرية، تترك الباب للصلح مستقبلا، كما أن وكالة الأنباء الجزائرية، تقول الصحيفة، هاجمت “جهاز الدولة الفرنسية” واستثنت الرئيس، إيمانويل ماكرون.
وتقول الصحيفة إنه نداء لماكرون لتنظيف من حوله، لإبعاد “أعداء الجزائر”.
بالمقابل، ترى الصحيفة أن الخط بين الرهان على الجزائر والحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب كان دائما ثابتا ومتميزا، لكن مع تفاقم العداء بين الأخوين العدوين، الجزائر والمغرب، بات خلق التوازن مهددا بشكل متزايد بالنسبة لفرنسا.
وتتهم الرباط بشكل غير مباشر فرنسا بالوقوف وراء قرار بالبرلمان الأوروبي غير ملزم يدين “انتهاكات حقوق الإنسان” بالمملكة.
والأربعاء، قال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة المغرب – الاتحاد الأوروبي، لحسن حداد، إن برلمانيين أوروبيين “اتخذوا من المؤسسة التشريعية الأوروبية منصة للهجوم على المغرب بطريقة ممنهجة وبإمكانيات كبيرة”.
فيما أعرب رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، في بيان عن أسفه لكون “تقديرات بعض البرلمانيين الأوروبيين الذين يقودون الحملة ضد المغرب، غير مبنية على أسس، “ولا معلومات صحيحة” بل “تقارير إخبارية أحادية ومعدة تحت الطلب “.
وأعلنت وسائل إعلام مغربية، الجمعة، إنهاء المغرب مهام سفيره في فرنسا، محمد بنشعبون، في سياق جفاء بين الرباط وباريس.
وتتهم الطبقة السياسية في المغرب فرنسا بالوقوف وراء توصية للبرلمان الأوروبي المنتقدة لأوضاع الصحافة في المملكة.
وتتوقع صحيفة “لومند” أن الدبلوماسية الفرنسية ستكون تحت توتر دائم في علاقاتها بين البلدين.
وباتت خيبة الأمل تستقر أكثر فأكثر بين الرباط وباريس نتيجة الأضرار الجانبية لميل ماكرون للجزائر، فيما لاتزال الأزمة مع الجزائر مرشحة للتصعيد.
الأمة ووكالات