
دونالد ترامب
في مقال له بجريدة الأهرام القاهرية بتاريخ ( 24/5/2017 م ) يقول الكاتب والشاعر فاروق جويدة : إن الرئيس ترامب حاول أن يؤكد أن الإرهاب صناعة إسلامية عربية وعلى العرب والمسلمين أن يواجهوا هذه الكارثة ونسى أن الغرب لم يكن أبدا عادلا وهو يعيد رسم جغرافية المنطقة بكل تفاصيلها..
إن الرئيس بوش صاحب قرار تدمير العراق والرئيس اوباما أول من شجع التيارات الإرهابية تحت شعارات حقوق الإنسان وهو الذى وقف وراء الاتفاق الإيرانى مع الغرب الذى منح الفرصة لإيران لأن تمد نفوذها فى سوريا والعراق ولبنان واليمن ونسى أن أمريكا هى التى أشعلت يوما المعارك بين العراق وإيران وكانت تبيع السلاح للدولتين..
إن إسرائيل الآن فى أفضل حالاتها لأن الخطوط مع العالم العربى أصبحت الآن أفضل وهناك أحاديث عن تعاون وسلام قادم حتى وان غابت القضية الفلسطينية عن اهتمامات البعض لا شك أن زيارة الرئيس ترامب سوف تغير حسابات كثيرة على المستوى السياسى والأمنى ولا احد يعرف من فى هذا السباق الخاسر ومن المستفيد.
ونقول :
من الآثار الكبرى على الأمم أن تحكم المصالح دون النظر إلى المبادئ
وهذا الذي أشار إليه الكاتب فيما رصدناه هنا -وفي بقية مقاله- من أمثلة لا يجمع بينها في حقيقة الأمر إلا ذلك الرابط
رغم اختلاف الزمان والأحداث والدول والأشخاص وتوجهات الساسة في أمريكا أو غيرها فإن تقديم المصالح الوقتية هي الرابط بين كل تلك الأحداث وهؤلاء الأشخاص
مهما تغيرت الإدارة الأمريكية والإدارة الصهيونية والإيرانية وحتى الإدارات العربية فكلها تحرص على تقديم مصالحها الذاتية وبكل ” براجماتية ” دون أن تعوقها المسؤوليات الأخلاقية ولا القيم الضابطة أو أن تؤرقها الحقوق التاريخية لأي جهة
لذا لن أقف كثيرا هنا عند ما ساقه الكاتب من أمثلة أو ذكره من مواقف فالأمر في نهايته هو مشكلة واحدة تسبب فيها ما سقناه من أسباب وسيكون علاجها ما نذكره من حلول
لا يمكن أبدا – قبل تفصيلنا – أن يكون كيانا مثل إسرائيل مهما استقوى بغيره ولا أيضا دولة مثل إيران مهما تغولت أن تملك من مواطن التأثير ما يجعلها يحسب لها ألف حساب ؛ بينما الأمة العربية والإسلامية على اتساع مساحتها وتحكمها في مواطن قوة مالية ومادية وبشرية ومع ذلك لا تتمكن من الوقوف في وجه تلك المشاريع التوسعية
وتلجأ – كما يلجأ الكاتب هنا- إلى استجداء الإدارات الأمريكية أو الاستقواء بجهات أخرى دون أن يكون لديها مرة واحدة وقفة مع نفسها صادقة تحسن فيها الاستفادة مما بيدها حقا من إمكانات وطاقات وقدرات
أين ترشيد الأموال والاستثمار في تكوزين ولبيهات وجماعات ضغط في الدول المختلفة
أين تنسيق مواطن القوة الناعمة بكل أشكالها لتكوين جبهات مختلفة تخدم مصالح المنطقة
أين الخطاب الإعلامي القوي الذي يصاحب كل هذا ويخرج من إطار الدعاية إلى رحابة التأثير المدروس والمحترف لعدالة قضايانا دون تنازل عن المصداقية
نحن في عالم لا يعترف إلا بالقوة فلم لا نجرب أن نكون أقوياء ليحسب لنا ألف حساب بدلا من سلوك طريق الاستجداء أو الوقوع فريسة للابتزاز
ربما يقول البعض أن السياسة فن الممكن ونقول على افتراض أن هذه المقولة تحمل كثيرا من الصدق لكننا نقول أن هذا يؤيد ما نقول فلنحصل على كل الممكن بتهيئة أسبابه فلا يعني تسليمنا بها الاستسلام للأمر الواقع دون أن ننظر حقا ما هو الممكن
لماذا دائما ننتظر أن يحصرنا غيرنا في خيارات يحددها دون أن نأخذ أي زمام لمبادرة تفوت عليه المبادأة ولو بمناورات محسوبة تربك حساباته هو وتفقده التسلسل الذي يرسمه وفقا لرؤيته
لماذا نستضعف ما بيدنا من قوة ونستسلم لواقع أنه : ليس بالإمكان أبدع مما كان وأن تفويت الموجات هو أكبر مكسب نحصل عليه ولو دفعنا نظير ذلك كل ما نملك
ما أراه دائما أن حلولا تتبدى ويكشفها الله تعالى لذوي البصائر حين يحسن توكلهم عليه تعالى وحين ينظرون بشكل موضوعي للمشكلة وأبعادها ويكون لهم من المرونة وسرعة اتخاذ القرار ما يناسب التحدي الذي وضعوا فيه وللشورى هنا دور في غاية الأهمية
دعنا للاستدلال واستلهام العبر نتأمل في كيفية قيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه لمعاركه التي وجد نفسه مضطرا فيها للتعامل مع واقع متفاوت القوة واستغلال ثغرات تبدو له في لحظة معينة
وكلنا يعرف استفادته من ثغرة الرماة في غزوة أحد فاستفاد منها في تحويل النصر إلى هزيمة في صفوف المسلمين ولم يكن أسلم بعد
و في غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة، وبعد أن حاصَر الجيشُ الرومي المكون من مائة ألف جندي الجيشَ المسلم المؤلَّف من ثلاثة آلاف جندي، وبعد مقتل ثلاثة قادة من قواد الحملة، وهم زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبدالله بن رواحة، وإزاء هذا الموقف العصيب والبالغ الحساسية من الوِجهة العسكرية أخذ الرايةَ خالدُ بن الوليد، وبأسلوب تكتيكي استطاع أن يَنسحِب بالجيش مؤمِّنًا لهم سُبُل السلامة، ومخفِّفًا عنهم وقْعَ الهزيمة، ومؤكِّدًا للروم أنه بالرغم من كثرة عددهم وعدتهم وقوة تنظيمهم، فقد تمكَّن من سحب الجيش سالمًا؛ ليتأهَّب لملاقاتهم في مرات قادمة
وفي مواقف أخرى ظهرت عبقرية خالد العسكرية في اختيار الطريق إلى وادي اليرموك حين كلفه الخليفة الصديق بنجدة إخوانه في الشام وتحول من العراق ، فلقد اختار طريقًا وعرًا صحراويًّا غير واضح المعالم، تَندُر فيه مصادر المياه؛ لأنه كان حريصًا على أن يرتاد الطريق الخالي من الحاميات الموالية للروم غير الآهل بالمارة أو السكان؛ وذلك من أجل الإبقاء على سرية المدد، واستخدام عنصر المباغتة من الخلف لجيش العدو ومحدِثًا لهم الهلع والارتباك
ولقد خطب خالد في جيشه ليهوِّن عليهم مصاعب الطريق قائلاً لهم: “أيها المسلمون، لا تسمحوا للضعف أن يَدُب فيكم، ولا للوَهْن أن يُسيطر عليكم، واعلموا أن المعونة تأتي من الله على قدْرِ النيَّة، وأن الأجر والثواب على قدر المشقة، وأن المسلم ينبغي له ألا يَكترِث بشيء مهما عَظُم ما دام الله في عونه
هكذا يكون الرجال وقت الشدة والاختيار ويظهر الإبداع الذي يستفيد من الإمكانات
فليست كل نقاط التفوق مادية بل كثيرا منها معنوية وهكذا الأحوال الإنسانية ولم ينتصر المسلمون في غزوة إلا وكانوا أقل عددا وعدة
فقد انتصر الرسول- صلى الله عليه وسلم – في غزوة بدر، وكانت قواته 305 مجاهدا ، معهم 3 خيول و70 بعيراً.
وكان تعداد المشركين 950 مقاتلاً و 200 فرس وعدد كبير من الإبل للركوب وحمل المتاع وأعداد كبيرة من الماشية لطعامهم وغنم المسلمون
ذلك كله لأن القرار رغم مفاجأة الموقف جاء عن شورى صحيحة وتوظيف لإمكانات مناسبة والأهم من كل ذلك النفسيات العالية التي آمنت بعدالة فكرها وصدق معتقدها وحسن توجه قضيتها
وقبيل غزوة بدر استشار الناس فأشار المهاجرون، فلم يكتف ثم استشار الناس فأشار الخزرج والأوس، ثم اتخذ قراره الأخير حتى يمحو أي تردد عن أي نفس.
وهذه عادته صلى الله عليه وسلم في أن يكون القرار المهم جماعيا وفي ذات الوقت يتقبل ويشجع الأفكار الجديدة المبتكرة فقبيل يوم أحد استشار الناس وأخذ برأي الأكثرية. ويوم الأحزاب أخذ برأي سلمان الفارسي. ويوم الحديبية أشارت عليه أم سلمة زوجته فأخذ برأيها.
إنها القيادة التي لا تستكبر أن تنزل على رأي مسلم كائناً من كان، ما دام الرأي سليماً صحيحاً.
والقيادة الصالحة هي التي تعمم الشورى حتى لا يبقى أحد عنده رأي إلا قاله وخاصة فيما يكون فيه غرم.
ولقد اتت غزوة الخندق «الأحزاب» من أنجح المعارك الدفاعية، إذ تمكنت قـوة صـغيـرة مـن الدفـاع عن المدينة ضد قوات متفوقة عـدداً وعـدّة، ويرجـع ذلك إلى إشارة سلمان الفارسي- رضي الله عنه -على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بأن الفُرس يستخدمون الخنادق مانعاً صناعياً، فما كان من رسول الله- صلى الله عليه وسلم – إلا أن طور الرسم الهندسي للخندق حتى يكون مانعاً هندسياً منيعاً يخدم الخطة الدفاعية
إذن لو عدنا لموضوعنا لربطنا بين ما قدمناه وبين تلك الأحوال بقولنا بأن الأمة وإن كانت أضعف من أعدائها في جهات ومواطن إلا أن لديها من الإمكانات المختلفة والممرات الحيوية والموقع الجغرافي والأموال والمعادن وغير ذلك ما لو انضم لإرادة قوية وحسن توظيف لأمكنهم على الأقل أن يتجنبوا تسلط الآخرين أو إجبارهم
ربما تجربة تركيا الحالية في استجماع القوة والتخلص من عناصر الضعف ما يجعلها لا تحتاج إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي وتقول بأن حاجة الاتحاد إليها أشد من حاجتهم له …وصدقوا
حين نستجمع القوة التي لدينا ونحسن استغلالها وحين نعلي قدر الإمكانات المبدعة وحين نرسخ الشورى وحين نصنع الإنسان فلن يكون هناك حاجة لاستجداء هذا أو ذاك ولا أن نخاف منهم أو ننتظر قرارهم فينا