الحسابات الإستراتيجية الداخلية والخارجية مَنْ تحدد هامش الحركة السياسية.
لا يُراق الدم في الأمر الذي يمكن أن يُحل بالكلام، (والكلام هنا إشارة إلى الدبلوماسية بما يحقق المنفعة الجزئية إن تعثر المكسب الكلى) وخير من خسارة الشيء برمته، من هذا المضمون يمارس السياسي الحذق شؤون بلاده وتتشكل حركته على الأرض، قد يختلط الأمر عند البعض ممن يرتبكون قراءة المشهد السياسي بأبعاده الإستراتيجية، الدولية والمحلية، في تحليل وتشريح ردود أفعال الطيب أردوغان تجاه بعض القضايا العربية، التي قد تبدو متباينة، كموقفه من بعض النُظم العربية كنظام البعث في دمشق والنظام الحاكم في القاهرة.. سابقًا وحاليًا، مما تولد عنه سوء استنتاج بُنِيَت عليه فرضيات خاطئة لمقدمات أكثر خطأً، هذا الاستشكال يعود للعوز المعرفي بحقيقة العمل السياسي في ظل نظام عالمي وُجِدَ قبل بزوغ نجم أردوغان السياسي!.. ومعلوم أن الفعل السياسي مرتبط نسبيًا بعوامل إستراتيجيه أخرى تحكمه، وتتحكم فيه كمًا وكيفًا، وفق محددات تفرضها معطيات مستحدثه تستدعى إدارة المشهد بما يناسبها، ووفق هامش امتلاك السياسي قراره الداخلي.. وبالطبع الوزن الإستراتيجي على المستوى الدولي، ومن هنا يجدر بنا الإشارة، أنه لا يوجد نظام سياسي في زوايا العالم الأربع يمتلك قراره السيادي بدرجة مائه بالمائة.. بما في ذلك دول المركز، وهناك الكثير من الشواهد التي تدعم زعمنا، وبما إننا معنيين هنا بالمسألة التركية، فلتكن تحركات أنقرا المتباينة في كلِ من سوريا وليبيا والأزمة التي خلفها حصار مجلس التعاون الخليجي لدولة قطر هي من أهم اللقطات.
السؤال التقيمي مَن يكون رجب طيب أردوغان في ميزان السياسة التراكمي؟.
بادئ ذي بدء، وجب التنويه أنني لا أناقش الديمقراطية من المنظور الإسلامي.. مبحثي هنا غربلة واقع فُرِض على أمتنا خاصةً بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى! ولن أتطرق لقناعتي بفكرة الانتخابات في ظل الديمقراطية.. فقط في ظل هذا الواقع أُشرّح وفق الممكن وغير الممكن. وبالنظر لصلب القضية التي نحن بصدد تناولها، نستعرض بعض الجوانب من رحلة الطيب أردوغان كما يحب أن يسميه محبيه، لنعلم يقينًا أن الديمقراطية معضلة لابد لها من أُوطر يجب أن تسبق تطبيقها كما أسلفنا في الجزء الأول.. وكم هي ظالمه بقدر يفوق عدالتها، وأن الانتخابات تحت سقف الديمقراطية، بقالبها المُعلب غربيًا، معوقاتها يتجاوز رحابة عميق فجاجها، فإذا طرح أحدنا السؤال التقيمي مَن يكون رجب طيب أردوغان في ميزان السياسة التراكمي؟، جاءت الإجابات على النحو التالي من أرشيف الإنجازات من العام 1994 حينما أُنتخب رئيسًا لبلدية اسطنبول، فعالج مشاكلها المزمنة التي عانت منها عقوداً طويلة.. فأردوغان هو الذي حل مشكلة المياه وأنشأ الطرق والأنفاق والجسور، وحل مشكلة النفايات وتدويرها وعالج التلوث الذي كان يخيم على اسطنبول باستهلاك الغاز الطبيعي، وقام بتسديد معظم ديون البلدية التي بلغت آنذاك ما يقرب من ملياري دولار بعد أن قضى على فساد المحليات.
الإصلاحات الاقتصادية لأردوغان وتسديد كامل ديون تركيا 2013.
بعد تأسيس أردوغان لحزب العدالة والتنمية في أغسطس آب من العام 2001 وانتخابه رئيسًا له.. تمكن الحزب في 2002 من الفوز في الانتخابات التشريعية بنسبه ساحقه مكنته من الاستحواذ على ثلثي مقاعد البرلمان وتشكيل الحزب للحكومة بمفرده، بدأ الدور الفعلى للمرحله التي استطاع السيد أردوغان الانطلاق لتغيير وجه تركيا الحديث على المستويين المحلى والإقليمي ببراعة المدرك لخريطة السياسة العالمية.. والدارس لتاريخ الأمة السحيق ومراحله المسترشد به..، وعليه كانت تشوفاته التي رسمت سياسة الداخل والخارج، شابت هذه السياسات بعض الإخفاقات.. لكنها لم تك مرتبكة.. بل كان الرجل الذي أربك معارضيه في الداخل والخارج، فأردوغان السياسي التركي المعاصر الوحيد الذي شخص الداء المزمن للاقتصاد وعالج مشكلة التضخم التي لم يتمكن سياسي سابق من الاقتراب منها.. وأعاد للعملة التركية قيمتها بإزالة ستة أصفار منها..، حقق الفرد التركي زيادة في الدخل الشهري لم يكن ليحلم به في عصر ماقبل أردوغان، الطيب أردوغان من القلائل الذين لم يرضخوا لشروط البنك الدولي عندما أضطر للاقتراض لحل الأزمة التي كانت تعانى منها تركيا 2002.. الناتجة عن سياسات سابقه.. ونجح في التفاوض مع البنك الدولي من أجل شروط مناسبة، أردوغان من القلاقل الذين استطاعوا تسديد ديون بلده كاملة في العام 2013.
إنجازات أردوغان على المستوى المحلى
أردوغان الذى حقق على مدار عشرون عامًا إنجازات غيرت وجه تركيا من تصنيع السيارات الكهربائية، حاملات الطائرات التركية، مدرعات ودبابات تركية، مقاله تركية من الجيل الخامس، فتح الأسواق العالمية للمنتجات التركية في محاكاة بالصين.
أردوغان والوثبة العنيفة في مستوى العلاقات الدولية.
وعلى المستوى الدولي حقق الطيب أردوغان وثبه عنيفة في العلاقات الدولية أهلته للعب أدواراً استراتيجيه كتدخله في أزمة حصار قطر وتوظيفه بحرفيه أثمر بناء قاعدة عسكريه تركية هناك، لعبت تركيا بفضل سياسة أردوغان دوراً هاماً في الشمال السوري، وتدخل في ليبيا والعراق، وتدخله في حل أزمة أزربيجان مع أرمينيا بخفه أدهشت والأوساط السياسية حينها وقد تناولناها في مقاله منفردة!، تحالف أردوغان مع الصين التنين الصاعد والمنافس الصلب الناعم للولايات المتحدة الأمريكية..، تحالف بعد اختلاف مع بوتن بحكم المصالح وفتح المجال لروسيا ليمر الغاز الروسي عبر تركيا للعالم في تحدٍ صريح لحلف شمال الأطلسي التي تُعد تركيا أحد أعضاءه، والذي أُنّشِأ خصيصاً لصد عدوان السوفيت روسيا الآن.. ما كان لتركيا أن تتمكن من هذا التحدي قبل أردوغان.. وما كان ليحدث إلا من خلال حكم يمتلك قدراً كبيراً من قراره السيادي!.
كل ما سبق هو إجابة السؤال من يكون أردوغان الذي حصل في انتخابات الجولة الأولى في الرابع عشر من مايو 2023 على 49.5 بالمائة، وتبسيط لما حققه الطيب على مدار عشرين عام، من 2002 حتى الآن، ثم يتبعه السؤال المنطقي ما الذي حققه (كمال كيليجدار أوغلو) المنافس لأردوغان.. أو بصيغه أخرى ما هو نصيب كيليجدار أغلو في بناء نهضة تركيا الحديثة حتى يحصل على 44.89… (بفارق يقارب الخمسة بالمائة فقط)، مقابل سياسي أجتهد عقدين من العمل الدءُوب والمتواصل وأصاب أكثر ما أخطأ؟!، هذا هو كنه معضلة الديمقراطية والانتخابات التي تدعم زعمنا.
أردوغان وقولته المشهورة ( باي باي كمال).
برغم أن الأرض ليست خصبه لنبته الديمقراطية في المنطقة إلا أن الحدس يشير إلى أن الطيب أردوغان سيكون الرئيس الذي حكم أطول فتره في تاريخ تركيا الحديث، وستتحقق قولته المشهورة وسط الطوفانات البشرية بالقرب من مطار أتاتورك ( باي باي كمال).
في الجزء التالي سنتناول بمشيئة الله العداء العلماني الغربي، والإخفاقات التي لم ينتبه لها حزب العدالة والتنمية التي ساهمت في تقليص الفارق في أصوات الناخبين.. (رغم قوته الناعمة)، وعلى رأسها إعلاء الخطاب القومي والوطني على الخطاب الذي من شأنه توحيد الصف بديلاً عن شرزمته بشيء من التفصيل.