ظلت فكرة ربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط تراود الكثيرين منذ العصور الغابرة، اصطدمت بكثير من المعوقات والمثبطات جعلت الحكام حينها يعمدون إلى حفر ترعة تصل البحر الأحمر بنهر النيل في مرحلة أولى ثم ترعة أخرى تصل النيل بالبحر الأبيض المتوسط.
بيد أنه ولدواع عديدة-أهمها الإستراتيجية والعسكريّة- خامرت فكرة الوصل المباشر (القائد الفرنسي نابليون بونابرت) عقب احتلاله لمصر العام 1798، هاته الفكرة باءت بالفشل وعد الاستمرار بسبب الاعتقاد حينها بأن مستوى البحر الأحمر يزيد عن نظيره المتوسط بما يقارب عشرة أمتار.
في عهد حاكم مصر محمد علي طفت الفكرة من جديد، حيث قامت وقتها لجنة فنيّة أوروبية بإعادة دراسة ملف الارتفاع والانخفاض في المستويات العام 1847 فخلصت إلى أن البحرين على مستوى واحد، بيد أن المشروع الحلم تعطّل جولة أخرى بسبب وصول المفاوضات الخاصة بإنجازه إلى نفق مظلم بين محمد علي والفرنسيين، ولعل أبرز نقاط الاختلاف الملحوظة تلك المتعلقة باشتراط المصريين على نظرائهم الأوروبيين أن يكون الإنجاز تحت ناظر وإشراف القيادة المصريّة وإلزام الجهاز الفني بالخضوع للقانون المصري دون سواه…
تغيرت المعطيات مجددا في عهد الخديوي سعيد المعروف بثقافته وميولاته الغربية حيث استطاع وقتها نائب القنصل الفرنسي بالإسكندرية دي ليسبس إقناع الخديوي بإمضاء عقد امتياز حفر القناة العام 1856 وهو عقد جائر يجعل من القناة مصريّة فقط بالاسم مقابل رسو كل الامتيازات لصالح الطرف الفرنسي (حق الشركة في تملك الأراضي على جانبي القناة-الإعفاءات الجمركية- حق الانتفاع لمدة 99 سنة-….)، لتفتتح القناة رسميا العام 1869 بعد أن دفعت مصر فيها سيلا عرما من التضحيات الجسام ( أكثر من مائتي ألف من أبنائها وسبعة عشر مليون جنيها…..).
إن افتتاح وتدشين القناة كان واجدا من أبرز المطامع الأوربية في مصر وبخاصة من القوى التقليدية(فرنسا/بريطانيا…)، ولقد كان للأزمة الكبيرة التي عاشتها مصر أثر بالغ الشدة في اضطرارها لبيه أسهمها التي تملكها في القناة العام 1857 لصالح بريطانيا التي رأت في تملكها للقناة سيطرة واستغلال لمصر ثم النفوذ عبر القناة إلى مستعمراتها في آسيا خاصة الهند واعتبار القناة أهم منفذ للمواصلات نحو تلك البلاد.
هذه القناة التي يبلغ طولها 160 كلم ومتوسط عرضها 60 مترا كانت عبر التاريخ موضوعا بارزا في السياسة الدولية كما في التاريخ والجغرافيا، والأكيد أنها لم تكن بأقل أهميّة عند المصريين الذين سعوا بكل قوتهم لاستردادها واسترداد قطعة أصيلة وهامة من مصر الحضارة والتاريخ والسياسة، فبعد جلاء الجيوش الانجليزية ومعاهدة 1954، جاء تأميم شركتها العام 1956 تعبيرا عن أماني المصريين وصدمة حادة للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط برمتها..
- عزيز فيرم يكتب: ماكرون.. المعصم والسّاعة - الأحد _2 _أبريل _2023AH 2-4-2023AD
- عزيز فيرم يكتب: الشوفينيون والأنا السياسي - الأثنين _6 _مارس _2023AH 6-3-2023AD
- عزيز فيرم يكتب: وصيّة اليزابيث - الأربعاء _22 _فبراير _2023AH 22-2-2023AD