نزعت الدولة الأقوى في العالم إلى تقليم أظافر أعدائها أعقاب بداية حقبة الحرب الباردة، حيث فرضت منطق القوّة بل قوّة المنطق وسطرت رغباتها كما تريد.
قد لا نزيد إن قلنا بأن اليابان كانت إحدى الدّول المنهزمة خلال الحرب الكونيّة الثانيّة وأن أمريكا جعلتها تدفع ثمن فاتورة تلك الحرب نظير تحالفها مع الديكتاتوريات الحديثة وكذا على خلفيّة هجماتها على المصالح الأمريكيّة في صورة الهجمات على بيرل هاربر العام 1941،
لذلك كله عملت الولايات المتحدة على توريط اليابان في مستنقع التنازلات والقيود،
ولعل أبرز تلك القيود قيد المادة التاسعة من الدستور الياباني أو دستور الاحتلال الذي صاغه محامون وحقوقيّون أمريكيون بإيعاز من الجنرال ماك آرثر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في اليابان،
حيث صدر في 3/11/1947، وجرى النّص فيه على أن تكون السّلطة والسيادة في يد الشعب وأن يكون الإمبراطور رمزا للدولة!!!.
المادة التّاسعة المثيرة للجدل تنص على درء الحرب وحظر استخدام القوّة وحظر الاحتفاظ بقوات بريّة وبحريّة أو أية طاقة حربيّة أخرى،
حتى أن العقيدة العسكريّة اليابانيّة أصبحت تنص على الاعتماد على المظلّة الأمريكيّة بشكل كامل، وعدم إرسال قوات يابانيّة خارج الحدود
وكذا عدم الّعي وراء الحصول على السّلاح النووي ثم شرط عدم تجاوز ميزانيّة الدّفاع ما نسبته واحد من المائة من الناتج القومي،
والشرط الأكثر جدلا كان منه الدخول في أي تعاون عسكري مع أيّة دولة عدا الولايات المتحدة الأمريكيّة.
التهديدات الصينيّة والرّوسيّة
اليوم وفي ظلّ ما تسميه أمريكا بالتهديدات الصينيّة والرّوسيّة في المنطقة وكذا الكوريّة الشماليّة،
فإنّ واشنطن تريد تحالفا عميقا وقويّا بينها وبين حليفاتها هناك في صورة اليابان وكوريا الجنوبيّة وفق اشتراطات ومقاسات معينة،
في ظل القبضة الحديديّة التي تشهدها العلاقات بين واشنطن ومحور موسكو وبيونغ يانغ وبيكين،
التي ترى فيها أمريكا أكبر مقوّض للسلام ومهدد للأمن في الجهة،
ولا غرابة في وضع قضيّة تايوان في الواجهة دائما كنوع من الحجيّة وكغطاء لمزيد من التدخل وتجييش الحلفاء والأغراب سواء بسواء.
هذا، ولقد خضعت الفقرة المسالمة في الدستور إلى إعادة تجديد في التفاسير بغية بناء قوات الدفاع عن النّفس،
وفيما يمثل الوضع الرّاهن تطورا تاريخيّا ملحوظا، فإنّه أقلّ راديكاليّة مما قد يفترض البعض، فاليابان لا تزال تابعة للحماية الأمريكيّة عسكريّا وسياسيّا،
فرغم ما لأهميّة هذا البلد الآسيوي في الفكر الإستراتيجي الأمريكي
وكذا في التحالفات الميدانيّة لها، إلاّ أنّ هذه الأهميّة يجب أن تكون وتتأسس على يابان اقتصادي قوي وليس يابان عسكري قوي،
يمكن أن يشكّل تهديدا على أمريكا ذاتها أو إحدى حليفاتها، وفي البال الأمريكي ما فعله هذا البلد خلال الحرب،
من أفعال أضرت بالمصالح الأمريكيّة، والشاهد نظرة أمريكا لليابان حتى لحظتنا هذه.
اليوم كذلك وفي ظل معطى الحرب الرّوسيّة في أوكرانيا والتهديدات الكوريّة الشماليّة ضد جارتها الجنوبيّة وتأزم الوضع في بحر الصين الشرقي،
ترى أمريكا أنه من الواجب أكثر من أيّ وقت مضى تفعيل كل آليات التحالف العسكري الياباني الأمريكي،
حيث المادة الخامسة من المعاهدة الدّفاعيّة الثنائيّة التي تشير إلى أن الهجوم على بلد يعني الهجوم على الآخر
سواء أكانت الهجومات من الفضاء أو من البرّ أو البحر،
وهذا يعني من بين ما يعني أنّ اليابان ستدفع ثمن فاتورة العشاء أو الفطور الذي تتمتع به صديقتها ولو إلى حين.
- عزيز فيرم يكتب: الشوفينيون والأنا السياسي - الأثنين _6 _مارس _2023AH 6-3-2023AD
- عزيز فيرم يكتب: وصيّة اليزابيث - الأربعاء _22 _فبراير _2023AH 22-2-2023AD
- عزيز فيرم يكتب: تبعات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية - الجمعة _10 _فبراير _2023AH 10-2-2023AD