يا شباب! معلومٌ أنكم عمادُ الأمم ومصدر قوتها وعنوان افتخارها، بكم تنجو وعلى أكتافكم تنهض، وكم من أمة عزّت لمّا أحسنت إليكم وتعهدتكم بالرعاية، فصار شبابُها جادًّا طموحًا، عاقلًا فاعلًا لا يعجزه شيء ولا يتطرق إليه فساد، وكم من أمة ضعفت وهزلت وانزوت لمّا أُهمل شبابها، ففقد عقله وإرادته، ومن ثم قوته وفتوته، منشغلًا بسفاسف الأمور.
وأنتم يا شباب الأمة خير شباب العالمين، أبناء السلف الصالح، سليلو حضارة المجد والعزِّ والرقى والقيم، أنتم كعنصر الذهب الخالص بما فيه من نقاء وجودة وسموِّ قيمة، فلا يغيِّره غبارٌ، ولا يعلوه صدأ، إنما تكون عوارض سرعان ما تزول، فإن مُسحَ عليه مسحًا خفيفًا عاد لهيئته وأصله، ساميًا مترفعًا بريئًا من الشوائب.
يا شباب! نعلم أن الظرف السياسي الذي تمرُّ به الأمة قد أفقدكم علامات الطريق، وذهب بكم إلى مسارات شتى متشعبة؛ ما جعلكم غرباء تائهين لم تستقروا على حال ولم تصلوا إلى بغيتكم، ونعلم أيضًا أن مخاطر وتحديات وشهوات جمة قد أحاطت بكم من كلِّ جانبٍ فأفقدت البعض صوابه، ووترت أعصابه، وصيَّرت نفسه هشَّةً عصية على الصبر والاحتمال.
وهذه البلاءات يا شباب مرّت كثيرًا على أمتنا، فكان لها العلماءُ والمربُّون، الذين قووا عزم الشباب، وردّوهم إلى الطريق القويم، وحصّنوهم من الآفات، ولفتوهم إلى عناصر الخطر ومصادر العجز، وما انصلح به أوَّلُ الأمة يا شباب ينصلح به آخرُها، فليكن العزمُ على السير في طريقهم لا غيرها من طرق؛ فإن فيها السلامةَ والنجاةَ؛ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
ليكنْ هذا الحديث النبوي الشريف هو شعاركم ورايتكم يا شباب؛ «تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتُم بهما: كتاب الله وسنة نبيه ﷺ»، ففيه الملجأ والمنجى، وفيه العودة إلى الأصل، وفيه العصمة والقوامة والفرادة والنجابة.
إن لنا دينًا يا شبابُ دستوره القرآن وقانونه السُّنةُ، هو من ارتضاه الله (عز وجل) للعالمين، ختامًا لسلسلة الرسل وسائر الأديان، مهيمنًا عليها، وفى هذا الدين العظيم جوابٌ لكلِّ سؤال، وتبيانٌ لكلِّ شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
يا شباب! لا نجاة لكم ولا صلاح إلا بمصاحبة الأخيار ورفقة الصالحين، من يذكرونكم اللهَ، وينصحونكم ولا يغشونكم، ويأمرونكم بالمعروف وينهونكم عن المنكر ويعينونكم على الخير، ويحفظون غيبتكم، وينزلونكم منزلتكم.. ولا تصاحبوا الفجَّار الأشرار أو التافهين الضائعين المتهتكين، فإنما الصاحب ساحب، وقد ضُرب لنا المثلُ ببائع المسك ونافخ الكير، فالأول يحذيك والآخر يؤذيك.
إن من جميل ما سمعت أن أحدهم كان إذا ألمَّ به همٌّ أو كربٌ اتصل بأخيه فقال له: ثبتني! فكان يدعو له بالثبات وتفريج الهمِّ وذهاب الكرب، ثم لا يلبث أن يسرع إليه طارقًا بابه متفقدًا أحواله، فلا يغادره إلا وقد أجرى الله على يديه تمرير السعادة لأخيه، وهكذا يجب أن تكونوا يا شباب؛ مفاتيح خير، مغاليق شر ولا يفهم ذلك إلا من يبغى الأجر من هذه الأعمال، ولا يعقلها إلا المتقون.
وبقدر الاستطاعة؛ اشغلوا أنفسكم يا شباب، فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والمسلم الحق لا يعرف الفراغ ولا يعانى طول الزمن، فإن لم يشغله طلبُ العلم والمعاش شغلته مطالب الآخرة وهى ما لا يستوعبها الوقت لو أخلص لها الشاب، وقد تعرّفنا على شيوخ أجلَّاء كانت واجباتهم أكثر من أوقاتهم، وكانوا يوجزون لئلا يطغى واجب على آخر -رحمهم الله.
ومن ثم فإن اكتساب المهارات صار واجبًا دينيًّا لا خلاف عليه، وكلما كانت تلك المهارات متماشية مع ظروف العصر نبغ الشاب وحقق مراده؛ (رحم الله رجلًا عرف زمانه فاستقامت طريقته)، وهذا أمر معلوم من الدين، فإن الله يحبُّ المؤمن المحترف. والواجب أيضًا أن تكون فائقًا، مختلفًا ولِمَ لا وقد حزتَ ما لم يحز غيرك، ونلت ما لم يستطع غيرُك نيله؟
أما الحقيقة التي يصادفها الشيوخ فهي أنّ من شبَّ على شيء شاب عليه؛ فمن كان ديدنه الطاعة في شبابه شاب عليها بإذن ربه، ومن ألف المعصية في شبابه -عياذًا بالله- شاب على ذلك، إلا من رحم ربُك. فليكن الله حصنكم يا شباب، ولتكن طاعته هي منبع سعادتكم وفرحكم، والطريق إلى ذلك سهلةٌ ميسرةٌ لمن يسر الله له.
إن فترة الشباب هي أجمل وأروع فترات حياة الإنسان، فلا تضيعوها فيما يغضب الله فيغضب عليكم فيسلب منكم النعم ويمنع عنكم العطاء، بل استثمروها في أعمال البر والطاعة، والدعوة إلى الله، وإصلاح الأوطان، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر ولتكن شيمتكم البساطة، وصفتكم الزهد ولتكونوا عنوانًا للآخرة، فلا تندموا عن دهر ضيعتموه أو ذنب اقترفتموه أو طاعة تفلتت منكم وكان بإمكانكم القيام بها.
وسارعوا بالزواج يا شباب؛ فإنه حصن الدين، وراحة النفس، وعمران الأرض، وتخففوا من تكاليفه قدر الإمكان كي تنالوا بركته، ولا تجعلوا الماديات عقبة أمام تعطيل هذه الشعيرة التي هي شرع الرسل والأنبياء وإحدى ضرورات الدين الخمس التي لو تعطلت في مجتمع لعمَّ فيه الفساد وكثر التخنث.
نسأل الله لكم العوْن والتوفيق.
- عامر شماخ يكتب: «القاهرة التي لم ولن أحبُّها» - الجمعة _24 _مارس _2023AH 24-3-2023AD
- عامر شماخ يكتب: صورة «الإسلامى» فى إعلام المستبدين - الأربعاء _15 _مارس _2023AH 15-3-2023AD
- عامر شماخ يكتب: تحويل القبلة.. اختبار الاستجابة لأمرِ الله - الأحد _12 _مارس _2023AH 12-3-2023AD