الزواجُ في الإسلامِ عبادة، وقضاءُ الوطرِ في ظله قُربى يؤجر عليها المسلم. والدولة المسلمة تعين على الزواج، وتيسر سبله، وتكسب المتزوجين، يقول النبي ﷺ: «من كان لنا عاملًا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا».
ولقد رأينا -بل تؤكده الإحصائيات الرسمية- كيف تقلَّصت أعداد المتزوجين في السنوات الأخيرة، وتراجعت عقود الزواج عامًا بعد آخر، وندرت مواكب «العِرسان» المبهجة؛ مما زاد نسب العنوسة بين الجنسين حتى تخطت الـ(10) ملايين شاب وفتاة ممن بلغوا ثلاثين سنة في الإناث وخمسًا وثلاثين سنة فى الذكور. وهذه كارثة اجتماعية بكل ما تعنيه كلمة كارثة.
فإذا سألت عن أسباب هذا التراجع المخيف في عقود الزواج؛ فالسبب الرئيس هو ارتفاع معدلات الفقر، وتراجع القدرة الشرائية، وانخفاض قيمة الأجور، والبطالة.. فأنّى لشاب مصريّ الآن أن يمتلك شقة، بل أن يستأجرها، وإذا فعل كيف يعيش بباقي دخله الذي تستنفده الفواتير الشهرية، وماذا لو رُزق بطفل؟ وماذا لو كان يعول أمه أو أباه؟ وماذا وماذا؟ ونحن هنا لن نتحدث عن ملابس وتعليم ومجاملات وخروجات وصلة رحم إلخ.
من أجل ذلك يتراجع الشباب عن الزواج خوفًا من العبء المادي، خصوصًا أن كثيرًا منهم يرى خلافات يومية بين أمه وأبيه على «مصروف البيت!»، ويرى زميله فلانًا وقريبته علانة قد تطلقا بسبب ضيق ذات اليد وعجز الرجل عن توفير المتطلبات الضرورية لأسرته، وإن كانت الأسباب المعلنة للطلاق غير ذلك. فماذا ينتج عن هذا الوضع المأزوم؟
والوضع هكذا فالمتوقع -لا سمح الله- تفشى العلاقات غير الشرعية، وشيوع الفاحشة وما يستتبعها من تفسّخات اجتماعية، وانتشار الأمراض العصبية والعقد النفسية لانعدام الاستقرار وافتقاد شريك الحياة، ولعلنا نلحظ قريبًا الفجوة السنية بين الآباء والأبناء، وقلة الخصوبة، وقد لاحظنا ظهور أشكال عجيبة لعقود الزواج بغرض تقنين الزا وإقامة علاقة محرمة بمسمى شرعي.. كل هذا نتاج تعطيل الزواج الذي يمنع انهيار الأسرة وانقطاع النسل، ويحافظ على تماسك المجتمع بعلاقات النسب والمصاهرة، وبتعطل مشاريع الزواج تتعطل بقدرٍ مساوٍ مشاريع التنمية والإسكان والبنية التحتية.
إن المجتمع الذى يكثر فيه الزواج مجتمع صحي، بريء من المنغِّصات؛ إذ الزواج جدار واق من المؤثرات النفسية، وبه يتحقق التعاون والتساند بين النوعين، ولقد تولَّت الحكومة الأمريكية في وقت سابق (فبراير 2009) حملة إعلانية ذات تكلفة عالية، هدفت إلى التركيز على فوائد الزواج فى العشرينيات، وقال عالم الاجتماع (بول أماتو)، مستشار الحملة، إن الأبحاث التى أجراها مسئولو الحملة أظهرت أن المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل ويشعرون بالفرح.
وهذه السطور نداء لكل غيور للتفكير في سبل الخروج من هذه المشكلة المهددة للمجتمع، وهى نواة لنزيد عليها؛ بما يستنقذنا من ذلك البلاء الذي حلّ بنا منذ ثماني سنوات فعكَّر صفونا وكدَّر ماءنا. اللهم من رفق بالمسلمين فارفق به ومن شقَّ عليهم فاشقق عليه. آمين.
- عامر شماخ يكتب: «عبيرُ الثَّورة» - الأثنين _23 _يناير _2023AH 23-1-2023AD
- عامر شماخ يكتب: «تعطُّل مشاريعِ الزواجِ.. كارثةٌ تنتظرُ الحلَّ» - الجمعة _6 _يناير _2023AH 6-1-2023AD
- عامر شماخ يكتب: لماذا لا تعددُ المرأةُ؟ - الجمعة _30 _ديسمبر _2022AH 30-12-2022AD