توجهت إلى هذه المدينة من بعد صلاة فجر الجمعة، وبعد خمس ساعات سفر بالقطارات وجدتني أمام كنيسة،
وأمام ترددي قال لي مرافقي تفضل بالدخول لقد رفعنا الصليب واللوحات والمذبح وكل شيء بعدما اشتريناها وأضحت مسجدا تماما.
– لم يقل لي إخوانك هذا الخبر حينما دعونني.
— ربما لم يجدوا مناسبة ما لإخبارك.
دخلت غرفة الإمام وبعد خمسة دقائق قمت فيها بترتيب مظهر الإمامة،
وجدتهم يضعون لي مشبك الميكرفون في ياقة القميص قائلين تفضل فنحن متأخرون لمدة دقيقة عن الموعد المقرر لبدء شعائر الجمعة،
وفجأة وجدتني على منبر أخطب الجمعة في مبنى كنيسة، كنت أنتزع رأسي انتزاعا من أخيلتي وتصوراتي،
المبنى جديد وفخم والأساس الداخلي ثمين القيمة، والمطبخ ودورات المياه البالغة النظافة،
والتراس الداخلي والشرفة العلوية، والحديقة الدائرة حول المبنى.
نعم في هذه الجنبات كلها كانت كلمات الشرك تترى وتتابع،
كانوا يعبدون المسيح ويرجونه ويبكون عذاباته ويقدسون الصليب الذي صُلب عليه بحسب أخيلتهم وماشُبّه لهم..
واليوم يقف مثلي على المنبر وأردد شهادة التوحيد الخالص لله وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائه ورسله، وأستعرض كنوز الفاتحة وعلامات جدية طلب الصراط المستقيم..
وبطول صلوات الجمعة والسبت وفجر الأحد ومخزن دموعي يمدني بحاجات قلبي وهو يستشرف الآفاق،
التي تنفتح أمام دين الله الحق رغم كل العوائق والمصاعب والإتهامات والمشانق والسجون.
الاستعدادات لقداس الأحد!
وحين قيامي لصلاة وتري قبل فجر الأحد أخذت أتأمل مدى الاستعدادات التي كانوا يقومون بها في مثل هذا الوقت لقداس الأحد الذي يكرس للأباطيل والضلال والانحراف،
وكيف أنني الآن سأعد لصلاة الفجر والخاطرة التي تليها والتي امتدت أمس لأكثر من ساعة.
يتمدد وجهي حين الابتسام سخرية من تصوراتي الساذجة حين وحيث حددت وحصرت منطقة تنزل نصرات الله،
وصرفت عيون قلبي ترقبها هناك في وطني المغصوب وتتابع أخبارها هناك،
بينما تحوم غيمات غيث النصر في محلات أخرى مستبعدة تماما،
وقد تكاثفت الغيمات وأنزلت غيثها فعلا،
بل سطعت الشمس على قلوبٍ فرحةٍ بانتقال كنيسة من مكمن شرك وانحراف إلى مكمن توحيد ونور وتربية قلوب لذلك،
فأنا متعجب فعلا، والله، من هذه الإمدادات التي أتلقى إلهاماتها في تلك الساعات المحدودة،
فلا أتخيل أنني استعرضت بفضل ربي جماليات أعظم سورة في كتاب الله (الفاتحة)،
وأعظم آية في كتاب الله (زلزال آية الكرسي وتوابعه المجيدة)، وحديثا مفصلا في قصة استخلاف آدم ونحن من خلفه، وعناصر التربية في محضن لقمان،
واستعراض أحكام تلاوة القرآن كلها في ساعتين، والتطبيق العملي في نحو ساعتين أيضا،
وكانت أصوات الصغار والكبار تردد بقوة وحماس من خلفي والجميع يسعد باكتشاف النون الساكنة وماذا سيفعل فيها الحرف الذي يليها، وكذا الميم الساكنة،
ومواضع الغنن والقلقلة والمدود وعلامات الوقف،
وربما ألقينا بعض الشذرات السريعة عن التفخيم والترقيق والهمس،
وكل ذلك في يومين ونصف وعقب الصلوات لتحس أن بركة الله ورضاه تشملنا جميعا وتبشرنا بقادم جميل.
إيه يا سيدي المسيح، كأنني أصافح وجهك الباسم الراض ويدك تشد على يدي أنك فرح وراض،
وتطلب مزيدا لعودة أمتك إلى رحابة ونور الصراط المستقيم بعد ألم رؤيتها تنزلق إلى ساحات الضلال والانحراف
وتسمي الاختلاقات الكاذبة دينا وتنسبه إليك، فها نحن سنتلوا بفضل الله وإذنه آيات المحاكمة القدسية التي تعلن جمال وكمال براءتكم في ختام سورة المائدة بعد ساعة إن شاء الله.
- عادل الشريف يكتب: مسافات القلوب - الجمعة _10 _فبراير _2023AH 10-2-2023AD
- عادل الشريف يكتب: سينما التهجد - الأربعاء _4 _يناير _2023AH 4-1-2023AD
- عادل الشريف يكتب: حوار ناقص - السبت _22 _يناير _2022AH 22-1-2022AD