لا شك بأن اللغة -أية لغة- تعد من مقومات الشخصية الحضارية لأي شعب في هذا العالم؛
فهي الشكل المركزي للتعبير، والأكثر أهمية من بين أشكال التعبير الأخرى كالرسم والموسيقى..
وتولي الشعوب الحية لغتها أهمية كبرى، وترفض التعامل مع غيرها بوصفها اللغة الوطنية،
التي يؤشر احترامها على احترام التراب الوطني وتاريخ الأمة وأمجادها، إلا ما كان لغة ثانية يتعلمها بعض أبناء الأمة للتواصل الفكري والثقافي والإنساني..
وإذا نظرنا إلى لغتنا العربية؛ بميزاتها الكثيرة وتنوع أساليب التعبير فيها، لوجدنا أنها حقا اللغة المعجزة بين لغات العالم؛
إذ يكفي أن نعلم أن عدد كلماتها يفوق 13 مليون كلمة، بينما لا تجاوز أقرب اللغات إليها 6.5 مليون كلمة،
وقد أشار المستشرقون الذين تعمقوا في اللغة العربية بنحوها وصرفها وتنوع أساليب التعبير من خلال مفرداتها الثرية بأنها أقوى اللغات وأجملها وأقدرها على التعبير..
ويؤسفني شديد الأسف أن كل شعوب العالم تحترم لغتها، وتجلها وتغار عليها، وتنتصر لها إلا نحن العرب المصابون بأزمات نفسية كثيرة أهمها الهزيمة النفسية،
نتخلى عن لغتنا لصالح لغات أخرى أهمها الإنجليزية والفرنسية، وهي أعظم لغة على الإطلاق، بشهادة العدو قبل الصديق..
إننا نعاني من غيبوبة حضارية، وانهيار قيمي وانخفاض في مستوى الوعي،
وانحياز للدول المستعمرة التي استعمرتنا وبثت فينا ثقافاتها وعملت على تحجيم الثقافة الأصيلة التي نشأ عليها أباؤنا وأجدادنا..
وتربوا في كنفها على تقديس العربية كونها إحدى ركائز الوعي الجمعي بأهميتها ومغزى الانتماء لها كونها لغة تاريخنا وشعرنا العربي وقرآننا الكريم..
والعجب العجاب وجدته في دول المغرب العربي وتحديدا الجزائر والمغرب وتونس،
هذه الدول التي لم تستطع أن تتخلص من براثن اللغة الفرنسية،
بل كلما خرجت صيحة تنادي بالتخلي عن هذه اللغة لصالح اللغة العربية؛
خرج من الجحور كثيرون ممن يسمون بالنخبة زورا رافضين هذه الدعوات التي يعدونها دعوات متخلفة تضر بالمجتمع وتعيده إلى الماضي المتخلف، كما يقولون..!!
الفرنسية في دول المغرب العربي
لم تزل اللغة الفرنسية هي لغة الغالبية العظمى من المؤسسات العامة والشركات والبنوك في دول المغرب العربي،
ناهيك عن المدارس والجامعات التي تخلت عن العربية لصالح اللغة الفرنسية..
شيء مؤلم ألا تجد مسؤولا عربيا واحدا أو برلمانا في المغرب العربي يتخذ قرارا صارما بالتوقف عن التعامل بالفرنسية في مفاصل الدولة ومؤسساتها،
والأكثر من ذلك أن كثير من أبناء المغرب العربي حين يتحدثون في الملتقيات العامة من ندوات ومؤتمرات أو في أحاديث التلفزة يخلطون بين العربية والفرنسية،
حتى قال لي صديق عربي مرة: والله أمركم عجيب أنتم أيها التوانسة.. فقلت له لماذا؟
قال: أقعد متصلبا أمام التلفزة التونسية لأستمع إلى حوار مهم في قضية سياسية أو فكرية،
وأصغي بكل ما أوتيت من قدرة على الإصغاء،
وفي المفصل الرئيس وحين أزيد من تركيزي ينتقل المتحدث إلى الفرنسية فيتكلم بها بعض الجمل ثم يعود إلى العربية ثم إلى الفرنسية،
غير عابئ بأمثالي من الجهلة بالفرنسية؛ فأصاب بحالة قهر لا يمكن لك أن تتخيليها، فأغلق التلفاز وأنا في غاية الغضب،
ولا أكتمك سرا أنني أشتم المتحدث بكل الشتائم، تفرزها حالة الحنق في مثل هذه المواقف السمجة…!!
لا يجوز بحال من الأحوال أن تقوم لغة أخرى بمغالبة لغة الوطن في وطنها،
فتلك كارثة عمياء وضعف وهشاشة وانهيار لوزن الأمة الاعتباري وموقفها الحضاري..
وتأتي هذه المغالبة في أمور منها:
– اللافتات الإعلانية ولوحات المحال التجارية بالفرنسية.
– مكاتبات الهيئات العامة والمؤسسات الخاصة بالفرنسية.
– كل الأوراق والتقارير الصادرة عن المستشفيات والبنوك والمؤسسات التجارية والفواتير وغيرها كثير بالفرنسية.
– كلام الغالبية العظمى من الشعب مخلوط بالفرنسية.
– كثير من مفردات اللهجات العامية أصلها فرنسي.
أليست تلك مشكلة وطنية حقيقية؟ يجب حلها في أقرب الآجال؟!
ومن المؤلم أن يحس من لا يتقن الفرنسية بالخجل، والمؤلم أكثر أن ينظر له الساقطون في عشق فرنسا على أنه خارج منظومة الثقافة والحضارة..
وأنه جاهل بهذه اللغة التي باتت اللغة الأولى في وطن العرب واللغة الأصلية باتت ثانية، وتلك حقيقة لا يماري فيها أحد
على دول المغرب العربي أن تحس بالعار والخزي أمام عجزها عن احترام لغتها القومية وإعطائها القيمة التي تستحقها،
وأن تضع خططا وبرامج سريعة للتخلص من تغول الفرنسية،
وتنمر عبيدها على من ينادون بالاتكاء على لغتنا وترك الفرنسية لغة ثانية،
ولا ضير في أن يتعلم العربي أكثر من لغة؛ فذلك لا بأس به، فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم..!
- عائدة بن عمر تكتب: قيس بن سعيد على خطى بشار الأسد - الثلاثاء _20 _ديسمبر _2022AH 20-12-2022AD
- عائدة بن عمر تكتب: الاحتجاجات في إيران؟! - الأثنين _7 _نوفمبر _2022AH 7-11-2022AD
- عائدة بن عمر يكتب: النسوية بين مؤامرة التخريب ومهمة الإصلاح - الخميس _13 _أكتوبر _2022AH 13-10-2022AD