سنة 2010م، لعبت الجزائر ومصر مباراة التصفية؛ من أجل التأهل لكأس العالم، وكانت مباراة مشحونة؛ لأغراض سياسية، ثم بعد المباراة واصل الإعلام ما بَدَأَ بِهِ، وتَبدَأ حربٌ كَلَامية لا نهاية لها، وأصبحت أُمنية كُلُّ مِصريٍ أن يجد جزائريًا؛ لينتقم منه، والأمر كذلك بالنسبة للجزائريين.
ثم تأتي مباراة نصف نهائي كأس أمم أفريقيا في -أنغولا- ليتقابل الفريقان، وكل مِنهُمَا غِلٌ وحِقدٌ على الآخر، اللاعبون،المشجعون، شعب الإعلام، وكان لحكم المباراة -كوفي كودجا- دورٌ كبيرٌ في نظر الجزائريين، حيث طرد ثلاثة لاعبين.
أما المُخْرَجاتُ من هذه المباراة، أعط مثالين فقط.
01: يُحدثني شيخ جزائري عُمره جاوز السبعون عامًا، قال لي بالحرف: أٌمنِيَتِي أن ألتقي الحكم كوفي كودجا، وأغرز هذا السكين في قلبه، وكان يحمل سكينا، علما أن هذا الشيخ الكبير جزائري مقيم في فرنسا.
02: وإذا زرت الجزائر في تلك الفترة فإن أكبر لافتة ستجدها هي صورة هذا الحكم معلقة في كل مكان، مع بطاقته الحمراء.
هذه مباراة وحكم مباراة تستفز شعبا بأكمله.
– نرجع لحديثنا عن الإرهاب، ولا أريد التَّحَدُّثَ عن معنى الكلمة وتخريجاتها اللغوية ومعناها الفقهي، أريد معناها العملي، الإرهاب الذي يُرهب الطرف الآخر.
من طبيعة المسلم بل وواجب المسلم اتْجَاهَ أخيه أن ينتصر له، وهذا بنص الحديث الشريف، {انصر أخاك ظالما أو مظلوما}، (البخاري) وهذا واقعٌ مُعاش في تاريخ الأمة الإسلامية، وَتَرَسَّخَ في فِكر الأجيال الحديثة بعد الثورات العربية التي قادها كل من الأمير عبد القادر الجزائري، وعمر المختار في ليبيا، ومحمد عبد الكريم الخطابي في المغرب، وبقي هذا الخُلُقُ مُلازما وَحَقًا شَرْعِيا لكل الشعوب المسلمة، وتحقق أكبر وأكبر في ثورات التحرير أواسط القرن العشرين.
ومع مجيئ جمال عبد الناصر، وبَدَأَتْ تَظهرِ فِكْرَة مَا يُسَمَّى القومية العربية، وَطُغيَانِها على الروحِ الإسلاميةِ، ولكن بَقِيَتْ هذه الأَوَاسِرُ مُتَمَاسِكةً؛ فـ عبد الناصر دعم الجزائر في حربها، ثم كانت حرب سنة 1967م، التي قَرَّبَتِ اللُّحْمَة العربية، ثُم تَمَاسَكَتْ واكْتَمَلَتْ بَعد حرب 1973م، قبل أن تَتَمَزَّقَ فِي كامب ديفيد سنة 1978م.
وإن تَمزقت اللُّحمة العربية في كامب ديفيد إلا أن الروح الإسلامية مازالت تَتَعانَقُ في كل البلاد الإسلامية.
– ويأتي الاتحاد السوفيتي بكل جَبَرُوتِهِ ويَحتل جُزءًا عَزِيزًا من الأمة الإسلامية، وَتَبدَأُ الحَنَاجِرُ مِن فَوق المنابر تَنْتَصِرُ لِعِزِّ أُمَّةٍ انْتُهِكَ، وتَبدأُ الرِّجال والبنادق تُزَفُّ إلى أرض الأفغان زُرَافَاتٍ وَوُحْدَانا، وَأَسْرَابٍ مِثل الطيورِ المهاجرةِ، وَتَنتَصِرُ الأفغان، ويَفرحُ المُجَاهدون؛ لأنهم سيعيشون في بَلَدٍ دُستوره القرآن، ثم كانت لِنهاية الأفغان رِواية أخرى، لأن وراء تلك الدعوات التي تدعو للجهاد قِوى أخرى؛ لذلك لم يسموا بالإرهابيين مبدئيا، ولكن مجاهدين.
وقبل أن تَجِفَّ دِماءُ الأفغان، تَوَجَّهَ الغرب الصليبي بكل جَبَرُوتِهِ إلى أرض الرشيد ودار السلام، بلاد العلم والحكمة، إلا أنه في هذه المرةِ كانت الحَنَاجِرُ مع الغرب ضد العراق، والأَكثَرُ غَرَابة أن من كان يُفتي بِوجوب الجهاد في الأفغان، أَصبح يُفتي بِوُجُوبِ الجِهَادِ ضِد العراق البلد المسلم!
تُرَى كيف سيكون رَدُّ شباب الأمة الإسلامية، (الذي تربى على الجهاد في أرض الأفغان)، أَرضُ أَجدادِهِ تُدكُ وَيَدُكُهَا مع العُدوانِ الخارجِيِ الأخُ العربي، ليس هذا فقط، ثم تَتَّجِهُ هذه الجيوش الجرارة إلى الصومال المسلم، ثم سنة 1996م، تضرب لبنان، ثم سنة 2001م، غَزْوٌ شَامل لِأَرض الأفغان؛ التي كانت قَبلَ فَتْرَةٍ وجيزة هي القاعدة الشرعية للجهاد في سبيل الله، ثم جُيوشٌ جَرَّارَةٌ تَجتَاحُ العِرَاقَ ثَانِيةً، وكل هذا بفتاوى من شُيوخ يُعتبرون المَرْجَعِياتٍ في بِلادهم، وإعلامٌ داعم لهذا الغزو الغَرْبِيِّ للبلادِ الشَّرقية، ومع هذا قَمع عَربِي شَدِيدٌ، وَتَكْمِيمٌ لِلْأَفْوَاهِ رَهِيبٌ، وَفَوق ذلك حربٌ شَعواء على كل ما هو إسلامي في البلاد العربية، ولا أريد التفصيل في هذا.
النتيجة:
فَبطبيعة الحالُ يُصبح الشباب يبحث عن مَخْرَجٍ لِيَنتقِمَ، والانتقام في أي مكان وأي زمان، وهو مُستعدٌ اسْتِعدَادًا كُلِّيًا لِذلك، فقط يبحث عَن مَنْ يحتويه؛ لذلك لما ظَهرت جماعة الزرقاوي في العراق، وبالرغم من الشروط الصعبة والاحتياطات التي جعلتها لكل من يَرغب في الالتحاق بهم، إلا أن أرقام المنضوين تحت لوائه كانت رهيبة، حيث وصل عدد الأجانب الذين التحقوا به حوالي أربعين ألفا، وأما فيما يخص فِدَائِيُّو صدام، والجيش العراقي الذي حَلَّته أمريكا، ورفض الزرقاوي انضمام أفراده إليه، فبعد استشهاد الزرقاوي وتشكيل الصحوات وبَدَأَ التناحر بين الجماعات المسلحة، استطاع كل هؤلاء (أفراد الجيش العراقي وفدائيوا صدام) الانضمام إلى المجموعات المسلحة التي كانت تحارب أمريكا والصحوات.
فالأرقام التي توصلت إليها مراكز الإحصاء الغربية المتخصصة، تشير إلى أن من ينتمي للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، قَدِمُوا من أكثر من خمسين دولة، وعليه يتضح عِيانا أن السبب الأول للإرهاب هو:
01: الاحتلال
02: قمع الأنظمة
فيصبح الشباب يبحث عن مخرج، وعن مجموعة ينتمي إليها وَتَتَبَنَّاهُ.
أما ربط الإرهاب بالإسلام فمجرد شعارات أوهى من خيط العنكبوت، وأرق من ورق التوت الجاف، خاصة لما تكن من المحتل، او من دائرته تقتل آلاف المسلمين سنويا، وتهجر عشرات الآلاف.
وهنا جواب لماذا الشباب ينضمون لتنظيم الدولة بهذه الأعداد الرهيبة.
وطريقة العلاج واحدة لا مناص منها.
وهي القضاء على منبع الإرهاب الحقيقي.
01:الاحتلال.
02:القمع.
إن حصل هذا؛ فلا محالة سيحصل وينتهي شيء اسمه الإرهاب.
- عنتر فرحات يكتب: زلزال سوريا وأدوات نظام العولمة في الاختراق والسيطرة - الأثنين _13 _فبراير _2023AH 13-2-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نفوذ أمريكا ونظرية قريش في السيطرة الناعمة - الأحد _29 _يناير _2023AH 29-1-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نظرية قريش السياسية والألغارشية العالمية اليوم - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD