ما حدث في اليمن هذا الأسبوع بقتل جماعة الحوثي لعلي عبدالله صالح ورموز نظامه والصراع الدموي الهائل بينهما بعد انهيار تحالفهما لهو أوضح صورة تتجلى فيها طبيعة السياسات الأمبراطورية لأمريكا في إدارتها للمشهد السياسي العربي والإقليمي في المنطقة، وتوظيفها للمشاريع الإقليمية وصراعاتها ضمن إدارتها الأمبراطورية الاستعمارية والاستفادة من هذه الصراعات بين هذه المشاريع للمحافظة على نفوذها ومصالحها في المنطقة.
ففي اليمن يعد نظام علي صالح أحد أهم الركائز الأساسية للنظام العربي خاصة مع مرحلة كامب ديفيد والذي جاء علي صالح ونظامه على ضوئها عام 1978م واستمر في الحكم 40عاما، ومع قيام الثورة اليمنية عام 2011م سارعت أمريكا لقطع الطريق على الثورة من الوصول للحكم في اليمن وإسقاط نظام علي صالح فطرح على الفور المبادرة الخليجية والحوار الوطني وبرعاية دولية وأعطت جماعة الحوثي وبدعم إيراني الضوء الأخضر بدخول صنعاء والمشاركة في حكم اليمن مع حزب المؤتمر الحاكم (حزب علي صالح) بعد تهميش قوى الثورة وإخراجها من المشهد السياسي بعدما جعلتها الثورة في صدارة الحدث اليمني.
لقد قامت أمريكا بتوظيف النظام العربي ممثلا في نظام علي صالح والتحالف العربي والنظام الإيراني ممثلا في جماعة الحوثي لمواجهة ثورة الشعب اليمني والسيطرة على صنعاء بعد تحالفهما وتفاهمهما برعاية أمريكية واستمر هذا التحالف وإن كان ظاهره الصراع والحرب على عدة جبهات في اليمن لكنه ظل صراع متحكم به وموجه بهدف ضرب الثورة وقواها وحصار المدن الثائرة كتعز وضرب البنية التحتية ليصبح اليمن ضعيفا مفككا تحت السيطرة الاستعمارية بالأدوات الوظيفية.
وبعد قمة الرياض 2017م ووفق ترتيبات أمريكية للمنطقة في إطار مشروع ترامب للشرق الأوسط سعى النظام العربي والثورة المضادة بالعمل على عودة نظام صالح للحكم في اليمن وبدأت الخطوات العملية مع دعوة علي صالح للإحتفال بذكرى تأسيس حزب المؤتمر وبعد ذلك بدأ نظام علي صالح ودولته العميقة وبدعم من التحالف العربي على تهيئة الساحة اليمنية لعودته بعد القضاء أو تهميش جماعة الحوثي وحددت ساعة الصفر قبل أيام من القمة الخليجية في الكويت في 5 / 12 / 2017م والتي كان مقررا حضور وزير الدفاع الأمريكي على هامشها للإشراف على نتائج الترتيبات الأمريكية للمشهد السياسي في الخليج والجزيرة العربية وللإعداد لإعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والذي أعلن عنه ترامب لاحقا، لكن هذه الترتيبات انتكست مع مقتل علي صالح المفاجئ على يد جماعة الحوثي التي أدركت خطورة الترتيبات الأمريكية والثورة المضادة على نفوذها السياسي في اليمن فسارعت بالقضاء على علي صالح وأركان نظامه، وبهذه الخطوة الاستباقية فرض النظام الإيراني نفسه من خلال حليفه وممثله جماعة الحوثي كلاعب رئيسي في مشهد الصراع بين المشاريع الوظيفية في صنعاء عاصمة اليمن.
وبالنسبة لأمريكا ففي المشهد اليمني لا يهمها من يحكم صنعاء سواء جماعة الحوثي ممثلة لإيران أو نظام علي صالح ممثلا للنظام العربي فكلاهما سواء تفاهما أو تصارعا مشاريع وظيفية يمنحان المساحة اللازمة من التحرك السياسي والعسكري بمقدار ما يحقق الأهداف الأمريكية في المنطقة العربية وأهم هدف لأمريكا اليوم هو مواجهة الثورة العربية فهي الخطر الحقيقي على نفوذها ومصالحها.
فمقتل علي عبدالله صالح وإن كان على يد جماعة الحوثي فإنه جعل المشهد اليمني أكثر وضوحا أمام الشعب وقوى الثورة والتي كانت الأمور مختلطة عليها بوجود الدولة العميقة لنظام علي صالح وتغلغلها في بنية المجتمع اليمني السياسية والإجتماعية وصعوبة الفرز وعزل قوى الثورة المضادة والدولة العميقة وكان هذا من أهم أسباب تراجع الثورة في اليمن، ولكن مع تقدم جماعة الحوثي وقضائها على نظام علي صالح وأركانه أصبح الطريق أمام الثورة اليمنية وقواها خاليا من هذه الإشكالات والعقبات العميقة التي كفتهم جماعة الحوثي إياها لتتجلى بذلك ألطاف الله عز وجل بالشعب اليمني ومكره بأعدائه بهذا المشهد القدري الذي ستمتد آثاره على الثورة العربية في كل الساحات وليس في اليمن وحدها ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
إن هذا الصراعات بين المشاريع الوظيفية في المنطقة والتي لا تخدم إلا القوى الاستعمارية لن تنتهي حتى تنجح الثورة العربية في اليمن وغيرها من الساحات في تحقيق أهدافها، حينها سيتحقق للأمة وشعوبها ما تصبو إليه في التحرر من الاحتلال والاستبداد منذ سقوط الخلافة إلى اليوم ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.
- سيف الهاجري يكتب: تركيا.. وانتخابات القرن! - الخميس _20 _أبريل _2023AH 20-4-2023AD
- سيف الهاجري يكتب: سوريا واليمن.. والتخادم العربي الإيراني! - الثلاثاء _18 _أبريل _2023AH 18-4-2023AD
- سيف الهاجري يكتب: القرار في لندن وواشنطن! - الأثنين _10 _أبريل _2023AH 10-4-2023AD