العصر القديم والأوسط .. الأدب البنغالي وتاريخه
الأدب يشعر بآداب البلاد وحضارته، وبمعاشرة الناس وثقافتهم يبرز أدبهم ومدنيّتهم، وعمر الأدب البنغالي لم يبلغ إلا إلى ألف سنوات، وتاريخه مألوف بأفراح المنطقة الفسيحة وأحزانها، وهذا الأدب لم يعقد في يوم، ومن ورائه أحداث خطيرة ومآثر جديرة، وهذا أدب حيوي ذو نضارة ورونق، وهي لغة ينطق بها المناطق المتنوعة، يتكلم بها أنواع الناس، وهذه لغة عالمية بل آفقية يحصل عليها بعد دم مسفوح من أبطال الشعب البنغالي، وهذه لغة لها تاريخ زاهر ومجد رائع.
وقد قسّم المؤرخون عصور تاريخ الأدب البنغالي إلى ثلاثة: قديم، أوسط، حديث، والعصر القديم 650-1200م، والعصر الأوسط 1200- 1800م، والعصر القديم من 1800م إلى يومنا هذا، وعند بعض المؤرخين من 1200 إلى 1350م (مائة وخمسون سنة) عام الظلمة والجهالة، وانقسم العصر الحديث إلى طرفين: الأول من 1800 إلى 1860م، والثاني من 1860 إلى الآن.
فلا غرابة أن اللغة البنغالية هي لغة سابعة عالمية من حيث اللسان والنطق، ولغة خامسة عالمية من حيث لغة الأم، وحكومة بنغلاديش قد أعلنت وأقرّت في الفصل الثالث من دستور بنغلاديش بأن اللغة البنغالية هي لغة وطينة.
في الأيام الماضية تغلّب المسلمون على البنغال وأجري عليها الحكم الإسلامي وأنهم أتوا من فجّ عميق باللغة العربية لغة لدينهم، وبالفارسية لغة لثقافتهم، ومن عانق الإسلام من سكّان البنغال جهلوا ولم يعرفوا عن هاتين اللغتين، فلما فطنت الحكومة الإسلامية-أنذاك-تعلّمت بنفسها لغة القاطنين والساكنين بها ثم حثّتهم على تعلم اللغة العربية والفارسية والسنسكريتية، وألف أدبائهم مؤلفات، وشعرائهم أبياتا، لغتها الأصلية البنغالية مزاجها بالعربية والفارسية، حتى أن الأدب البنغالي قد تطور وتفوق بالأخذ الوافر من المسلمين.
والعصر القديم لم يتسعد بالشعراء المسلمين وبإبداع قصائدهم وأشعارهم، لأن زمام الأدب البنغالي كان علي أيدي الأدباء غير المسلمين والشعراء الهندوسيين، فانحطّ الأدب البنغالي إلى المزبلة الأدبية وعشعش فيه الشر والقبح، والوقاحة والفجور فيترقب الأدب البنغالي عصرا ترنّ فيه صفارة الأدب والشعر مالوفين بالرحيق الإسلامي والعنصر الديني.
فيتقدم عصر خطوة إثر خطوة في القرن الثاني عشر الميلادي، أنشد فيه الشعراء المسلمون وألفوا قصائدا وأبياتا تنطق عن الإسلام والمسلمين ويستمر هذا العصر إلى القرن الثامن عشر الميلادي، ويقال هذا العصر ” العصر الأوسط”، أنجب هذا العصرُ شعراء إسلاميين يعتزّ بهم التاريخ ويباهي الأدب البنغالي بنفسه كالشاعر شاه محمد صغير والشاعر الشهير علاؤل والشاعر حياة حمود والشاعر سيد سلطان والشاعر نصر الله خندكار وغيرهم من الأفذاذ.
فلا غرو ولا عجب بأن الأدب البنغالي قد تطور ويرتقي إلى الأعلى بقدم راسخ من الأدباء والمؤلفين والشعراء الإسلاميين، فلا مبالغة و لا مكاثرة أن يقال بأن الأدباء والشعراء المسلمين قد لعبوا دورا بالغا في نشر الأدب البنغالي ووصوله إلا مشارق الأرض ومغاربها وتعارفه إلى الدول الأجنبية وإلى المناطق المتنوعة، فالأدباء والمؤلفين الإسلاميين قد استخدموا في كتابتهم وتأليفهمن كلمات وألفاظ سلسة رائقة رائعة غير صعبة ولا مشوشة، كما كان دأب المؤلفين غير المسلمين.
وأوراق التاريخ البنغالي تشهد بأن الذين ابتلّت الأرض بدمائهم في تحصيل اللغة البنغالية لغة وطنية دولية عام 1952م فكلّهم من الأبناء المسلمين مثل: رفيق، جبار، سلام، فاستغرب العالم ودهش بفدائهم وتضحيتهم تجاه وطنهم الحبيب ولسانهم المنشود!! فجدير لنا أن نهتف ونعلن بصوت عال جهوري بأن المسلمين لهم خدمات ومساهمات جديرة في نشر الأدب البنغالي وترميمه، وهم القوائم والدعائم.
الملوك المسلمون وحكّام الدولة الإسلامية في العهد الأوسط قد لعبوا دورا بالغا في الأدب البنغالي وكانوا يحثون الشعرآء المسلمين على إبداع الأشعار البنغالية على طراز رائع وعلى أسلوب رونق، ويحرضونهم على إنشاء الأبيات الإسلامية في قالب رشيق فمأثر الملوك المسلمين في العصر الأوسط وخدماتهم تجاه الشعر البنغالي لا تكذب ولا تنكر.
ومما يجدر بالذكر أن العصر الأوسط قد يختلف عن العصر القديم في إنشاء الشعراء البنغالي الإسلامي بل يزدهر ويتطور في العصر الأوسط ما لا يتطور في غيره، بل أضيف إلى ذخيرة الأبيات أشعارا خلابة رائعة التي يشير ويؤمي إلى عبقرية الشعراء البنغاليين وحبّهم بالوعي الإسلامي والنخوة الإسلامية.
فالشعراء الذين حملوا ثروة الإيمان وتمهّروا واشتهروا في الشعر البنغالي هم شرذمة قليلون، وذلك في العصر الأوسط، لأن البيئة-أنذاك- مضطربة والأوضاع مشوشة ربّما لا تساعد الشعر، والذين تبرعوا واشتهروا فيه فنحن نذكر فيما يلي عن حياتهم وشخصياتهم وعن روائع أشعارهم الشهيرة وعن رصانة أبياتهم الرائقة.
◄الشاعر شاه محمد صغير
كان الشاعر شاه محمد صغير من أقدم الشعراء البنغاليين المسلمين، ما عرف التاريخ أية ذخيرة وقصيدة قبل ذخيرته، كان شعره متآلف من ألفاظ عديدة من العربية والفارسية والبنغالية، وكان شاعرا لبيبا جامعا بين اللغات المتنوعة، وكان من شعراء القرن السادس عشر البنغالي في اللغة البنغالية، إنه من شعراء مدينة شيتاغونغ (Chattogram)، فلما بدأت ممارسة إنشاء الشعر أقبل الشعراء على الشعر البنغالي والانغماس به، وكان شاه صغير أول من أبدع الشعر الإسلامي باللغة البنغالية، وكانت القصائد والأبيات والروايات -آنذاك- متلوثة برائحة من «رامايان ، مهابهارت، بوران» وغيرها من الكتب الهندوسية، فالشاعر المتحمس قد قذفها ولفظها وجعل في مكانها اللمس والمس الشعري من الكتاب والسنة بل إنه أدخل في موسوعة الأدب البنغالي ألفاظا سلسة وكلمات سهلة عربية وفارسية. لقد وصف الشاعر روايته الشهيرة “يوسف وزليخة” نظرا إلى تعارف الشعب البنغالي بالأدب الإسلامي وإلى الاعتماد على الفلسفة الإسلامية، وهذه القصيدة أو الرواية تحكى عن شغف زليخة بيوسف عليه السلام، واستمد الشاعر في تأليفه من الكتاب والسنة والدواوين والكتب العربية و الفارسية، وقال الشاعر نفسه عن سبب تأليف هذه المخطوطة:
«وهي أول قصيدة ضحكية ورواية ودّية وأدب الطبيعة البشرية».
وهي قصيدة مؤلفة من كلام مسجع تحكى عن حكاية رائعة ودّية، التي قد بلغت إلى أوج المحامد والثناء والتأثر في النفوس والفؤاد، وكان التاريخ لم يتعين مكان إبداع قصيدته تلك، بل اختلفت أقوال العقلاء والمؤرخين، وكانت تلك القصيدة هي أول قصيدة أو رواية ألفية وودّية.
◄الشاعر علاؤل
كان من شعراء القرن السابع البنغالي، وكان يبدع الشعر والقصيدة تحت حضان الملاّك الفاخرين في أراكان (ولاية بورما)، وكان شاعرا مجيدا، وكان حياته مفعمة بالحوادث والخطوب، وكان قاتل مع هرملا وقد سجن مرة ونجا منه تارة، وكان يتسول الناس في الأسواق في الضراء حتى أنه أصبح شخصا شريفا معروفا لدى الملوك في أراكان آنذاك وقد جرى في حياته العقيمة المد و الجزر، وكان الشاعر لبقا ماهرا في العربية والفارسية والأردية والبنغالية و حاذقا في الأنشودة المسرحية حتى أنه نال التقرب البلاطي والجوائز الملكية بإبداع الشعر والبيت، وكان جل أشعاره وقصائده ينطق عن الشجاعة والبسالة ويحكى عن الحروب الدامية بصورة شعر وبيت، وكان شاعرا بلاطيا لولاية أراكان،
عقدت المواصلة الأدبية والثقافية بين شيتاغونغ وأراكان في سلخ القرن الرابع عشر البنغالي وأحكمت في غرة القرن الخامس عشر البنغالي، و في ذاك الوقت احتل الأدب البنغالي مكانة في بلاط أراكان الملكي، وأكثر المنتسبين إلى الشعر البنغالي في بلاطهم هم من سكان شيتاغونغ و سلهت، لذلك قد أصبح الأدب البنغالي والثقافة البنغالية مقبولة معروفة لدى البلاط الملكي وعند ملاكه، ومن أعجب العجائب أن الشعراء الذين اعترف بهم بلاط أراكان الملكي كلهم مسلمون و متحمسون بالوعي الإسلامي .
وكان جل شعره وقصيدته مؤلف ومكون نظرا إلى الكتب الفارسية والكتب الهندوسية وقد ألف الشاعر كثيرا في القصائد الحكائية والودية والرحلية وكان أشهر قصائده وأروع رواياته النيلوفر، وهذه أول قصيدته و مخطوطته من حيث الإبداع وهي تحكى عن الشجاعة والبسالة كما تحكى عن المحبة والألفة والفرحة والبهجة، وهي تعد من أروع القصائد البنغالية وأروقها في العصر الأوسط، ومن أبرز قصائد وأسطورته أيضا «تحفة» في الملة والشريعة، و«سيف الملوك بديع الجمال» في الأمثال والأقوال العربية، و«رسالة الكفاح» في أحداث الحرب وخطوبها، «رسالة إسكندر» و«كتاب الأشعار».
لقد فاحت قصيدته الشهيرة «النبلوفر» بفوحة الإسلام والإيمان وقال في بداية إبداعها مادحا لله «سبحانه» غاية الثناء:
أستهل باسم الإله ثم أحمد تلك الذات الذي خلق الكون والأنام بنفخة واحدة وخلق النيران والنور والرياح العلعلة والسمومة والمياه، وسوى السماء والأرضيين والنار الحامية وجنات العليين، وجعل الشمس سراجا والكواكب والنجوم هادية للسارى وأن الصيف والشتاء والحرارة والبرودة كلها من صنع الله تعالى .
لقد بالغ الشاعر في الثناء على قدرة الله الباري وصنعه وعلى ربوبيته وخالقيته، قد برز في أبياته تبيان خلق الله وإبداعه قال الشاعر:
هو الذي خلق البحار السبعة والأنهار العذبة والشلالات الشامخة الباذخة والعيون والبحيرات العميقة الغائرة، وخلق متنوعة الأسماك والحيوانات وأكمن اللؤلؤ في كبد الصدف والمرجان في لجة البحر، وسوى الغابات والأشجار الملتفة المزدهرة والحيوان الذي يجوب والطير الذي يحوم و يحلق ويغرد أعذب الأناشيد على رؤوس الشجرة وهو الذي خلقها كلها وخلق جميع الكون في لحظة ولمحة واحدة وبكلمة بسيطة لا يحتاج إلى أسباب أو إلى وسائل .
عجبا! أن أبيات الشاعر كأنها هي تنطق عن الآيات القرآنية:
﴿أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات، ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير﴾ [الملك: 19]
﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ [النحل: 40]
كان الشاعر آخذا بالوعي الإسلامي والمحاسن الإسلامية والمبادئ الدينية كما كان متصوفا ومشتاقا إلى الحب الطبيعي والود وقد برز في أسطورته بيان حب الفتاة وحسنها وكيفية جوارحها وسوانحها وجوانبها كما كان دأب الشعراء الآخرين.
لقد مدح الشاعر في شعره وقصيدته سيد البشر وخاتم الرسل وبين فيها معجزاته وكراماته قبل بعثته وبعدها وقال:
«…..هو حبيبه محمد الذي خلقه أولا، ونوّر العالم بنور خلقه وجعل الدنيا لامعة ساطعة بنور رسالته، كان نبأه جرى عبر القرون ومضى الدهور في الكتب والصحف السماوية، لقد إنفلق القمر فليتن بتلويح سبابته الميمونة وقد أظله السحاب النعم على هامته في الحرارة الشديدة ونطقه الغزال الوحشي بكاء وأنثى عليه الثعبان مدحا، والقرآن أصبح تمينا غاليا بوصفه وناطقا بوحيه».
هكذا زين الشاعر قصيدته بذكر الرسول ﷺ ومدحه وصفاته، فأصبحت أشعاره جميلة منسقة رائعة بذكره ﷺ، وهذا يشبه قوله شاعر الرسول ﷺ حسان بن ثابت رضي الله عنه:
ما إن مدحت محمدا بقصيدتي ::: ولكن مدحت قصيدتي بمحمد
وللشاعر قصيدة أخرى تقال لها «تحفة” التي هي مترجمة من «تحفة النصائح» للصوفي يوسف الدهلوي، وهي حافلة بالمحاسن الإسلامية والمبادئ الدينية بأسلوب شعر، وهي بوّبت بخمسة وأربعين بابا، في كل منها أتى ببيان التوحيد والإيمان والرسالة والعبادة وغيرها من الحدودات والتشريعات
◄الشاعر حياة حمود
كان الشاعر من شعراء القرن السابع عشر البنغالي، وقد سكت التاريخ عن تعيين ولادته، وهو من مديرية رانبور وهذا مما يستفاد من شعره الذي بين عن قريته وولادته، وكان أبوه شاه كبير قاضيا في قريته والشاعر أيضا قد تشرف بوظيفة أبيه، كان لقبه الولادي: شاه، ولقبه الخلقي: القاضي، وكان أبوه شاعرا متغزلا أيضا، وللشاعر اللبيب مخطوطات وروايات كثيرة، أبرزها: «رسالة الحرب» و«نصيحة كمال» تحكى عن الصلاة والصوم والجنة والنار..
والمسائل الشرعية حتى المسائل الزوجية، ومنها: «رفاهة الصعلوك» وكانت قصيدته مفعمة حافلة بالتوحيد والألوهية والوحدانية.
نصيحة كمال:
وقال الشاعر في بداية هذى القصيدة الشهيرة أثنى على الله الحميد:
الله هو الواحد ليس له مثل ولا شريك، هو الذي خلق حبيبه من نوره الساطع، وسماه محمودا محمدا وحبيبا.. وأنه قد استأثر عنده أربعا: حياة، ممات، رزقا، ثروة، فلا يشركه فيها أحد وخلق الجنة برحمته ومنته وأدخلها المؤمنين، ثم خلق النار لها سبعة أبواب أكب عليها كل كفار أثيم وجعل الكواكب زينة للسماء وهداية للسارى، والجبال شامخات راسيات و النهار والليلة راحة للناس .
فلا غرو، أن قصائده هذى كأنها تنطق عن النصوص القرآنية التي يذكر فيها الوحدانية والألوهية وأسرار الكائنات:
﴿ قل هو الله أحد﴾[الإخلاص: 1]، ﴿ ولله المثل الأعلى﴾ [النحل: 6]، ﴿ ليس كمثله شئ﴾. ﴿وزينا السماء الدنيا مصابيح﴾ [حم السجدة: 12]، ﴿لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم إن المتقين في جنات وعيون﴾[ الحجر: 44-45]
ومن أبرز شعره:
* رفاهية الصعلوك:
وهذه المخطوطة تحكى عن التصوف والمعرفة وعن الأسلوب الفقري، وهي بدأت بالحمد لله والصلاة على حبيبه ثم بين عن المصحف من تعداد الآي والسور والأحزاب ثم شرع في التصوف قائلا:
«العمل كنز نفيس سام، والله تعالى في اليمن وحبيبه محمد ﷺ في الأيسر، والقبور إما للخير وإما للشرير، والكاتبان الكريمان بين كتفيه».
رسالة الحرب:
تنطق عن خطوب يوم عاشوراء، بين الشاعر فيها التاريخ الإسلامي وضاحة بل التاريخ الإنساني بكلمات مؤلمة وبأسلوب مشجي .
طموح النفس:
وهذه روايته الثانية التي تحكى عن النصائح القيمة والعبر الثمنية، والمؤرخون الباحثون قد أقروها في درجة الكتاب الشهير ” كليلة و دمنة” في العبر والدروس .
القول الناصح:
وهذه القصيدة ألفها الشاعر آخر أيامه أرذل عمره عام ١١٦٠م، وهي تنطق عن الإيمان والاعتقاد الجازم والمسائل الضرورية والأحكام الدينية، كما تعانى عن الفقه الإسلامي وقد نحص الشاعر فيها حكاية الأنبياء وقصصهم والتاريخ الإسلامي تلخيصا يسيرا .
كلمات الأنبياء:
و تعدّ هذه القصيدة من صفوة الشاعر الأدبية وفي خلالها جر الشاعر قصص الأنبياء وحياتهم بأسلوب سلس وبألفاظ رائعة بعد تتبع وفحص جيد، كأنها هي طليعة الجيش في تقييد قصص الأنبياء كتابا فيما بعد .
◄الشاعر سيد سلطان
شعراء العصر الأوسط الذين تمهروا واشتهروا في إنشاء شعر بنغالي إسلامي وإبداع قصيدة دينية، وكان سيد سلطان أشعرهم بيتا وأجملهم قافية، ولد في قرية براغل بور في مدينة شيتاغونغ، وكان شاعرا إسلاميا مجيدا ومؤلفا ومدرسا كما كان صوفيا وليا، ويعده من شعراء شيتاغونغ الماهرين،كان للشاعر قصائد وروايات شعرية، أبرزها: «نبراس العلم في الجهد والمثابرة»، «نسب النبي المبارك ﷺ » و«ليلة الإسراء» «وفاة الرسول ﷺ» «سيرة محمد ﷺ» «رسالة إبليس» «نغمة التصوف».
نسب النبي المبارك: قصيدة صخمة تعانى عن اثنى عشر نبيا وحكاياتهم قال في طليعته بعد البسملة:
«أحمد الله الذي لا صورة له ولا مثيل له، والذي خلق السموات والأرض مثلهن والذي أرسل مأية ألف وأربعة وعشرين ألفا نبيا، فلا يسع لي أن نقيد حياة كلهم لضيق السطور والمقام».
في هذه القصيدة لم يذكر الشاعر نسب أي نبي ولا مرسل بل رسم الشاعر فيها حكاية الأنبياء تلخيصا من آدم إلى سيدنا محمد وقصيدته تألفت حول بلاد العرب والشاعر من شعراء بنغلاديش قد صور الشاعر فيها صورة وطنه الذي ولد فيه وشعبه الذي يعاش به ومجتمعه الذي ترباه وسلوك الناس الذين يخالط بهم.
وقد تصورت في القصيدة حادثة القتلة الأولى التي حدثت بين هابل وقابل كما تصور آخر أيام أدم عليه السلام مع حواء عليه السلام عند الوفاة وذلك كله كما تخيله الشاعر من حكاية أو قصة، وقد ذكر فيها أيضا حكاية نبي الله ﷺ وسيرة الرسول ﷺ وعده أصحابه .
سيرة الرسول:
قال الشاعر في بداية هذه القصيدة: حمدا بالغا لله تعالى أولا الذي هو الحي القيوم ثم أصغوا أذانكم إلى قول الرسول ﷺ وإلى سيرته وسننه.
وقال في نهاية القصيدة: لقد استشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم خلفه عثمان بن العفان رضي الله عنه وتولى زمام الخلافة وهو كان حاكما اثنى عشر حجة، وأنا أحاول أن أقيد حكايته في كتاب أو سفر، إن كنتم تريدون .
والشاعر قد بين سيرة الخلفاء الثلاثة الأولى تلخيصا في قصيدته الشهيرة «الوفيات»، وقال الشاعر مؤكدا: إذا لم يكن دور العالم في تنمية المجتمع وترميمه وتطوره بلسانه وأدبه، فإنه يسأل عنها عند الله ويسأل الناس عنه.
وبهذا القول يقال أن الشاعر قد حرض العلماء المسلمين على تقدم المجتمع الإسلامي ثقافة إسلامية وحضارة دينية، وأدبا إسلاميا.
◄الشاعر نصر الله حندكار
كان الشاعر من متغزلي العصر الأوسط البنغالي ومن شعرائه، وكان من شعراء شيتاغونغ، عاش في منطقة باشخالي في شيتاغونغ، وكان قصيدته الشهيرة رسالة الشريعة قد تغلغلت في أحشاء الناس وأرجاء البلاء لجمعها في الأحكام الإسلامية والفقه الإسلامي، وهذه قصيدة ضمة وحيدة له في حياته الشعرية.
ومن أبرز شعره: رسالة الشريعة، رسالة الحرب، أسئلة موسى عليه السلام، يتبين فيها أن موسى عليه السلام قد تكلم الله في جبل الطور ويقول الشاعر أيضا: أن المسلمين قد تكلموا الله وناجوه بتلاوة القرآن وبالصلاة من غير أن يذهبوا إلى جبل الطور، ويقول:
” إن ترد أن تناجي الله فاقرأ القرآن بقلب هادئ وقم إلى الصلاة وأدها في وقتهن .
ولقد لخص الشاعر عنصر قصيدته وقيده في بدايتها فيقول: «اقتتل بشريعة الإسلام إن كنت مسلما، وإن لم يفعل المسلم فعل المسلم لم يكن مسلما حقا، والأحكام لابد منها يقال لها الأوامر والأفعال لابد من تركها يقال لها النواهي».
ثم بدأ شعره الشهيرة ببيان الصلاة فيقول:
«أبدأ المقدمة ببيان الصلاة اسمع فرحة وابتهاجا ومن الناس من يلغوا في المسجد قولا ويتقول فحشا ولا تباح الأفعال الدنوية في المسجد فلا تمش إلى المسجد الا للتعبد والتحنث لله تعالى لا غير».
ثم بدأ يتبين خرافات المسلمين وبدعهم وأفكارهم الفاسدة التي لا محل لها في الشريعة الإسلامية فيقول:
«لابد للنساء أن يقعدن في البيت وألا يخرجن منه، فمن التي يراها الأجنبي مكانها أحرقت زوجها وأن يسمع صوتها وقولها كأنها حلقت رأسه، وإن يرى وجهها غير روحها تصل النار ويلفح وجهها».
ثم سرد بيان الموت فيقول: «اسمعوا يا إخوان هناك في السماء شجرة ضخمة جميلة ملتفة الأوراق كل ورقة يحمل موت أحد يجنيها ملك الموت».
ويقول حول الغسل والكفن:
«يغسل الميت لطيفا ولا يأخذه ضغطا ولا شدة، ويصب عليه ماء البارد الصافي، يغسل الرجلُ الرجلَ وتغسل المرأة المرأةَ، إذا كان في جسد الميت نجسا لم يصل عليه موضوعا إلى الأمام ولا يكفن ولا يلبسه ثوبا رقيقا.
ثم شبه الشاعر صورة مشى الجنازة بصورة العيد فيقول:
«كأنه يتمشى إلى المصلى بعد لبس الثوب الحديد الأبيض ويتعطر بالمسك وينطلق معه الناس فوجا يعد فوج متهللين وفي أفواههم تكبير وتعظيم لله تعالى كأن العروس يذهب إلى العرس».
ثم يخاطب الشاعر الجهال والعلماء السفهاء الذين علموا نصف العلم وحرموا عن ماهية العلم فيقول:
كأنك متبحر العلوم ومتعمق الفنون ! وكأن العلم يتناثر من جنبيك! طويت رأسك بالعمامة الضخمة واكتسيت الجبة الطويلة، و قرأت الكتاب العظيم وفي يديك تلوح منسأة جميلة وفي وجهك لحاة كثة كأنك ملك مقرب بر كريم، لكن لم تقرب الصلاة ولا تقيمها بل تقول الأقاويل في المجالس والمجامع واتيت بما تنهى عنه الناس.
لقد استحوذ العلماء الخلعاء والسفهاء في ذاك العصر واستولوا على المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية خلال القرن الثامن عشر البنغالي، فتغلغلت في أحشاء المسلمين وأخلاقهم وآدابهم وأفكارهم الخرافات والأشياء التي لا عهد لها بالشريعة الإسلامية فألف الشعراء المجيدون المتحمسون شعرا يجذب به قلوب القراء والسامعين بكلمات رائعة وبألفاظ متنوعة من البنغالية والفارسية والعربية بروح إيمانية ونفحة روحانية فأصبحوا ناجحين وفائزين في إبراز وعيهم الإسلامي وحميتهم الإيمانية تجاه الشعب الإسلامي والعالم الإسلامي.
- سعيد المرتضي سعدي يكتب: الشعر البنغالي في الضوء الإسلامي - الأحد _6 _نوفمبر _2022AH 6-11-2022AD
- سعيد المرتضي سعدي يكتب: الاتجاه الإسلامي في الشعر البنغالي - الأحد _2 _أكتوبر _2022AH 2-10-2022AD
- سعيد المرتضي سعدي يكتب: اللغة العربية لغة العلوم والإسلام - الجمعة _27 _مايو _2022AH 27-5-2022AD