- فتح المنعم.. شرح صحيح مسلم - الأربعاء _6 _يناير _2021AH 6-1-2021AD
- من عجائب سورة الطلاق - الأربعاء _25 _نوفمبر _2020AH 25-11-2020AD
- الأحناف.. أم الحنابلة؟! - الجمعة _20 _نوفمبر _2020AH 20-11-2020AD
كنت أتأمل قول الشافعي رحمه الله: لا يحيط بالعربية إلا نبيّ. فأتعجب لذلك! ويبهرني نحته لهذه الحقيقة العظيمة وذلك المعنى الكبير بهذه العبارة المختصرة..
فاللغة العربية واسعة الألفاظ والمعاني، متعددة التراكيب والمباني، غزيرة الأساليب، عظيمة الصياغة، فخيمة المنطق، يجمعها كلها على اتساعها قواعد وأصول لا تختلف.. ولا يمكن لآحاد الناس أن يحيط بها كلها على هذا النحو..
وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ يحيط بالعربية.. فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقن لغة أهل الحجاز على فصاحتها فحسب.. بل كان يخاطب كل قبيلة بلسانها.. وسنذكر في هذا المقال طرفا مما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك الشأن.
كان صلى الله عليه وسلم مع فصاحة لسانه وبلاغة قوله سلس الطبع، بارع المنزع، ناصع اللفظ، جزل القول، صحيح اللسان، لم يُنقل عنه أبداً لحناً ولا خطأً.. مع قلة تكلّف، وصحة معنى..
آتاه ربه سبحانه جوامع الكلم، واختُصر له الكلام، وعُلّم ألسنة العرب؛ يخاطب كل قبيلة بلسانها ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها..
ومن تأمل أحاديثه تحقق من ذلك؛ فليس حديثه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد كحديثه مع قبائل نهد وهمدان وعُليم وكنده وحضرموت وملوك حِمْيَر واليمن..
وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) طرفا من كلامه صلى الله عليه وسلم مع ذي المعشار الهمداني، وطهفة النهدي وقطن بن حارثة العُليمي والأشعث بن قيس ووائل بن حُجر الكندي وغيرهم من كبار حضرموت وملوك اليمن وحِمْيَر..
فأورد نصا كريما من كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هَمدان وفيه: (إنّ لكم فٍراعها، ووهاطها، وعزازها، تأكلون علافها، وترعون عفاءها، لنا من دفئهم وصرامهم ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصدقة: الثلب، والناب، والفصيل، والفارض، والداجن، والكبش الحوري، وعليهم فيها الصالغ، والقارح)
وقول صلى الله عليه وسلم في دعائه لقبيلة نَهْد: (اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها، وابعث راعيها في الدَّثْر، وافجر له الثَّمَد، وبارك له في المال والولد)..
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لكم يا بني نهد ودائع الشرك، ووضائع المِلْك، لا تُلْطِط في الزكاة، ولا تلحد في الحياة..)..
وقوله صلى الله عليه وسلم لهم: (في الوظيفة الفريضة، ولكم العارض، والفريش، وذو العناب الركوب، والفلو الطبيس، لا يمنع سرحكم، ولا يُعضد طلحكم، ولا يُحبس دَركم، ما لم تضمروا الرماق، وتأكلوا الرِّباق، من أقر فله الوفاء بالعهد، ومن أبى فعليه الرِبوة)..
وذكر من كتابه صلى الله عليه وسلم لوائل بن حُجْر: (إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشابيب.. في التبيعة شاة، لا مقورة الألياط، ولا ضناك، وأنطوا الثبجة، وفي السيوب الخُمْس، ومن زنى مِم بكر فاصقعوه مئة، واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيب فضرجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدين، ولا غمة في فرائض الله، وكل مسكر حرام، ووائل بن حُجْر يترفل على الأقيال)..
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يكلّم كل قبيلة بلسانها..
بيد أن حديثه العام صلى الله عليه وسلم يسع الجميع بأقصر عبارة وألطف إشارة وأوجز مضمون؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
– الناس معادن
– أسلِم تسلم
– المستشار مؤتمن
– الناس كأسنان المُشط
– المرء مع من أحب
– حمي الوطيس
– الموطؤون أكنافا؛ الذين يألفون ويؤلفون
– رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم
– اتق الله حيثما كنت
– خير الأمور أوسطها
– الظلم ظلمات يوم القيامة
– لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين
– السعيد من وُعظ بغيره
إلى آخر ذلك من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم..
فقد جُمع له صلى الله عليه وسلم قوة عارضة البادية وجزالة ألفاظها، ونصاعة ألفاظ الحضر ورونق كلامهم..
وقد قالت أم معبد عنه صلى الله عليه وسلم في وصفه: (.. حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأنّ منطقه خرزات نُظمن.. جهير الصوت، حسن النغمة..)..
صلى الله عليه وسلم.