سألني صاحبي عن علّة ورود الفعل {خُلِق} في قول الله تبارك وتعالى: {خُلِق الإنسانُ من عَجَل} سورة الأنبياء الآية ٣٧.. مبنيا لما لم يُسَمّ فاعله، أو: (مبنيا للمجهول) كما يقول النُّحاة.. مع إن الخالق معلوم وهو الله عزّ وجلّ.
والذي يبدو لي والله تعالى أعلم أن الله تبارك وتعالى أراد أن يُعَرِّفنا أن العَجَلة متأصلة ومتجذرة في الإنسان وأنها رُكبت فيه من الأصل ومن القِدَم، ولذلك تجد بعض المفسرين يقولون: المقصود آدم عليه السلام.
فالعَجَلة طبع قديم أصيل مركوز في أصل الإنسان.. فناسبه مجيء الفعل المبني لما لم يُسمّ فاعله؛ لاشتهار الخالق جلّ وعلا..
والعَجَل المذكور في الآية الكريمة هو طلب الشىء وتحرّيه قبل أوانه، وهو ضد البطء والتمهّل.
ولذلك عبّرت آية سورة الإسراء بالشيء نفسه؛ إذ قال الله جل وعلا: {وكان الإنسان عجولا}.. وجاء لفظ (كان) لتقرير تأصّل العجلة في خلقته.
والمعنى والله أعلم: خُلِق جنس الإنسان مجبولا على العجلة والتسرع؛ فيستعجل حدوث الأشياء قبل وقتها المحدد لها، مع أن ذلك قد يؤدى إلى ضرر له لا يعرفه ولا يتنبّه له.
وخلاصة القول أن الآية الكريمة وصفت الإنسان بالمبالغة فى تعجّل الأمور قبل وقتها، ووصفته كأنه مخلوق من نفس التعجل.
ومعروف أن العرب تقول: فلان خُلِق من كذا. يعنون بذلك المبالغة فى اتصاف هذا الإنسان بما وصفوه به؛ كقولهم: خُلِق فلان من كرم. للمبالغة في وصفه بالكرم، وكقولهم: خُلِقت فلانة من الجمال. للمبالغة في وصفها بالجمال، وهكذا.
غير أن تكملة الآية الكريمة التي سألني عنها تحتاج إلى تأمل ونظر؛ وهو قوله تعالى {سأريكم آياتي فلا تستعجلون}. ذلك أن اللفظ الكريم {فلا تستعجلون} أصله فلا تستعجلوني، وليس فلا تستعجلوا..
وهو ما ذكره المفسرون في أسباب نزول الآية؛ كما قال ابن كثير: والحكمة فى ذكر عجلة الإنسان هنا: أنه- سبحانه- لما ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم وقع فى النفوس سرعة الانتقام منهم. فقال سبحانه: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} لأنه تعالى يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يُؤجّل ثم يعجّل، ويُنْظِر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: {سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي} أي نقمي واقتداري على من عصاني {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ}.
وقال البغوي: نزل هذا في المشركين؛ كانوا يستعجلون العذاب ويقولون: أمطر علينا حجارة من السماء، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث فقال تعالى: {سأريكم آياتي} أي: مواعيدي فلا تستعجلون، أي فلا تطلبوا العذاب من قبل وقته، فأراهم يوم بدر، وقيل: كانوا يستعجلون القيامة.
وعلاج هذه العَجَلة الصبر، فالصبر دواء هذه العجلة التي تمنع من إتمام فرائض الله كالصلاة والصيام؛ إذ كيف يخشع في صلاته عجول، وكيف يصوم عجول لا صبر له على رؤية الماء البارد وهو عطشان؟ ولذيذ الطعام وهو جوعان؟..
وكيف يمسك نفسه عجول عن مقارفة الآثام كالنظر المحرّم والزِّنا والفقر والعوز وهو لا صبر عنده؟
وذلك ما أرجو أن يوفق الله تعالى لبسط الكلام عنه في مرة قادمة إن شاء الله
- ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: الدراما التاريخية.. ومسلسل الحجاج - الثلاثاء _14 _فبراير _2023AH 14-2-2023AD
- ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: خُلِق الإنسانُ من عَجَل - السبت _4 _فبراير _2023AH 4-2-2023AD
- ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: وأنت تقرأ كتاب الله - الأربعاء _1 _فبراير _2023AH 1-2-2023AD