- الإسلام البروتستانتي (2) - الجمعة _1 _يناير _2021AH 1-1-2021AD
- الإسلام البروتستانتي (1) - الثلاثاء _29 _ديسمبر _2020AH 29-12-2020AD
- إشكالية الترحم والمجاملة والمحبة - الأثنين _21 _ديسمبر _2020AH 21-12-2020AD
إشكالية الترحم والمجاملة والمحبة.. في كل مناسبة عزاء في غير مسلم، تنقسم نخبة وجمهور صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى فريقين،
الفريق الأول يستنزل رحمات الله على الفقيد،
والثاني ينشر أدلة شرعية تستنكر فعل الفريق الأول؛ وتبدأ موجة عاتية من الاتهام بالقسوة يقابلها اتهام بالعصيان،
ويتطور الأمر إلى الغرق في بركة من وحل السباب، وغالبًا ينتهي الحوار بالحظر مع وافر اللعنات.
إن عدم الترحم على غير المسلم هو جزء من عقيدة المسلمين، لا يصح تركه من باب حب أو مجاملة،
وهناك من البراهين والأدلة ما لن يتسع له هذا المقال، كما أني لن أكرر ما كتبه من هم أقدر مني في هذا المجال؛
أحاول فقط الرد عقلًا على بعض النقاط التي دائما ما تثار حول هذه القضية:
تأويل خاطئ للنصوص؟!
أولًا: يعتبر أنصار «الترحم» أن الفريق المضاد يسوق لأدلة ذات تأويل خاطئ للنصوص الدينية،
وأنه بتبنيه فتوى «تحريم عدم الترحم على غير المسلم» إنما يريد أن ينصب نفسه إلها، فيدخل هذا الجنة ويلقي بذاك في السعير؛
وأقول: إن بيان الحكم الشرعي في مسألة شرعية ليس ادعاء ألوهية،
وكون أن الطرف المترحم لم يول القضية اهتمامًا بحثيًا يليق بها فهذا يعني أنه يريد أن يصنع مسلمة بناء على رأي نابع عن هوى؛
فالأدلة على هذه المسألة جاءت إما في شكل نص قرآني لا يحتمل خطأ التأويل،
أو أنها قتلت بحثًا وتفسيرًا من قبل علماء قضوا وآخرين على قيد الحياة.
لفظة الكفر
ثانيًا: يرتعب الناس من إطلاق لفظة الكفر على أي شخص خشية الوقوع في معصية، ولهم الحق، فهذه مهمة علماء الدين وليس العوام،
ولكن أن يخاف العلماء من توصيف الكافر خشية غضبة الحكام أو مداهنة لهم فتلك مصيبة تتسبب في فتنة وضياع للعلم والعمل؛
فمثلًا حين يدرج شيخ الأزهر غير المسلمين في العصر الحالي في باب أصحاب الفترة ويصرح بأنهم ناجون لأنهم منشغلون،
وليسوا أصحاب علم، ولا يفقهون شيئًا عن الأديان؛
فإنه بذلك ينفي وجود كفار معاصرين؛ إذًا فلمن خلقت النار؟ ولماذا هناك كفار في الديانات الأخرى؟
ثالثًا: يتهم المترحمون الفريق المستنكر بالقسوة والغلظة، وباستعذاب إلقاء الآخرين في الجحيم؛ طيب،
إذا كان الجحيم هو مصير غير المؤمنين في كل الديانات، فهل هذا يعني أنها ديانات لا ترحم؟
إن الانتماء لحزب أو جماعة يلزم العضو بدراسة مبادئها ومعاييرها بشكل متعمق،
فإن هو لم يدرس عقيدة دين قرر اعتناقه، فإن ثورته على لوائحه غير ذات معنى!
الجميع كافرون في دين الآخرين!
رابعًا: يظن الترحميون الكفر سبة أو إهانة للآخر، بالرغم من أن الجميع كافرون في دين الآخرين!
إن المبالغة في الدعاء بالرحمات بغير ضوابط تلغي فكرة الجنة والنار، والثواب والعقاب،
بل إنها تلغي فكرة الأديان نفسها؛ فالجنة في كل دين مرتبطة بالتزام المنتمي له بعقائده وشرائعه،
أما النار فهي عقاب حتمي لمن ضل؛
فإن صار الترحم على المؤمن كما الكافر فسيتساوى الصالح بالطالح، وسيشعر الإنسان ألا طائل من وراء إيمانه!
خامسًا: يرى الترحمي أن من واجب البشر أن يطلبوا الرحمة لغير المسلم من الله، وهو من يقرر الاستجابة من عدمها،
لأن الإنسان يجهل مصير الميت على غير الإسلام!
وأقول: لقد قرر الله وبين ووضح وأنزل كتبًا تُعْلم البشر بمواصفات الكافر، والمشرك، والمرتد، والمنافق،
وتحكى قصص عذاب الأولين جراء عدم الإيمان به، فكيف يدعي الإنسان الجهل بأحكامه بعد كل هذا؟
الدعاء بالرحمة
سادسًا: يعتبر الترحميون، أن طلب الرحمة لكل الأموات هو جزء لا يتجزأ من الإنسانية يعدمها من يرى غير ذلك؛ ونسألهم،
هل كان الله قاسيًا حين حرم رسوله محمد الترحم على أمه وأبيه غير المسلمين، وهل كان محمد لا إنسانيا لأنه قبل ذلك؟
سابعًا: يعتقد الترحميون أن الدعاء بالرحمة لغير المسلم هو واجب أخلاقي، فيستكثرون أن يكون مصيره جهنم فقط لأنه غير مسلم!
وكأن مسألة عدم إسلامه هذه أمر جانبي يجب تجاوزه؟ فيطلبون من الإله -الذي عانده هذا الإنسان أو أشرك به،
أو رفض نبيه- أن يرحمه! أليس من الواجب الأخلاقي أيضًا قبول حق الله في رفض هذا العبد وطرده من رحمته؟
التشكيك في مصير من مات على غير الإسلام
ثامنًا: بعض الترحميون يشككون في مصير من مات على غير الإسلام بالرغم من حكم الله فيه،
في حين أنهم يرضون بالحكم بالإعدام على من تثبت إدانته ولا يجرؤون على التشكيك في أحكام القضاء!
فهل علماء وضعوا القوانين الوضعية هم أكثر ذكاء وألمعية من علماء جمعوا الأحكام الفقهية؟ هل هذا هو المقصود؟
أخي المترحم، لا بأس أن تختار من أنيق كلمك ورقيق مشاعرك ما تطيب به روح رفيقك غير المسلم؛ تملك الكثير من المفردات لتقدم عزاء لائقًا دون أن تحتك بمبدأ شرعي،
وكما أنك مقتنع برحمة الله الواسعة، فلابد أيضًا أن تكون واثقًا من عدله اللامحدود.
الأحكام الشرعية لا يخضع لوجهات النظر
إن الحديث عن أحكام شرعية لا يجب أن يخضع لوجهة نظر، فالإسلام دين كامل لم يترك شيئًا إلا ووضع له ضابطًا.
عليك أن تقرأ، وتبحث بعقلية مرنة تقبل التراجع،
ولا تفتش عن أدلة ضعيفة لترجح رأيك، أنت قد لا تقبل أن تدلي برأيك في علم من العلوم لأنك لست متخصصًا،
فلم تخالف تلك القاعدة إذا اختص الأمر بعلم شرعي؟ّ قد ترد بأن الدين ليس حكرًا على أحد وأوافقك؛
لكن هذا في حالة ما إذا تفرغت وبحثت لتثبت وجهة نظرك علميًا، وهنا عليك أن تراجع آراء كل من سبقوك وتفسيراتهم كأي علم آخر؛
هل تجرؤ مثلًا أن تحكم أن بتر عضو لمنع تسمم جسم هو نوع من القسوة في علم الطب؟ لا أظن!
وفي النهاية،
أرى أن إثارة مثل هذه القضايا هو أمر صحي؛
لأنها تشحذ همم أهل العلم للتصدي لعملية ممنهجة لتشويه المفاهيم،
ولتصحيح مسار يراد لسالكيه أن يدخلوا متاهة لا يخرجون منها أبدًا.